بينما البلد يواصل “هبوطه الحرّ” إلى قعر الانهيار، وأبناؤه “يتطايرون” في موجة هجرة جماعية هي الثالثة في تاريخه كما أورد تقرير مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية على وقع ترجيح البنك الدولي استمرار تداعيات السقوط اللبناني في دوامة الانهيار على امتداد “عقدين من الزمن”، لا يزال أهل السلطة مستغرقين في حالة الانفصام عن واقع الناس ويواصلون سياسة اللعب على حافة الهاوية طمعاً بقضم حصة بالزائد من صحن التركيبة الوزارية.
وأمام استفحال شهية العهد وتياره على الاستيزار والاستئثار بدفة الحكم والحكومة، دخل “حزب الله” على خط محاولات تذليل العقد للحؤول دون اعتذار الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، فدفع بالمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم باتجاه تولي مسعى الوساطة بين ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون “بعد فشل مهمة الوسيط المحامي كارلوس أبو جودة بينهما”، وفق ما نقلت مصادر مواكبة للاتصالات الحكومية، موضحةً أنّ مسعى ابراهيم “يتخطى طابع تقريب وجهات النظر ونقل الرسائل نحو تولي مهمة “تلقيح” الأسماء واقتراحها بغية تسريع “الطلق” في عملية استيلاد الحكومة”.
وكشفت المصادر أنّ ابراهيم مدعوماً من “حزب الله” يحمل “سلة أسماء” مقترحة من الممكن أن تشكل حلاً لمعضلة التسميات في الحقائب الإشكالية بين عون وميقاتي، وهي تتمحور بشكل أساس حول وزراء العدل والشؤون الاجتماعية والاقتصاد، لا سيما وأنّ الاتصالات بلغت حائطاً مسدوداً في الآونة الأخيرة نتيجة إصرار رئيس الجمهورية على توزير أسماء ذات صبغة حزبية تدور في فلك “التيار الوطني الحر”، وهو ما رفض قبوله الرئيس المكلف الذي حاول جاهداً على سبيل المثال تدوير الزوايا مع عون حيال التسميات المتصلة بحقيبة العدل غير أنّ الأخير بقي متمسكاً بتوزير هنري خوري لهذه الحقيبة.
وإذ نشط اللواء ابراهيم بشكل مكوكي على خط بعبدا – بلاتينوم وعقد أكثر من لقاء مع كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، نقلت المصادر أنّ التواصل بين باريس وميقاتي تكثف خلال الأيام الأخيرة بالتوازي مع تفعيل مهمة المدير العام للأمن العام، وأعربت مصادر الرئيس المكلف عن ترحيبها بهذه المهمة، مؤكدةً الانفتاح على أي طرح يمكن أن يساعد على تذليل العقبات أمام ولادة الحكومة تحت سقف الدستور والمعايير المتفق عليها للتشكيلة الوزارية.
أما على ضفة بعبدا، فآثرت دوائر الرئاسة الأولى وضع جهود ابراهيم في خانة المسعى الذي يقوم به “بصفته الرسمية” وليس بدعم من أي جهة سياسية أو حزبية، مؤكدةً أنّ التركيز ينصب راهناً على محاولة بلورة اتفاق على “الأسماء المسيحية في التركيبة الوزارية أسوةً بما جرى الاتفاق عليه في الأسماء المسلمة”.
وفي السياق نفسه، أعاد مصدر مقرّب من بعبدا التذكير بأنّ “إصرار تيار المردة على الحصول على وزيرين مارونيين أدى إلى “خربطة” التركيبة الطائفية في بعض الحقائب، خصوصاً وأنّ حقيبة الإعلام التي طالب بها “المردة” كان من المفترض أن تكون من حصة الأقليات أو الكاثوليك ما أوجب البحث عن حقيبة توازيها ليحصل التبادل”، مشيراً إلى أنّ “البحث يتركّز راهناً على إيجاد حلول بديلة للوزارات المستعصية، وهي الطاقة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والاقتصاد، الامر الذي قد يستدعي تبديلاً في توزيع بعض الحقائب”.
ورداً على سؤال، أكد المصدر أنه حتى الأمس “لم يتحقق أي تقدم في عملية تدوير الزوايا حول العقد المتبقية ولكن الاتصالات لم تنقطع، وعندما يحصل هذا التقدم سيحصل اللقاء بين الرئيسين عون وميقاتي لإبرام التسوية إزاء معظم النقاط العالقة”.
وفي الغضون، تتجه الأنظار اليوم إلى مضامين الكلمة التي سيلقيها رئيس مجلس النواب نبيه بري في الذكرى السنوية لتغييب الإمام موسى الصدر ورفاقه، وكشفت أوساط واسعة الاطلاع أنّ كلمة بري ستحيط المشهد من مختلف جوانبه، اقتصادياً واجتماعياً وحياتياً وصولاً إلى مقاربة خطورة تفلّت الوضع الأمني نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية.
ومن هذا المنطلق، توقعت الأوساط أن “يغمز” بري من قناة التعطيل العوني لولادة الحكومة الإنقاذية، من زاوية انتقاد الإمعان في المطالبة بحصص وأسماء “لا تتوافق وروح المبادرة الفرنسية”، مع التحذير من أنّ وضع البلد والناس لم يعد يحمل مزيداً من المراوحة والتعطيل.
ولفتت الأوساط إلى أنّ بري سيتطرق كذلك في خطابه إلى ملف قانون الانتخاب، مجدداً مطالبته بـ”تعديل أو تغيير” القانون القائم حالياً وضرورة إقرار قانون جديد تتم على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة، مؤكدةً أنّ هذا الموضوع سيتفاعل خلال الفترة المقبلة لا سيما وأنه سيكون مطروحاً غداً على طاولة اللجان المشتركة، لبحث اقتراحات القوانين الانتخابية المقدّمة، سواءً من كتلة “التنمية والتحرير” أو من سواها من الأطراف النيابية.