كل يوم تأخير في تشكيل الحكومة جريمة وسياسة «الترف» والتكابر واللامبالاة والتلطي وراء حقوق الطوائف من قبل المسؤولين لا تبني دولة بل تاخذ لبنان إلى الدمار الحقيقي ولن تبقي حصصا ولا امتيازات للمسؤولين كي يتقاتلوا عليها، فقيامة الوطن ليست بوزير من هنا أو هناك بل بوقف اذلال المسيحيين والشيعة والسنّة والدروز والأرمن والعلويين أمام َمحطات الوقود، و»تسكعهم» على أبواب الصيدليات والافران لتأمين حبة الدواء ورغيف الخبز، فقيامة الوطن تكون باتخاذ إجراءات صارمة ولو وصلت إلى حد تعليق الَمشانق بحق « تجار الموت» من كل الطوائف والعمل للخروج من هذا النفق المظلم بتسهيل تشكيل الحكومة واعتماد سياسات حكيمة وخطط علمية بدلا من الاصرار على سياسات دعم عشوائية بخرت 290 مليون دولارا دعما للمحروقات حتى نهاية أيلول دون أن توقف طوابير الذلّ بل ذهب معظمها إلى جيوب تجار السوق السوداء وقبلها 890 مليون دولارا في شهر تموز وفي نيسان 500 مليون دولار وهلم جرا، فالبلد اليوم يدمّر بكل طوائفه باسم الحقوق والصلاحيات « ونحن المسلمون» و»نحن المسيحيون» إلى آخر المعزوفة الطائفية فيما الجوع لا يفرق بين ابناء الأشرفية والبسطة والضاحية وكركول الدروز وبرج حمود وجبل محسن وباب التبانة، اما «الفلتان وممارسات «الزعران» فتصيب كل» الاوادم في هذا البلد»، فحقوق الطوائف لا تتحقق الا ببناء دولة قوية وعادلة للجميع وليس بالسكوت وغض النظر عن بث « كبار القوم مناخات الروح المذهبية البغيضة ودغدغة احلام» الأمن الذاتي» وحقوق المناطق وصولا إلى طرح تطبيق التوزيع العادل للمحروقات والاغذية بين الطوائف «6و6 مكرر». وهذه السياسات تؤسس لمشاريع جهنمية، فيما المفروض الذهاب إلى حلول واقعية ما زالت ممكنة عبر تنازل الجميع لتشكيل الحكومة قبل الفوضى الشاملة كون البلد على مسافة أمتار معدودة من هذا السيناريو، فمن يسبق التأليف ام الانهيار؟ وإذا وقع الانهيار، عندها سيسجل التاريخ ان البلد تقسم وجاع على ايدي ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري ونجيب ميقاتي ووليد جنبلاط وجبران باسيل وسمير جعجع وسليمان فرنجية، وسيكون حكم التاريخ قاسيا على هؤلاء الذين قتلوا فينا كل امل في الحياة، وصادروا كل سبل العيش الكريم.
الوضع الحكومي
وفي العودة إلى اليوميات السياسية، فإن «الدخان الأبيض» ينتظر حركة المديرالعام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الملتزم بالصمت كما يقول ولن يتحدث قبل انجاز مهمته ولن يرد على التسريبات او يعمم اجواء تفاؤلية او سلبية قبل أنجاز مهمته التي باشر فيها بتكليف من الرئيسين عون وميقاتي اللذان يثقان بقدراته في تدوير الزوايا واقتراح الحلول وفكفكة الألغام ونقل الاجواء والمباحثات بامانة لان حركة بعض الموفدين والمستشارين مع بداية التأليف لم تكن على قدر الآمال المعقودة وساهمت بتباعد المسافات وخلق العقد والعرقلة.
وقد كشفت مصادر متابعة للتاليف عن حرص عون وميقاتي على العمل بصمت أيضا وعدم تسريب اية معلومة قد تساهم بعرقلة التأليف ولذلك يحرص الرئيس ميقاتي على الاكتفاء بالرد على الصحافيين» ما راح احكي اللواء ابراهيم يتولى الاتصالات بشكل دائم» وهو ما زال يؤكد على الاستمرار بجهوده للتاليف وان اي كلمة عن الاعتذار لم تصدر عنه بل مجرد تسريبات اعلامية، وهذا لا يعني ان المهلة مفتوحة لان الرئيس ميقاتي بدأ يدرك أن عامل الوقت والتعثر ليسا لصالحه َمطلقا على الصعيد الشعبي مع تصاعد الأزمات المعيشية وحالات الفلتان في طرابلس والشمال، ولذلك بادر إلى عقد لقاء لنواب طرابلس لبحث همومها التي لا تحصى، وستصيب ليس ميقاتي فقط بل كل من يتعاطى الشأن العام في المدينة، وفي الحصيلة فإن العبرة تبقى في الخواتيم لكن مبادرة اللواء ابراهيم هي الخرطوشة الأخيرة لجهة الولادة ام بقاء حكومة َدياب حتى نهاية العهد، علما ان ابراهيم التقى عون وميقاتي امس والاجواء جيدة و3 عقد تم حلها وبقيت عقدة واحدة تتعلق بوزارة الشؤون الاجتماعية.
على صعيد اخر، كشفت مصادر عليمة، ان التأخير ربما يكون مرده إلى انتظار الرئيس ميقاتي تداعيات ملف وصول الباخرة الإيرانية واين سترسو واين ستفرع حمولتها وكيف سيتم التعامل الرسمي وكيف سيكون موقف الرئيس عون وكيف سيتعامل ميقاتي اذا اتخذت السعودية قرارا رافضا ؟ وكيف ستتعامل أميركا واسرائيل؟ وهل سيكون للملف تداعيات داخلية؟ وإذا ضربت إسرائيل الناقلة إلى أين سيذهب البلد؟ ولماذا على ميقاتي تحمل النتائج؟ وهناك إجماع بأن المرحلة دقيقة جدا ولا بد من التريث بالولادة حتى انقشاع المشهد كله؟ وأشارت معلومات ان ميقاتي تلقى معلومات ان الناقلة سترسو في َميناء بانياس السوري، وإذا حصل ذلك فإن اثقالا كبيرة تكون قد ازيلت عن اكتاف ستاخذ التأليف إلى مسار مغاير، كما تشير المعلومات ان الباخرة قد تصل أواخر الاسبوع الى قبالة الشواطئ السورية واللبنانية
مليارا دولار عائدات موسم الاصطياف
من جهة أخرى، شكلت عائدات موسم الاصطياف اكبر مدخول لخزينة الدولة اللبنانية منذ ٣ سنوات في ظل توقف كل مواردها، وأمن إلموسم السياحي إلى الخزينة اللبنانية بحدود مَلياري دولار من ٨٠٠ الف مغترب لبناني و٥٠٠ الف سائح عراقي، وأكثر من٢٠٠ الف من مصر والصين ودول المغرب العربي واوروبا، وخلق هؤلاء حركة في المناطق السياحية وحجوزات الفنادق وتامين اكثر من ١٠ آلاف فرصة عمل ومدخولا جيدا لقطاع تاجير السيارات، وكل ذلك أنجز في ظل غياب كامل للمؤسسات الرسمية، وحسب مصادر إقتصادية فإن حجم المردود المالي تجاوز الملياري دولار، لكن ذلك لم ينعكس إيجابا على الأزمة الاقتصادية والحد منها، ولم تستثمر الأموال في البطاقة التموينة ودعم المؤسسات العسكرية وتامين قروض زراعية وصناعية صغيرة ومتوسطة، بل تبخرت فورا بالاصرار على سياسة الدعم العشوائي للمحروقات والمحتكرين، فطار ٢٩٠ مليون دولار «ببلاش» حتى آخر أيلول على دعم» لمصاصي» دماء الناس والعصابات وعجز كل الدعم عن حل أزمات البنزين والدواء، وساهمت َمداهمات الوزير حمد حسن بتعرية كبار التجار الذين حرموا المرضى من حقهم في الحياة، وقد كشفت تقارير آمنية ان َمعظم الاحتكارات وراءها سياسيون بامتياز يحصلون على المواد التموينية المدعومة ويوزعونها» علبا كرتونية» على المحاسيب والازلام «كرشى» انتخابية وهذا النهب يطال المحروقات عبر قيام السياسيين بتاميها إلى المحطات وأصحاب المولدات واقتسام الأرباح من قبل عصابة منظمة.
ادارات الدولة فارغة
اما فضيحة الفضائح فتمثلت بشلل ادارات الدولة وتوقفها عن ممارسة أعمالها، وكشفت دراسة لمركز إحصاء لبناني ومدراء عامين، ان ادارات الدولة فارغة من موظفي القطاع العام منذ شهور، وسط اضراب عام فرض اقتصار العمل على نصف يوم الأربعاء فقط من كل أسبوع حتى الثانية عشرة ظهرا وهذا ما ادى الى التأخر في انجازات معاملات الدولة بالإضافة إلى فقدان القرطاسية من أقلام وأوراق وعمليات تصوير وتعطل المكيفات والمصاعد وكل ما يتعلق بالعمل الإداري، وهذه المشاكل لن تجد لها طريقا للحل قريبا في ظل رفض رابطة موظفي القطاع العام اجراء رفع بدل النقل إلى ٢٤ ألفا وإعطاء شهر إضافي، ولن يعودوا إلى العمل الا بعد رفع الحد الأدنى للاجور إلى ٦ ملايين ليرة وإعطاء البدل حسب سعر صفيحة البنزين، ورفع تعاونية موظفي الدولة لسقف تقديماتها من الطبابة إلى المنح المدرسية والتعويضات العائلية ونظام جديد لنهاية الخدمة، كما ان رابطة معلمي المدارس الرسمية ترفض استئناف العام الدراسي وستواجه إجراءات الوزير طارق المجذوب قبل اعطائه حقوقهم ويرفضون اقتراحه بمنحهم بدلا تعليميا كبديل عن تصحيح عادل للاجور، وسيواجهون الوزير في الشارع مهما كلف الأمر، ويسألون كيف ستكون، أقساط المدارس الخاصة ومن يحدد اسعار الكتب؟ ومن يضبط اسعار القرطاسية وبالتالي فإن المواجهة حتمية في القطاع التربوي ولن تفتح المدارس قريبا.
ومن جهة أخرى، فإن الشح المالي بات يخنق المؤسسات العسكرية والأمنية مع تزايد المهام، ولم يعد ارتفاع نسبة الفارين امرا سريا من مختلف الرتب، وهذا الموضوع كشف عنه الوزير محمد فهمي وأشار إلى حجم ارتفاع الفرار في قوي الأمن الداخلي وتطرق قائد الجيش العماد جوف عون الى الشح المالي وبأنه طال غذاء العسكريين حيث لم تلق كل مواقفه التجاوب المطلوب من السياسيين، فيما اثمرت جولاته الخارجية تأمين الدعم الغذائي من دول عربية وأوروبية، وفي هذا الاطار تاتي زيارة وفد الكونغرس الأميركي لمعرفة حاجات الجيش ومحاولة سد النقص في الموضوع المالي في ظل تصاعد المهام التي وصلت إلى الإشراف على توزيع المحروقات ونجاحه في مداهمة مراكز الاحتكارات وأضاف إلى إنجازاته المشرفة انجازا جديدا في ظل ثقة اللبنانيين في المؤسسة العسكرية وعملها لكل الناس. وهذا ما يزيد حجم المتربصين سياسيا بها. هذا مع العلم ان وفد الكونغرس شن هجوما عنيفا على حزب الله وحذر من استقدام النفط الإيراني عبر سوريا التي تخضع لقانون قيصر.