المراوحة واللّامبالاة ما زالا يتحكمان في مسألة تشكيل الحكومة رغم الظروف القاسية والاستثنائية وغير المسبوقة التي يعيشها اللبنانيون الذين كفروا بكل شيء، ما يفتح باب الاجتهادات والتأويلات التي ترافق عملية التشكيل على مصراعيه، وما إذا كانت الحكومة ستُشكّل أم لا.
وعلى الرغم من الأجواء التفاؤلية التي تحاول الأطراف المعنيّة بالتشكيل إشاعتها من وقتٍ إلى آخر فإنّ المعطيات الحسيّة والملموسة لا تعكس أبداً هذه الأجواء بما يؤشّر إلى وجود خلافات كثيرة وعميقة بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي حول عملية التشكيل تتجاوز ما يتم تداوله عبر الإعلام من أنّ الخلاف يتمحور حول توزيع الحقائب، ولو كانت المسألة بسيطة إلى هذا الحد لكانت المسألة حُلَّت.
أوساط سياسية مطّلعة أكّدت لجريدة “الأنباء” الإلكترونية اتّساع الفجوة بين الرئيسين عون وميقاتي، وإلّا لما كان ميقاتي أشار إليه في إطلالته التلفزيونية الأخيرة. ولو لم تكن الأمور على هذا النحو لم يكن هناك من داعٍ للإشارة إليه عبر الإعلام، لفرط ما يتحلّى به الرئيس ميقاتي من صبر وطول أناة، وقدرةٍ على تبسيطٍ للأمور وتدوير الزوايا، ولكن على ما يبدو لقد بلغ السيل الزبى.
الأوساط رأت أنّ هذا الأمر لا يفسد في الود قضية، وأنّ فرص التعاون بين عون وميقاتي كثيرة ومتعددة، وليس بالضرورة وصول الأمور إلى طريق مسدود يؤدي إلى الاعتذار، قائلة: “المهم أن تصدق النوايا، وكل شيء قابل للحلحلة”.
من جهتها، أشارت أوساط بعبدا عبر “الأنباء” الإلكترونية إلى مساعٍ تجري بعيداً عن الإعلام، وتهدف إلى تضييق الفجوة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف ما قد يساعد على حلحلة كل العقد، معتبرة أنّ المسافة باتت أقرب إلى التفاهم إذا لم يكن هناك ما يعيق ذلك وليس متداولاً به في الإعلام.
توازياً، تحدثت المعلومات عن دخول المدير العام للأمن العام، اللواء عباس ابراهيم، على خط المفاوضات الحكومية وأنّه يقوم بجهد جدي لتقريب وجهات النظر، وذلك في مسعى يمكن أن يسفر عن نتائج ملموسة قريبة.
مصادر مواكبة للحراك الحكومي غمزت من قناة بعض الجهات التي تتعاطى بتشكيل الحكومة وتختبئ في الظل، واصفةً إياهم بالمعطّلين الحقيقيين، إلّا أنها تحدثت عن مفاجآت قد تحصل هذا الأسبوع أو مطلع الأسبوع المقبل، فإمّا أن تشكّل الحكومة، أو أنّ البلد ذاهب إلى أزمة كبيرة ستكون أصعب بكثير من كل ما مرّ على لبنان.
مسؤول الجماعة الإسلامية، النائب السابق عماد الحوت، اعتبر أنّ أسباب عدم تشكيل الحكومة هي انعكاس للصراعات الداخلية والخارجية، وبمعنى أوضح لصراعٍ داخلي وإقليمي ودولي تحتل الحيّز الأكبر منه معركة وصول جبران باسيل إلى رئاسة الجمهورية، وفرض حكومة يمتلك فيها سلطة القرار وقدرة التعطيل، وإلّا فالفراغ الحكومي الذي يمهّد لبقاء عون في بعبدا حتى انتهاء ولايته.
الحوت أشار في حديثٍ لجريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى استهداف مباشر من قِبل عون لاتفاق الطائف، ومحاولة الانقلاب على النظام البرلماني، وفرض نظامٍ رئاسي بالممارسة والأعراف، اعتقاداً منه أنّ موازين القوى الإقليمية والدولية تسمح بتحويل لبنان إلى ساحة من ساحات الكباش بين الأطراف الإقليمية والدولية، وملف الحكومة أحد تجليّات هذا الصراع.
وقال: “نحن في مرحلة تحاول فيها الأطراف المحلية تحقيق أكبر قدر من المكتسبات بانتظار التسوية الإقليمية والدولية”، مطالباً بإنهاء الحصار المالي المفروض على لبنان، وتحييده من أن يكون ساحة من ساحات الصراع والنفوذ الدولي والإقليمي، متهماً عون بخرق الدستور، وإضاعة الوقت أكثر من سنة دون حكومة، ما أدى إلى تعميق أزمة المواطن الاقتصادية والمعيشية.