إذا كانت الكتل المقاطعة لجلسة “الأونيسكو” اليوم “لا يدرون ماذا يفعلون” بحسب التشخيص الدستوري لرئيس المجلس، فالأكيد أنّ أهل الأكثرية الحاكمة “يدرون جيداً ماذا يفعلون” بالناس وكيف “فجّروهم” وهجروهم وأوصلوهم إلى دون مستوى الحياة البشرية عن سابق تصور وتصميم إجرامي، حتى أصبح اللبناني على مرأى ومسمع العالم يصارع الحياة باللحم الحيّ، بلا غذاء ولا دواء ولا كهرباء ولا استشفاء ولا مال ولا وقود… وصولاً إلى قطع الأوكسيجين والأمصال عن المرضى والأطفال تحت وطأة الإطفاء القسري للمولدات في عدد من المستشفيات.
فبغض النظر عما تم تظهيره بالأمس في بيان عين التينة لناحية محاولة إضفاء الصبغة الفقهية – الدستورية على الخلاف النيابي حول جلسة “الحصانات”، يبقى أنّ مواقف الكتل النيابية المقاطعة للجلسة لاقت ببساطة على أرض الواقع مطلب أهالي شهداء انفجار المرفأ بقطع طريق “الأونيسكو” اليوم رفضاً للالتفاف السياسي على التحقيق العدلي في الجريمة، لا سيما وأنّ أوساط الأهالي أبدت عشية “جلسة العار” عزمهم على التصدي بحزم لمؤامرات الطبقة الحاكمة لأنّ “دم الشهداء ما بيصير ميّ… ولن تنجح محاولات السلطة لتسييله في كؤوس مؤامراتها القذرة”.
لكن، وإذا كانت مواقف معظم الكتل النيابية “متصالحة” مع مواقفها المبدئية، سواءً في دعم أو رفض انعقاد الجلسة، غير أنّ “الانفصام” في الموقف بدا السمة الطاغية على موقف “التيار الوطني” في معرض تقويم التضارب الصارخ بين “موقفه النيابي” الداعي إلى رفع الحصانات عن المدعى عليهم من جانب المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، وبين “موقفه الرئاسي” الرافض لرفع الحصانة عن المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا. إذ عُلم في هذا المجال أنّ اجتماع قصر بعبدا أمس خلص إلى رفض طلب المحقق العدلي المحال إلى المجلس الأعلى للدفاع وحجب منح الإذن بملاحقة صليبا وإحالة القرار رسمياً بذلك إلى النيابة العامة التمييزية.
حكومياً، تتجه الأنظار اليوم إلى الاجتماع الثامن بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي لتلمّس مدى حقيقة الأجواء الإيجابية التي حرص الجانبان على ضخها إثر اجتماعهما أمس في بعبدا. وبينما آثر الرئيس المكلف الإبقاء على تفاؤله الحذر في معرض تأكيده أنّ “الأمور تسير في مسارها الصحيح”، نقلت دوائر الرئاسة الأولى معطيات تفيد بوجود “تقدم ملموس في تشكيل الحكومة لا سيما في مسألة توزيع الحقائب، وحصل اتفاق على استكمال نقاط تحتاج الى متابعة للوصول الى الصيغة التي تحظى بقبول الجميع”، موضحةً أنه جرى استعراض “صيغة اتفاق – مسودة حول خريطة توزيع الحقائب” خلال الاجتماع بين عون وميقاتي على أن يتولى كل منهما “إجراء الاتصالات اللازمة مع الجهات المعنية ليصار (اليوم) إلى التباحث في نتائج جولة الاتصالات هذه في اللقاء المرتقب بينهما”.
وتوازياً، لفتت مصادر مواكبة للملف الحكومي إلى أنّ الأجواء الإيجابية التي ترددت أصداؤها في بعبدا “لا تعني بالضرورة أنّ الأمور أصبحت في خواتيمها”، وفضّلت انتظار نتائج اجتماع اليوم لاتضاح الصورة أكثر أسوةً بما درجت عليه العادة في عملية التأليف من “تقلبات سريعة في الأجواء بين الإيجابية والسلبية”، خصوصاً وأنّ المصادر لفتت الانتباه إلى أنّ “البحث في الاسماء لم ينته بعد وما زال التحفظ قائماً من جانب رئيس الجمهورية حول اسم يوسف خليل المطروح لتولي حقيبة المالية، بذريعة أنه من فريق عمل حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، الذي يضع عون مسألة الإطاحة به على رأس أولوياته في المرحلة المقبلة بهدف استبداله بحاكم مركزي جديد محسوب على التيار العوني”. غير أنّ المصادر نفسها كشفت في المقابل أنّ أوساط الثنائي الشيعي ترى في اعتراض عون على تسمية خليل “حرتقة” مباشرة على رئيس المجلس النيابي الذي “وإن كان يؤكد أنه لم يقم بتسمية يوسف خليل وزيراً للمالية، لكنه في الوقت عينه لن يقبل بأن يتدخل عون بأي اسم شيعي وإلا فإنه سيطالب بإعطاء رأيه بالأسماء المسيحية”.
وعما قصده ميقاتي عندما أكد التوصل إلى مسودة صيغة وزارية، أجابت المصادر: “عنى بذلك الوصول في النقاش إلى مرحلة إسقاط الطوائف على الحقائب”، وأوضحت أنّ “المسودة أبقت القديم على قدمه لناحية توزيع الحقائب السيادية مع إعادة توزيع بعض الحقائب الخدماتية وغيرها”، معربةً عن قناعتها بأنّ الرئيس المكلف يعتبر أنّ “البحث أصبح متقدماً ولذلك هو يعول على أن يحمل اجتماع الغد (اليوم) تقدماً إضافياً باتجاه تثبيت نقاط الاتفاق على المسودة المطروحة في الأيام القليلة المقبلة، لأنّ الحاجة باتت ملحة لتأليف حكومة لا سيما وأنّ كل الأطراف أصبحوا يستشعرون حراجة الوضع وخطورته”.