فيما تلملم عكار اشلاء ضحاياها، وتتحرك السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا على خط التهويل والتحذير من «خطورة» التعاون النفطي مع ايران، عاد تاليف الحكومة الى «مربع» التفاؤل الحذر بعد جرعة مفرطة بالتفاؤل نهاية الاسبوع الماضي على وقع «مجزرة» المحروقات، وعاد «شيطان التفاصيل» ليزيد منسوب القلق من تفريط المعنيين بالتشكيل بالفرصة المتاحة للتشكيل خصوصا ان العقد الجديدة عنوانها حصص بعض الاحزاب والقوى في الحكومة، وفي مقدمتها حصتا «المردة» «والاشتراكي»، والى ان يتبلور المشهد الحكومي خلال ال48 ساعة المقبلة، تتوالى الانهيارات الاقتصادية والامنية في البلاد، شبكة كهرباء لبنان خارج السيطرة والعتمة شاملة، ولا يبدو ان الفيول العراقي سيكون متاحا قبل مطلع ايلول في ظل تعقيدات ادارية مع المصرف المركزي العراقي المعترض على احدى شركات التكرير، طوابير «الذل» على المحطات غير مسبوقة، مخزون الشركات لا تكفي الا لثلاثة ايام، وبعدها ستفقد المحروقات من الاسواق في ظل عدم توصل المصرف المركزي ووزارة الطاقة الى حل حيال التسعيرة التي سيتم اعتمادها للاستيراد مع اصرار الحاكم رياض سلامة على عدم التراجع عن رفع الدعم، الغاز وصل الى «الخط الاحمر» والمستشفيات تزودت بكميات من المازوت تكفيها لبضعة ايام فقط، فيما الافران تعمل يوما بيوم على وقع مصادرة الجيش ملايين الليترات التي يوزعها على القطاعات الحيوية…في الخلاصة ايام معدودة قبل الانهيار الشامل اذا لم يحصل انفراج سياسي، يضع البلاد على «سكة» الخلاص.
فوضى شاملة؟
وفي هذا السياق، حذرت مصادر أمنية رفيعة المستوى، من الفوضى الشاملة، واشارت الى ان تحرك الجيش اللبناني في كافة المناطق اللبنانية جاء على خلفية التحلل السياسي والامني، وقد اتخذ القرار في اجتماع اليرزة الاخير والذي ضم كافة قادة القوى الامنية «بالضرب من يد من حديد» بعدما تقاطعت التقارير الامنية الداخلية والخارجية على نقطة محورية تفيد بان الأمور تجاوزت «الخط الاحمر» بعدما تحولت البلاد الى «حارة كل من ايدو الو»، وسط تقديرات بان الانفلات الأمني الشامل بات «قاب قوسين او ادنى».. وتحذر تلك الاوساط من استمرار الفراغ السياسي وعدم تشكيل حكومة قريبا جدا، لان القوى العسكرية لن تكون قادرة على الاستمرار طويلا في حالة الاستنفار القصوى على مختلف الاراضي اللبنانية، وستتعرض للانهاك اذا لم تبدأ عملية جدية للانقاذ الاقتصادي تريح الجو العام في البلاد،وهذا يعني حكما ان التدهور المرتقب سيكون خطيرا للغاية ودون «كوابح»، وقد وضعت هذه التحذيرات على «طاولة» مجلس الدفاع الاعلى وكل من يعنيهم الامر وبيدهم «الحل والربط».
«استياء» شيا
في غضون ذلك، حرك الخطاب الاخير للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الدبلوماسية الاميركية في بيروت على خلفية تعهده القاطع باستيراد البنزين والمازوت من ايران، فسفيرة الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا التقت الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، ورئيس الجمهورية ميشال عون، ووفقا لمصادر مطلعة، طلبت السفيرة الموعدين تحت عنوان الاطلاع على الجهود الآيلة لتشكيل حكومة جديدة، لكن الدبلوماسية الاميركية عبرت للرئيسين عن «استياء» بلادها من الاتهامات الموجهة «لعوكر» من قبل حزب الله بادارة الانهيار في لبنان.
تحذير من التعاون مع ايران
وفي رد على «مضبطة» اتهام السيد نصرالله، لفتت الى ان الادارة الاميركية حريصة على التاكيد بانها لا ترغب في انزلاق البلاد الى الفوضى، ولا تسعى الى الانهيار، وطالبت بتفسيرات حيال «البطء» في عملية «الولادة» الحكومية. اما الامر الاكثر الحاحا في زيارتها فكان «الاستفسار» عن جدية التعاون مع ايران في مجال المحروقات، محذرة من مخاطر التعاون مع بلد تفرض عليه بلادها عقوبات «صارمة»، ما قد ينعكس سلبا على الاقتصاد اللبناني المنهك الذي لن يكون خارج دائرة هذه العقوبات، في المقابل سمعت شيا كلاما واضحا في القصر الجمهوري عن عدم وجود اي ترتيبات رسمية من الدولة حيال هذا الملف، مع التحذير في المقابل من ترك لبنان يغرق في ازماته ما سيفتح «الابواب» امام جهود غير رسمية لايجاد الحلول في قطاع حيوي يضع انهيار البلاد امام الفوضى الشاملة. اما الرئيس ميقاتي فنفى علمه بوجود نية لدى الدولة اللبنانية في استيراد المحروقات من ايران.
«التهويل» باسرائيل؟
وما لم تقله شيّا، خلال زيارتها «التحذيرية» نقله زوار السفارة الاميركية في بيروت الذين اكدوا ان «الاجواء» في عوكر تشير الى وجود قرار اسرائيلي جدي وليس «مناورة» لمنع تحول ايران الى منقذ للاقتصاد اللبناني، وجزمت ان حزب الله لن يستطيع الحصول على وقود من طهران لان الاسرائيليين سيمنعون ذلك ببساطة سواء تم ذلك عبر شاحنات أو سفن عبر العراق وسوريا!
وكانت السفيرة الاميركية قد اكدت بعد لقاء عون ان الشعب يعاني والاقتصاد والخدمات الأساسية وصلا إلى حافة الانهيار. وقالت «كل يوم يمر دون وجود حكومة تتمتع بالصلاحيات وملتزمة وقادرة على تنفيذ إصلاحات عاجلة هو يوم ينزلق فيه الوضع المتردي أصلاً أكثر فأكثر إلى كارثة إنسانية”.
بيرنز في بيروت ؟
زيارة شيا الى القصر الجمهوري تاتي عقب لقاء عقده رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية «سي اي ايه» ويليام بيرنز في بيروت مع قائد الجيش العماد جوزاف عون وعدد من قادة الأجهزة الأمنية بعيدا عن الاضواء عقب انتهاء زيارته الى اسرائيل وهو في طريقه إلى القاهرة..
ووفقا للمعولمات حمل بيرنز في لقاءاته التي عقدها على انفراد مع قادة الأجهزة العسكرية والأمنية رسالة دعم أميركية للدور المميز الذي تقوم به القوى الأمنية، للحفاظ على الأمن والاستقرار، وهو تطرق على هامش لقاءاته إلى تصاعد الأزمة السياسية، في ظل الفراغ المترتب على تعذر تشكيل الحكومة الجديدة، قالت إنه استمع إلى وجهات نظرهم حول «هشاشة» الوضع الامني ومدى قدرة القوى الامنية على الصمود في مواجهة المخاطر المحدقة.
عقد حكومية جديدة
حكوميا، عاد الحذر المشوب «بالتفاؤل» ليفرض نفسه عقب الزيارة العاشرة للرئيس المكلف نجيب ميقاتي الى بعبدا، فكلامه عن وجود عقدة اخيرة بحاجة لحل اعادت مربع التشكيل الى مرحلة «الشك» بعدما توقع الكثيرون خروج «الدخان الابيض» يوم امس، وكان اصرار ميقاتي على عدم حسم مسألة التاليف على الرغم من تاكيده على تقدمها على الاعتذار، محوريا في كلامه، ووفقا لمصادر مطلعة على مسار التشكيل تم تبادل اسماء بين ميقاتي والرئيس عون سيدرسها الطرفان ويأخذان الوقت الكافي للاتفاق عليها او تعديلها على ان تتبلور الصورة خلال ٤٨ ساعة، وهما دخلا مرحلة التسمية في الحقائب التي تم التوافق عليها ما يتطلب مزيداً من التشاور خصوصا أن بعض الأسماء التوافقية، وفيما كانت حقيبة الطاقة قد حسمت لصالح الرئيس، عادت مجددا الى دائرة البحث، أما حقيبة الشؤون الإجتماعية فلم يتم التوافق عليها بعد.
عقدة «المردة» ..
ووفقا للمعلومات، في التشكيلة اسماء لا اشكالية عليها، لكن مطالب مستجدة من بعض الافرقاء حول 3 حقائب، «فرملة» الاندفاعة اضافة الى النقاش المتواصل حول اسم وزير الداخلية، وعلم في هذا السياق أن تيار المردة هو الطرف المسيحي الوحيد الذي سيعطي الحكومة الغطاء المسيحي في هذه المرحلة المتراكمة بالازمات، وقد طلب الوزير سليمان فرنجية ثلاث وزارات بينها وزارة وازنة، لكن رئيس الجمهورية اعترض وقال لميقاتي: كيف لتكتل من ثلاثة نواب أن يكون له ثلاثة وزراء في الحكومة؟! وقد وعده الرئيس المكلف باجراء المزيد من الاتصالات لتذليل هذه العقبة.
..«والاشتراكي»!
أما العقدة الثانية المستجدة فمتمثل في تمثيل الحزب التقدمي الاشتراكي في الحكومة حيث أصر الرئيس عون على أن تكون حقيبة التربية للنائب طلال أرسلان، وأن تكون حقيبة المهجرين للنائب السابق وليد جنبلاط، على قاعدة أن عون تنازل عن التربية للطرف الدرزي الذي يريده هو ولن يعطيها للاشتراكي.ووفقا للمعلومات، اعترض ميقاتي وسأل الرئيس كيف ترفض تمثيل ثلاثة نواب بثلاثة وزراء، في وقت تصر فيه على تمثيل ارسلان بحقيبة وازنة، وهو لا يملك كتلة «جدية» فيما تريد منح الاشتراكي الذي لديه كتلة من تسعة نواب بحقيبة عادية.
وفي انتظار حل العقد المستجدة، لم تتبدد بعد الاجواء التفاؤلية، لكن استمرار المراوحة الى ما بعد الاسبوع الحالي، وعدم حسم عملية التاليف قبل نهايته، سترسم، براي مصدر سياسي بارز، علامات استفهام كبيرة حول جدية كلا الطرفين في انهاء هذا «المسلسل» الذي بات مملا ولا يواكب حالة الانهيار الكبيرة على كافة المستويات..
وكان ميقاتي قال عقب اللقاء مع عون» نحاول حل موضوع الحكومة بالطريقة الملائمة للجميع والعبرة في النهاية ولن أشرح من هذا المنبر المشاكل الموجودة. وقال «نسبة تشكيل الحكومة أكبر من نسبة الاعتذار، ولكن الامر ليس مثبتا، وليس لدي وقت محدد ولكن المدة ليست مفتوحة».
وفي رد على الحملة التي تعرض لها عقب حادثة عكار اكد رئيس الجمهورية ميشال عون انه لن يستقيل وسيقوم بواجباته حتى النهاية، وأمل عون في نهاية عهده الذي اتسم بالأزمات «أن تبدأ معه مرحلة إعادة إعمار لبنان نفسياً ومادياً على أن يستكملها الرئيس الجديد في وقت لاحق».وخلال استقباله وفد «المجلس الوطني للتجمع من أجل لبنان» اعتبر أن «لبنان لم يشهد مثيلاً للأزمة التي يعيشها اليوم إلا في عام 1916»، وجدد التأكيد على سعيه المتواصل لإجراء التدقيق الجنائي، معتبراً أنه «كلما اقترب الأمر من التحقيق كلما زادت الضغوط لمنعه».
كيف حصلت جريمة عكار؟
في هذا الوقت لا تزال التحقيقات في الانفجار الذي وقع في بلدة التليل العكارية، واودى بحياة 28 شخصاً وإصابة 79 آخرين بجروح وحروق بليغة، دون نتائج حاسمة حتى الان، وسط فرضيتين الاولى اطلاق رصاص على الخزانات او قيام احد الاشخاص باشعال الحريق عمدا عبر «ولاعة»، ووفقا لمصادر مطلعة فان اثار الرصاص على الخزان، لا يعرف حتى الان ما اذا كانت قديمة او جديدة، اما العدد الكبير من شهود العيان فقد افادوا بعدم سماع اطلاق رصاص في محيط المنطقة، والفرضية الاكثر رجحانا تشير الى قيام شخص باشعال «ولاعة» ادت الى حصول الانفجار بعد اشكال حصل بين عدد من الشبان في ظل فوضى عارمة، وتسرب لمادة البنزين في محيط الخزانات.
واضافة الى فضيحة نقص المستلزمات الطبية، والتقصير في تجهيز المستشفى التركي للحروق، وغياب الشفافية حيال حقيقة ما حصل في تلك الليلة «المشؤومة»، كانت الفضيحة في العثور بالامس على جثة متفحمة في موقع الجريمة، فيما لا تزال بعض العائلات تبحث عن ابنائها المفقودين بانتظار صدور نتائح «ال دي ان ايه». وفيما وصلت مساعدات طبية من مصر، لفت وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الاعمال حمد حسن إلى أنّ هناك أشلاء لبعض الجثامين لم يتم التعرف اليها حتى الآن، فيما الحالات الحرجة 7. وأشار إلى «إجلاء 3 مصابين بحروق بالغة لمعالجتهم في مستشفيات اسطنبول، بعدما ارتأى الفريقان الطبيان اللبناني والتركي عدم نقل مصاب رابع لأن هناك خطراً على حياته، فأُعيد نقله الى مستشفى الجعيتاوي».
التحقيقات العسكرية
من جهته أوضح مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي، تعقيبا على ما يتم تداوله عبر بعض وسائل الإعلام عن غياب القضاء العسكري عن التحقيقات انه عند الساعة الثالثة من فجر يوم الأحد، وفور إبلاغه بالأمر، باشر تحقيقاته بجريمة انفجار خزاني البنزين في منطقة التليل العكارية، حيث كلف الشرطة العسكرية الانتقال فورا إلى المكان مع فريق من الأدلة الجنائية في الشرطة العسكرية، والمباشرة بإجراء التحقيقات الميدانية الفورية، وإجراء الكشف الحسي على المكان، والعمل على إجلاء الجرحى والجثث المحترقة، وإحصاء عدد المصابين والمتوفين، والعمل على تحديد هويات الجثث التي لم يتم التعرف عليها، وإجراء فحوص الحمض النووي لتحديد هويات أصحابها، وذلك بالتوازي مع إجراء التحقيقات العدلية اللازمة لتوقيف المتسببين بهذه الجريمة».
وبعد ذلك، انتقل مفوض الحكومة شخصيا قبل ظهر يوم الأحد إلى موقع الانفجار، يرافقه فريق من المحققين في مديرية المخابرات، وأجرى الكشف الحسي اللازم، وكلف فرع التحقيق في مخابرات الجيش متابعة التحقيقات التي باشرتها الشرطة العسكرية.
المركزي لن يتراجع
وفيما تتزاحم «المصائب» لا يبدو ان اتفاقا قد حصل حتى الان بين المصرف المركزي ووزارة الطاقة على التسعيرة الجديدة للمحروقات المفترض استيرادها، وفي هذا السياق تؤكد اوساط عليمة ان لا حاكم مصرف لبنان ابلغ من يعنيهم الامر انه لن يتراجع عن قرار رفع الدعم، واكدت انه حتى لو صدر قانون باستخدام الاحتياطي الالزامي فسيكون مخالفا للدستور ويمكن الطعن فيه امام المجلس الدستوري.