بالشكل والمضمون، أتت جلسة “الأونيسكو” لزوم ما لا يلزم وتأكيداً للمؤكد بأنّ رسالة رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي لم تخرج عن دائرة “مضيعة الوقت وتسجيل النقاط” بين أركان منظومة 8 آذار التي يشكل العهد العوني عمودها الفقري وحجر الزاوية في مشروع الإطباق على البلد وتركيع مواطنيه.
وبهذا المعنى، استلّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أمس سيف الدفاع عن “المقاومة” تحت قبة الهيئة العامة متهماً القوى السياسية المناهضة للتيار بالضلوع في مشروع “جيفري فيلتمان”، ومتوسّلاً بروبغندا “المؤامرة” و”الحصار” و”التخوين” البائدة في محاولة تبرئة ذمة العهد العوني من بئس المصير الجهنمي الذي بلغه اللبنانيون… غير أنّ رياح “الأونيسكو” جاءت معاكسة للأشرعة الشعبوية، لا سيما وأنّ رئيس المجلس نبيه بري تحدى باسيل أن يتجرأ على الاستقالة من المجلس بدل الاستمرار بالتهديد الاستعراضي بذلك، بينما أتت “رسالته المضادة” لرسالة عون مفادها: “أوقف عرقلة تشكيل الحكومة وافسح المجال أمام البدء بالخطط الإنقاذية”.
ورأت مصادر نيابية أنّ “سياسة التلهي بكتابة الرسائل والتلطي خلفها لرمي الاتهامات والتنصل من المسؤوليات لم تعد تنطلي على اللبنانيين”، معتبرةً أنّ استعراض باسيل بالأمس على خشبة الأونيسكو جاءت نتائجه عكسية “إلى درجة بلغ معها انفصامه عن الواقع مراحل متقدمة حين وضع التيار والعهد في خانة “الأقلية” المعارضة”. وأوضحت أنّ المجلس النيابي في جوهر الموقف الذي اتخذه “رفض عملياً مجاراة عون وباسيل في الضغط على المصرف المركزي للصرف من احتياطي أموال المودعين لإعادة تعويم العهد في آخر ولايته”، كما فضحت مجريات الجلسة علم رئيس الجمهورية ورئيس “التيار الوطني” المسبق بقرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وأنّ مندوبهما في مجلس حاكمية المصرف المركزي “لم يعترض عليه”.
وإذ أعاد الموقف النيابي الإضاءة على مكمن العطل والتعطيل العوني في الملف الحكومي باعتباره بيت الداء في إقفال الباب أمام عملية الشروع في استنهاض البلد، مذكّراً بأنّ “الحل هو بتشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت، والإسراع في توزيع البطاقة التمويلية وتحرير السوق من الاحتكار”، لفت على المستوى الدولي موقف متقاطع شددت من خلاله مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان على أنّ “التفاقم المتسارع للأزمة اللبنانية يبرز الضرورة الملحة لتشكيل حكومة قادرة على وضع الأمور في نصابها، وتلبية الاحتياجات العاجلة للشعب اللبناني، والشروع في الإصلاحات التي تحتاجها البلاد، وتمهيد الطريق للدعم الدولي”، داعيةً “جميع الأطراف إلى العمل من أجل بلوغ هذه الغاية من دون مزيد من التأخير”.
وفي مستجدات الملف الحكومي، أكدت مصادر مواكبة لاتصالات التأليف أنّ “المساعي تتقدم في الشكل لكنها في المضمون لا تزال على حالها”، موضحةً أنّ البيانات المتبادلة بين عون وميقاتي وخلوتهما الأخيرة في “الجناح الرئاسي” أعادت تزخيم المناخات الإيجابية لناحية “تأكيد النوايا الصافية والرغبة الصادقة في عملية التأليف”، بينما المشاورات المكوكية على خط “بعبدا – بلاتينوم” لم تتمكن بعد من إيجاد “أرضية ثابتة لترجمة هذه النوايا”.
وإزاء ذلك، آثرت المصادر عدم الخوض في “الإشكاليات والعراقيل” إفساحاً في المجال أمام إنجاح محاولات تجاوزها، مكتفيةً بالإشارة إلى أنّ الأيام القليلة المقبلة ستكون مفصلية وعلى أساسها “تكون الحكومة أو لا تكون” مطلع الأسبوع المقبل.
أما على ضفة القصر الجمهوري، فجددت مصادر مقربة من دوائر الرئاسة الأولى التأكيد أنّ المعركة التي يخوضها عون هي في مواجهة جهات تعمل على “منع تأليف الحكومة”، معتبرةً أنّ هناك “من يفرمل الولادة الحكومية كلما علم أن الأمور أنجزت”، ومصوّبةً بشكل أساس على “فرقاء أدخلوا مطالب جديدة هدفها تعقيد الأمور وإعادتها إلى مربع إعادة توزيع وتركيب الحقائب والأسماء”.
وكشفت المصادر أنه بعد صدور البيان الرئاسي تأكيداً على “العلاقة الممتازة” بين الرئيسين عون وميقاتي وعلى “رغبة الأول في التعاون مع الثاني وعدم دفعه إلى الاعتذار”، أعقب ذلك اتصال من رئيس الجمهورية بالرئيس المكلف “شكره فيه على موقفه الجوابي واتفقا على لقاء سريع حصل بعيداً من الاعلام”، مشيرةً إلى أنّ الاجتماع “كان ثنائياً ولم يحضره سوى الرئيسين عون وميقاتي ولم يحصل في مكتب رئيس الجمهورية إنما في الجناح الرئاسي الخاص، في دلالة على خصوصية اللقاء وجديته ومتانة العلاقة بين الرئيسين، فكانت جلسة مثمرة تم في خلالها الاتفاق على تشاور مباشر وغير مباشر لتدوير الزوايا حول الأسماء التي ما زالت محل نقاش”.
وخلصت المصادر إلى إبداء ثقتها بأنّ “الأمور تتجه إلى الإيجابية”، معولةً في هذا السياق على “نجاح حركة الموفدين وتبادل لوائح الاسماء والملاحظات عليها، في سبيل تسريع التأليف وإحباط كل من يعمل على تعطيل ولادة الحكومة”.