على وقع يوم طويل من الاحتجاجات الشعبية، تصدّرت ثلاثة ملفات الاهتمامات والمتابعات أمس: قرار مصرف لبنان رفع الدعم عن المحروقات وما تلاه من اجتماعات رئاسية وحكومية ووزارية، جلسة مجلس النواب التي أُرجئت بسبب فقدان النصاب وكانت قد ترافَقت مع تحركات لأهالي ضحايا 4 آب، والملف الحكومي في ضوء اللقاءات المفتوحة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، ولكن من دون أن تسفر حتى اللحظة عن نتائج عملية.
وضعت أوساط سياسية قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة برفع الدعم عن المحروقات في إطار تقني وآخر سياسي، وقد برّر الحاكم الإطار الأول بالبيان الذي أصدره لجهة انّ القانون يُحظِّر المَساس بالتوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية، وانّ المواد لا تزال مفقودة على رغم انّ مصرف لبنان دفع ما يفوق 800 مليون دولار للمحروقات في الشهر المنصرم، ما يُثبت ضرورة الانتقال من دعم السلع، التي يستفيد منها التاجر والمُحتكر، إلى دعم المواطن مباشرة، وفق ما جاء في بيان المصرف.
أما الإطار السياسي فيندرج في سياق رفع منسوب الضغوط الشعبية على القوى المعنية بتأليف الحكومة من أجل الإسراع في عملية التأليف، وبمعزل عما إذا كان هناك إيحاء للحاكم باتخاذ قراره من جهة سياسية معينة، او انّ خطوته غير منسقة مع أحد واستدعَتها الأوضاع المالية جرّاء نفاد المال، إلّا انّ النتيجة تبقى واحدة وهي انّ تشكيل الحكومة يبقى الخطوة الوحيدة لتنفيس احتقان الناس وغضبهم.
ولاحظت المصادر نفسها انّ هناك من أراد ان يضرب 4 عصافير بحجر واحد:
ـ العصفور الأول، انّ قرار رفع الدعم متخّذ وكان ينتظر التوقيت لإعلانه، وقد تمّت تهيئة الناس لهذا الأمر، وهناك من بدأ يقول أساساً فليرفع الدعم بغية إنهاء حالة الذل بطوابير البنزين، فضلاً عن انّ هذه الخطوة لا مفرّ منها عاجلا أم آجلا، وكانت تنتظر التوقيت المناسب.
ـ العصفور الثاني، ان يشكّل رفع الدعم ضغطاً على العهد من أجل ان يخفِّف قيوده وشروطه ويُسرِّع خطوات التأليف، لأن كل الضغط الشعبي في ظل غياب حكومة سينفجر في وجه العهد.
ـ العصفور الثالث، ترييح الحكومة العتيدة متى تألّفت من خطوة من هذا النوع، لأنّ رفع الدعم مسألة حتمية، ومن مصلحة حكومة جديدة ان تتعامل مع تداعياته لا ان تتخذ القرار برفعه نظراً لانعكاساته الشعبية. وبالتالي، من مصلحة ميقاتي ان يرفع الدعم قبل دخوله إلى السرايا.
ـ العصفور الرابع، جاء توقيت رفع الدعم قبل أسابيع قليلة من تَسلّم لبنان حصته من صندوق النقد الدولي البالغة 860 مليون دولار، والتي يمكن الاستفادة منها بطرق عدة وفي طليعتها تمويل البطاقة التمويلية.
إجتماع تاسع
وفي ظل هذه الاجواء انعقد بعد ظهر أمس اللقاء التاسع للتأليف بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، فعرضا خلاله لمسار تشكيل الحكومة العتيدة وآخر التطورات على هذا الصع واكتفى ميقاتي بالقول: “إن شاء الله خيراً. وسنتابع الاسبوع المقبل”.
مهلة تثير القلق
وفي وقت لاحق كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية” انّ اللقاء بين عون وميقاتي “كان ايجابياً نسبةً الى حجم التقدم الذي تم التوصّل اليه، بعد تغيير القواعد التي يمكن اللجوء إليها للوصول الى تشكيلة كاملة بالمواصفات المطلوبة والتصنيف المُعتمد للحقائب”.
وعلى رغم تكتّم الرئيس المكلف واكتفائه بالإشارة الى انّ اللقاء العاشر سيُعقد مطلع الاسبوع المقبل، وهي مهلة تثير القلق نتيجة التجارب السابقة، فإنّ مصادر قريبة من بعبدا بَرّرت لـ”الجمهورية” هذه المهلة بالإشارة الى ان هناك اموراً يجب التفاهم حولها، خصوصاً انّ اللقاء أمس أنهى الجزء المتصل بتوزيعة الحقائب غير الاساسية، لا سيما ان الحقائب الاربع السيادية ستبقى كما هي في التشكيلة السابقة لجهة توزيعها المذهبي من دون أي تعديل.
ولفتت المصادر الى انّ التفاهم على بقية الحقائب العادية والخدماتية بات منجزاً، باستثناء حقيبتين او ثلاث، وان الاتفاق حولها تمّ من خارج التفسير السابق الذي تحدثَ عن منطق المداورة، فالتفاهم بين عون وميقاتي تجاوزَ هذه المعادلة، التي لم تعد مطروحة بأي شكل من الأشكال التقليدية التي كانت معتمدة سابقاً.
على صعيد آخر، كشفت المصادر لـ”الجمهورية” انه تم الاتفاق على مهلة الأيام الثلاثة الفاصلة عن اللقاء العاشر، بُغية إنجاز التفاهمات النهائية على الأسماء المقترحة لإسقاطها على الحقائب العادية، قبل العودة الى البحث في إسقاط الأسماء على الحقائب السيادية بعد تذليل العقبات المُشار اليها، وسط اقتناعٍ بأنّ مخارجها موجودة وهي تحتاج الى هذه المهلة في ظل الضغوط المعيشية والاقتصادية الصعبة التي فرضتها التطورات الاخيرة، خصوصاً الحاجة الى حكومة تُكمل ما بدأته حكومة تصريف الاعمال في الساعات الماضية لإدارة مرحلة ما بعد رفع الدعم والنتائج المترتبة على مثل هذه الخطوة على اكثر من مستوى.
في الامتار الاخيرة
الى ذلك، أكدت اوساط مواكبة لمستجدات الملف الحكومي ان التوزيع الطوائفي والسياسي للحقائب الوزارية انتهى تقريباً، وانّ الايام القليلة المقبلة ستخصص لمشاورات بعيدة من الاضواء للتوافق على اسماء الوزراء.
وتوقعت الاوساط أن تولَد الحكومة خلال الأسبوع المقبل “اذا لم تطرأ عراقيل في الأمتار الأخيرة”، مشيرة الى “انّ القرار الذي اتخذه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة برفع الدعم قَصَم ظهر البلد، ودفع في اتجاه التعجيل في تشكيل الحكومة لمواجهة تداعيات هذا القرار، سواء نُفذ الآن أو لاحقاً”.
ونقل زوار عين التينة عن رئيس مجلس النواب نبيه بري ارتياحه الى التقدم الذي سُجّل في الملف الحكومي.
إحتجاجات وفوضى
وكان قرار رفع الدعم عن المحروقات قد فجّر احتجاجات عارمة وفوضى شاملة عمّت بيروت وكل المناطق اللبنانية، وتهافت مواطنون على المحطات لمحاولة التزود بالبنزين قبل ارتفاع سعره، فيما أقفل محتجون عدداً من الطرق الدولية وداخل عدد من المدن والمناطق احتجاجاً على الغلاء الفاحش.
وفي هذه الاثناء ترأس عون اجتماعاً في بعبدا حضره وزيرا المال والطاقة وحاكم مصرف لبنان، تركّز البحث خلاله على قرار رفع الدعم عن المحروقات. وشدد عون على أنّ هذا القرار له تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة، وذكّر بالمداولات التي ركّزت على قانون البطاقة التمويلية التي تربط رفع الدعم بإصدار هذه البطاقة، وكذلك بالموافقات الاستثنائية لمجلس الوزراء التي أجازت للمصرف استعمال الاحتياطي الالزامي لفتح اعتمادات لشراء المحروقات ومشتقاتها، وطالبَ سلامة التقيّد بهذه النصوص.
وقال عون لحاكم مصرف لبنان إنّ أي قرار يتخذه يجب ان يتم بالتنسيق مع السلطة الإجرائية، التي أناط بها الدستور وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات.
في المقابل، أبلغ سلامة الى عون أنه غير قادر على الاستمرار في الدعم إلا بموجب قانون يصدر عن مجلس النواب، ويسمح باستخدام التوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية.
قرار غير مسؤول
وبعد اجتماع وزاري استثنائي في السرايا الحكومية برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، صدر بيان اعتبر فيه المجتمعون قرار رفع الدعم بـ”القرار المفاجئ وغير المسؤول (…) الذي سبق إصدار البطاقة التمويلية والمرحلة الإنتقالية الضرورية لرفع الدعم”، وحمّلوا سلامة ومجلسه المركزي “مسؤولية القرار وتوقيته، لا سيما أنّ المصرف يتحمّل ما آلت إليه سياسته المالية والنقدية”. وشددوا على “الاستمرار في سياسة الدعم وترشيده وتحميل الجهات الرقابية والأمنية المسؤولية لإيصال الدعم إلى المواطن”. كذلك شددوا على “اتخاذ كافة الاجراءات لحماية المجتمع من مثل هذه القرارات التي تُحدِث نكبة اجتماعية، والبدء فوراً بتطبيق قانون البطاقة التمويلية، وإلزام الشركات والمحطات العاملة في قطاع النفط بجدول الأسعار الرسمي المعتمد”. على ان “يتولى وزير الطاقة وضع خطة لزيادة تغذية التيار الكهربائي حتى نهاية 2021، وتقديم مشروع قانون لمجلس النواب لتأمين التمويل لهذه الخطة”.
ضياع الشركات
في غضون ذلك قالت مصادر الشركات المستوردة للمحروقات لـ”الجمهورية” اّن “الارباك الذي حصل على مستوى الدولة بما خص رفع الدعم انعكس ضياعاً لدينا، اذ لا نعلم اليوم على اي سعر سنُسَلّم المخزون الجديد الموجود في البواخر، هل نسلّم على سعر 3900 ليرة لبنانية ام على سعر 21000؟ ونحن سنستمر في تسليم المخزون لدينا من مادتي المازوت والبنزين من مادة المحروقات التي تسلّمناها مسبقاً على سعر 3900 ليرة لبنانية، امّا البضاعة الجديدة فنتريّث في انتظار قرار موحد نَتصرّف على اساسه، علماً أنّ المخزون الموجود حالياً على الشاطئ في البواخر هو باخرة بننزين وباخرتا مازوت تابعتان للشركات الكبرى، أمّا المخزون الداخلي الذي يجري توزيعه حالياً فهو لا يكفي اكثر من يومين من احتياجات السوق من البنزين والمازوت”.
قرار تخريبي
وعلّق رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في كلمة متلفزة أمس على قرار سلامة “رفع الدعم الفجائي”، وقال: “ان المادة 13 من قانون النقد والتسليف تقول ان المصرف المركزي هو شخص معنوي ويتمتع بالاستقلالية المالية، اي انه هيئة عامة تتبع للدولة وتخضع لسلطة الحكومة ولقراراتها. ووفق المادة 65 من الدستور، الحكومة هي التي تضع السياسات العامة وتنفذها بكل المجالات، إذ انّ الحاكم هو حاكم المصرف المركزي وليس حاكم الجمهورية اللبنانية ليتصرف وحده بقرارات استراتيجية ومصيرية تَمسّ الأمن الاجتماعي للبلد وحياة المواطنين ككل. الحاكم معتاد على هذه السياسة ويطبّقها منذ التسعينات، وهو الذي قرر وحيداً سياسة الدعم منذ 17 تشرين”.
ورأى باسيل أنّ “سلامة أضاف الى الازمة قراره الفُجائي والمشبوه بتوقيته، إذ بات واضحاً أنّ الحكومة اقتربت من التأليف، وأنّ الجو إيجابي بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف وأن لا عراقيل، وهناك من يريد أن يَنسف هذا الجو الايجابي ولا يريد تأليف حكومة”.
كذلك قال باسيل: “أتى هذا القرار في وقت اقتربنا من جهوزية البطاقة التمويلية. والمطلوب اليوم وقف هذا القرار المشبوه. وهذا لا يعني استمرار الدعم كما هو بل أن نذهب الى سياسة حكيمة ومتدرّجة لإلغائه وتعويض الناس. لكن المطلوب وقف هذا القرار التخريبي”.
الأولوية الموصوفة
وأكّدت كتلة “الوفاء للمقاومة” النيابية أنّ الإجراء الذي اعتمده سلامة لجهة وقف الدعم لفاتورة المحروقات “مرفوض، لأنّه خارج سياق أي خطة إنقاذية ومخالف للسياسة التي قرّرتها الحكومة وأقرّها مجلس النواب، حين صادقَ على البطاقة التمويلية التي تدعم العوائل الفقيرة، ودعا الى تنفيذها قبل أي إجراء آخر يتّصل برفع أو تخفيف الدعم عن أي مادة من المواد الحيوية للمواطنين”.
وناشدت الكتلة، في بيان، بعد اجتماعها برئاسة النائب محمد رعد، جميع المعنيين “إيلاء تأليف الحكومة الأولوية الموصوفة، وذلك لوقف التدهور في أوضاع المواد الحيوية والقطاعات والمرافق المختلفة في البلد، وتجنباً للأسوأ الذي ينتظر المواطنين، إن على الصعيد المعيشي والاقتصادي أو على صعيد الاستقرار الاجتماعي الذي بات يتهدّده تفاقم العوز والعجز عن ضبط المخالفات ومنع التجاوزات المتمادية”.
جلسة الحصانات
والى الهمّ المعيشي، تحرّك اهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت ضد محاولة تمييع الحقيقة في هذه الجريمة، فتظاهروا قرب قصر الاونيسكو
حيث كان مقرراً انعقاد الجلسة النيابية للبحث في موضوع طلب رفع الحصانات عن بعض الوزراء السابقين النواب. ولكن امام الضغط في الشارع وفي ظل مقاطعة كتل نيابية وازنة، تم تأجيل هذه الجلسة.
وبعد رفع الجلسة، قال النائب نهاد المشنوق: “ما حصل اليوم (أمس) ليس فقداناً للنصاب بل هو إلغاء للدستور”، وأضاف في كلمة من الأونيسكو: “سأتّصل برئيس القلم لدى المحقق العدلي ليحدد لي موعدا لأدلي بإفادتي في قضية انفجار المرفأ. وقد توجّه المشنوق الى قصر العدل للادلاء بإفادته امام المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار “حتى لو لم يرفع مجلس النواب الحصانة عني”، فأُبلِغ أولاً انّ البيطار غير مداوم في مكتبه، ثم أبلغ لاحقاً انه يرفض الاستماع الى إفادته.
من جهته، وزير الاشغال السابق يوسف فنيانيوس كرر تأكيد براءته. وقال في مؤتمر صحافي: “لن أستكين او أستسلم واترك وسيلة للدفاع عني بالقانون”. واضاف: “كنت أتمنى الّا يحاضرني بالعدالة أصحاب السوابق واللاهثين وراء اصوات انتخابية”.
كورونا
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 1817 إصابة جديدة (1788 محلية و29 وافدة)، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 578367. كذلك سجل التقرير4 حالات وفاة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 7962.
طائرة مسيرة
على الجبهة الجنوبية، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي مساء أمس، إن القوات الإسرائيلية أسقطت طائرة مسيرة تابعة لـ”حزب الله” اجتازت الحدود من لبنان.
وأفاد المتحدث “أن قوات جيش الدفاع رصدت مسيرة تابعة لـ”حزب الله” اجتازت الحدود من لبنان إلى داخل إسرائيل وأسقطتها”. واشار الى ان الطائرة “كانت تحت مراقبة الجيش طوال الحادث”. وشدد على “أن جيش الدفاع سيواصل العمل لمنع أي محاولة لخرق السيادة الإسرائيلية”.