قد تكون المغامرة الجديدة التي قرّر “حزب الله” زجّ لبنان في تداعياتها الخطيرة أقرب ما تكون إلى المغامرة المدمّرة التي تورّط فيها الحزب وورط لبنان معه في الحرب السورية. كما قد يكون اللقاء المفاجئ الذي عقد بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي بناءً على طلب من عون مساء أمس محاولة التفاف من جانب العهد على الأصداء السلبية التي أثارها قرار الحزب باستيراد المحروقات من إيران إلى لبنان لتجنّب اتّخاذ العهد الموقف الحاسم الواجب اتخاذه من عدم تعريض لبنان لهذه المغامرة. ذلك أنّ إعلان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطاب عاشوراء أمس بدء استيراد حزبه النفط الإيراني شكّل خطوة خطيرة ومنفردة وأحادية استهان فيها بالدولة بشكل مثبت ومتكرّر ورمى بقفاز التحدّي في وجهها ووجه سائر القوى الداخلية، كما شكلت في المقلب الخارجي مزيداً من زجٍّ بالغ الخطورة للبنان في حرب المحاور وتحدّياً سافراً للعقوبات الأميركية في ما يعرّض لبنان لأضرار لا قبل له بتحملها. ولذا بدا طبيعياً أن تثير هذه الخطوة عاصفة رافضة كما رسمت معالم سيناريوات سلبية ما لم يبادر العهد تحديداً إلى اتخاذ موقف رافض لتصرف فريق لبناني بهذه الرعونة المفرطة في التصرف منفرداً بقرار بهذه الخطورة وكأنه الآمر الناهي والمتحكّم الأول والأخير بمصير اللبنانيين.
وكان السيد نصر الله أعلن في خطاب يوم العاشر من محرم انطلاق السفينة الأولى من إيران التي تحمل المحروقات باتجاه لبنان، موضحاً أنّ “ما يفصلنا عنها مسافة ساعات فقط، وهي أنجزت كل أعمالها”، مؤكداً أنّ سفناً أخرى ستتبعها فالمسألة ليست مسألة سفينة واحدة”. وشدّد على أنّ “الأولوية في السفينة الآتية من إيران هي للمازوت بسبب الأهمية الحياتية القصوى”، محذّراً “العدو والأميركيين من المساس بها”، واعتبر “السفينة الإيرانية المتوجهة إلينا أرضٌ لبنانية”، وتابع: “من فرض علينا اتخاذ هذا القرار هو من فرض علينا الحرب الاقتصادية. لا يخطئنّ أحدٌ أن يدخل في تحدٍ معنا لأن الأمر بات مرتبطاً بعزّة شعبنا ونرفض أن يُذلّ هذا الشعب”.
وسرعان ما استدعى إعلان نصرالله لهذا الموقف ردّاً من الرئيس سعد الحريري الذي سأل في بيان، “هل ما سمعناه هذا الصباح عن وصول السفن الإيرانية هو بشرى سارة للبنانيين أم هو إعلان خطير بزجّ لبنان في وحول صراعات داخلية وخارجية؟”. وقال: “يعلم حزب الله أنّ سفن الدعم الإيرانية ستحمل معها إلى اللبنانيين مخاطر وعقوبات إضافية على شاكلة العقوبات التي تخضع لها فنزويلا ودول أخرى. إنّ اعتبار السفن الإيرانية أراضٍ لبنانية يشكّل قمة التفريط بسيادتنا الوطنية، ودعوة مرفوضة للتصرف مع لبنان كما لو أنه محافظة إيرانية. ونحن بما نمثّل على المستوى الوطني والسياسي لن نكون تحت أيّ ظرف غطاء لمشاريع إغراق لبنان في حروب عبثية تعادي العرب والعالم”.
وأضاف: “أيّ حكومة هذه التي يريدونها أن تفتتح عملها باستقبال السفن الإيرانية والاصطدام مع المجتمع الدولي، في وقت أحوج ما يكون فيه لبنان الى حكومة تحظى بدعم الاشقاء والاصدقاء”.
كما أصدر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بياناً توجه فيه “إلى فخامة رئيس الجمهورية” سائلاً “هل يا فخامة الرئيس تتركون الحزب الذي صادر القرار الاستراتيجي والعسكري والأمني، يصادر اليوم القرار الاقتصادي ضارباً اللبنانيين ومصالحهم عرض الحائط ومسقطاً القطاع الخاص نهائياً، وقاطعاً عن اللبنانيين كل سبل العيش الكريم والمقبول؟ إنكم تتحملّون يا فخامة الرئيس المسؤولية الكاملة عمّا يمكن أن يلحق بالبلد من جراء عدم تحرير استيراد النفط والأدوية وغيرها في الوقت الذي تتركون فيه “حزب الله” يقوم بالأمر بوسائل ملتوية وغير قانونية دولياً ستعرِّض لبنان لكارثة حقيقية”.
شيا واستجرار الطاقة
أمّا التطوّر اللافت الآخر الذي برز في هذا السياق فتمثّل في إعلان بعبدا أن رئالجمهوريّة تلقّى اتصالاً هاتفياً من السفيرة الأميركيّة في لبنان دوروثي شيايس الجمهوريّة تلقّى اتصالاً هاتفياً من السفيرة الأميركيّة في لبنان دوروثي شيا أبلغته فيه أنّها تلقّت قراراً من إدارة بلدها بمساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائيّة من الأردن عبر سوريا، عبر تسهيل نقل الغاز المصري إلى شمال لبنان، وذلك عن طريق توفير كميات من الغاز المصري إلى الأردن تمكّنه من إنتاج كميات إضافية من الكهرباء لوضعها على الشبكة التي تربط الأردن بلبنان عبر سوريا. وكشفت أنه كذلك سيتم تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى شمال لبنان. ولفتت السفيرة شيا إلى أنّ الجانب الأميركي يبذل جهداً كبيراً لإنجاز هذه الإجراءات، وأنّ المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز.
وأعلنت شيا لـ”العربية” أنّ هناك اتصالات مع البنك الدولي ومصر والأردن لحلّ أزمة الطاقة”. وقالت: “خطة حلّ الطاقة تُبحث منذ عدة أسابيع، ونرفض اتهامنا بالأزمة”. وأضافت: “هل الاتهامات غير المثبتة أفضل ما يمكن أن يفعله نصرالله؟”، مشيرة إلى أنّ “لبنان لا يحتاج لنفط إيران فهناك ناقلات كثيرة تنتظر تفريغ الوقود، وخطة الطاقة التي كشفنا عنها أوفر وأنظف ومستدامة”.
وشكر الرئيس عون السفيرة الأميركية على الجهد الذي تبذله لتحقيق هذه الخطوة التي تصبّ في مصلحة جميع اللبنانيين الذين يمرّون بأزمة اقتصادية ومعيشية حادة، واعداً ببذل الجهد المطلوب من لبنان لتحقيق هذا المشروع.
وسط هذه العاصفة وعدم صدور أي موقف رسمي من خطوة نصرالله بادرت رئاسة الجمهورية إلى حرف الأنظار عمّا يفترض بها اتخاذه من موقف فأصدرت بياناً “تصالحياً” مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي ردّ على التحية بمثلها ثم عُقد اجتماع بينهما في بعبدا بعد اتصال من عون بميقاتي وأعلن أنهما سيكملان البحث في اجتماع آخر اليوم.
وممّا جاء في البيان الذي أصدره مكتب الإعلام في رئاسة الجمهوريّة أنه “لم يرد يوماً في حساب الرئيس عون المطالبة بالثلث المعطّل، والرئيس المكلّف يدرك هذا الأمر من واقع وأوراق المحادثات بينهما، وبالتالي فإنّ كلّ ما قيل عن طلب رئيس الجمهوريّة تسعة أو عشرة وزراء عارٍ من الصحة جملةً وتفصيلاً ولا أساس له، بل اختلقه البعض للتشويش على الاتصالات القائمة بين الرئيسين عون وميقاتي في سبيل تشكيل الحكومة، وذلك تحقيقاً لغايات لدى البعض لمنع ولادتها.
ولم يقدّم الرئيس عون إلى الرئيس المكلّف أيّ اسم حزبيّ لتوليّ حقيبة وزاريّة أو أكثر، وكل الأسماء التي عرضها تتمتّع بالخبرة والكفاءة والاختصاص المناسب للوزارات المرشحّة لها. واستطراداً فإنّ استبدال هذه الأسماء بأسماء أخرى لا مبرّر له طالما أنّ المواصفات المتفّق عليها متوافرة، إلّا أنّ الرئيس كان إيجابيّاً ولا يزال وهو يدرك أنّه من حقّ رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة المكلّف إعطاء ملاحظات على أيّ اسم يرد منهما أو من أيّ من الكتل المشاركة، وصولاً إلى الاعتراض عليها، وهو والرئيس المكلّف يتعاطيان بانفتاح كامل مع هذا الأمر.
واجه الرئيس المكلّف مطالب من أفرقاء آخرين كانت تتزايد وتتبدّل يوماً بعد يوم، ما انعكس تأخيراً في الاتفاق على إصدار التشكيلة الحكومية، لأن أيّ تعديل في حقيبة كان يستوجب إعادة النظر في حقائب أخرى. وهذا الأمر لا يزال قائماً ومتكرراً على أمل التمكّن من تذليله بتعاون الرئيسين.
إنّ رئيس الجمهورية مصمّم على الاستمرار في التعاطي بانفتاح وتعاون وإيجابيّة مع الرئيس المكلّف، لتأمين ولادة حكومة يرضى عنها اللبنانيّون وتلاقي دعم المجتمع الدولي، وهو قدّم ويقدّم لدولة الرئيس ميقاتي كلّ التسهيلات اللازمة من دون التوقّف عند حقيبة أو اسم”.
وعلى الإثر أصدر المكتب الإعلامي للرئيس ميقاتي بياناً “قدّر” فيه مضمون البيان الذي أصدره عون وتأكيده استمرار التعاون لتشكيل حكومة يرضى عنها اللبنانيون وتلاقي دعم المجتمع الدولي. وأكّد أنه “سيستمرّ في مسعاه لتشكيل الحكومة وفق الأسس المعروفة، كما أنه ليس في صدد الدخول في أيّ سجال أو نقاش على الإعلام، متمنياً على الجميع إقران الإيجابيات المعلنة بخطوات عملية لتسهيل مهمته وتشكيل الحكومة في أسرع وقت”.