لا يزال الغموض يلفّ الوضع الحكومي مع تضارب المعلومات حول الإيجابيات والسلبيات التي تواكب مبادرة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وكانت آخر المعلومات قد أشارت إلى أن العقد الحكومية تمّ حلها مع الاتفاق على الأسماء التي ستتولى وزارتي العدل والداخلية، باستثناء وزارة الإقتصاد التي يتمسّك بها كلٌ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي.
الملف الحكومي: العودة إلى نقطة الصفر؟
وفي ساعات ما بعد ظهر أمس، تمّ تسريب معلومات عن صعوبات جديدة طرأت على ملف التشكيل، وأصدر المكتب الاعلامي للرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي بيانًا جاء فيه: «فيما يحرص دولة الرئيس على مقاربة عملية تشكيل الحكومة، وفق القاعدة الدستورية المعروفة وبما يتوافق مع مقتضيات المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان، والتي ضاق فيها اللبنانيون ذرعا بالسجالات ويتطلعون الى تشكيل حكومة تبدأ ورشة الانقاذ المطلوبة، يبدو ان البعض مصر على تحويل عملية تشكيل الحكومة الى بازار سياسي واعلامي مفتوح على شتى التسريبات والاقاويل والاكاذيب، في محاولة واضحة لإبعاد تهمة التعطيل عنه والصاقها بالأخرين، وهذا اسلوب بات مكشوفا وممجوجا». وأضاف البيان «ان اعتماد الصيغة المباشرة احيانا والاساليب الملتوية احيانا اخرى لتسريب الاخبار المغلوطة، لاستدراج رد فعل من الرئيس المكلف او لاستشراف ما يقوم به لن تجدي نفعا. إن دولة الرئيس ماض في عملية التشكيل وفق الاسس التي حددها منذ اليوم الاول وبانفتاح على التعاون والتشاور مع فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون، ويتطلع في المقابل الى تعاون بناء بعيدا عن الشروط والاساليب التي باتت معروفة. كما ان دولته يجري لقاءات مختلفة لتشكيل الحكومة، ولم يلتزم باي امر نهائي مع احد الى حين اخراج الصيغة النهائية للحكومة، وكل ما يقال عكس ذلك كلام عار من الصحة جملة وتفصيلاً».
هذا البيان تمّ اعتباره إشارة إلى تعثر تشكيل الحكومة موجّهًا تهمة التعطيل إلى الرئاسة الأولى من دون تسميتها، وذلك من خلال تسريبات إعلامية اعتبرها الرئيس ميقاتي مُحاولة من فريق العهد لتعطيل جهوده في التشكيل. وهو ما أوجب رد من مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية الذي قال: «الرئيس عون المتمسك باحترام الأصول في تشكيل الحكومات، أعلن اكثر من مرة بأنّه لا يريد لا بصورة مباشرة ولا بصورة غير مباشرة الثلث الضامن». وأضاف، «مكتب الإعلام: رئيس الجمهورية يكرّر دعوته الجميع لعدم إلصاق تهمة التعطيل بالرئاسة ولا بشخص الرئيس للتعمية على أهداف خاصّة مضلِّلة ما عادت تنطلي على الشعب، وأن التعمية انقلبت على محترفيها وأهدافها عدم الرغبة بتأليف حكومة وعدم القيام بالإصلاحات ورفض مكافحة الفساد وضرب مصداقية الدولة وتجويع اللبنانيين وافقارهم». وطالب البيان بـ «التوقّف عن اعتماد لعبة التذاكي السياسي والخبث الموازي للدهاء من خلال التغطية على مشاكل داخلية لدى هذا الفريق او ذاك عبر سيل الاتهام والادانة للرئيس» مؤكدًا أن «الظروف التي يجتازها لبنان والشعب اللبناني تحتّم على الجميع الارتقاء الى اقصى درجات المسؤولية والإسراع في انقاذ الوطن والشعب».
هذه التطورات تُشير إلى وجود عقبات كبيرة في طريق اللواء عباس إبراهيم وهو ما يُرجّح عودة عقارب التأليف إلى نقطة الصفر، إلا إذا طرأ تدخل خارجي (فرنسا مثلاً) لمحاولة تعبيد طريق التأليف.
الذكرى السنوية الأولى للمبادرة الفرنسية
وعلى ذكر فرنسا، صادف أول من أمس الذكرى السنوية الأولى على المبادرة الفرنسية التي تمّ تكليف مصطفى أديب على أثرها تشكيل حكومة اختصاصيين من خارج الأحزاب. هذه المبادرة، التي أصبحت من الماضي شكّلت فشلاً ذريعًا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي هدد الطبقة السياسية بالعقوبات من دون أن ينجح بفرضها. ويعتبر البعض أن الرئيس ماكرون إرتكب خطأ ذريعًا بإعادة تعويم الطبقة السياسية التي كانت على وشك السقوط على إثر جريمة مرفأ بيروت.
فشل ماكرون في لبنان دفعه إلى الغوص في الملف العراقي حيث يعتبر البعض أن القمة التي جمعته – أي ماكرون – مع القادة العرب والإيرانيين، هي محاولة لتعويم نفسه على الصعيد الإقليمي والدولي.
باسيل واللهيان
على صعيد أخر، أجرى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل اتصالا هاتفيا مطوّلا بوزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان، مهنئا اياه بتوليه منصبه الجديد. وتم التطرّق إلى الاوضاع في المنطقة وفي لبنان بالتحديد حيث تم بحث العقبات التي تواجه تشكيل الحكومة والمساعي القائمة كما والضائقة الإقتصادية والأزمة السياسية وكيفية التعاون بين البلدين لمساعدة لبنان على الخروج من هذه الأزمة.
الباخرة الإيرانية
على صعيد الباخرة الإيرانية التي تحمل الوقود إلى لبنان، كان لوزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر، تصريحاً (أول من أمس) قال فيه أن الحكومة لم تتلق طلبا لاستيراد وقود إيراني إلى لبنان. وهو ما يضعه مرجع مُطلع في خانة تخلّي الدولة عن القيام بمهامها والإتيان بحاجات الشعب. واعتبر المرجع أن هذا التصريح يعني بكل بساطة أو المسؤولين – الخائفين من العقوبات – سيتنصّلون الواحد تلو الأخر خوفاً من العقوبات الأميركية وبالتالي سيعمدون إلى إتباع استراتيجية النعامة من خلال التنصّل من أي صلة لهم بهذا الملف.
وكان مساعد وزير الخارجية الأميركية بالوكالة لشؤون الشرق الأدنى جوي هود قد صرّح في مقابلة تلفزيونية: «أعتقد أنني رأيت قبل أن آتي إلى هنا أن الحكومة اللبنانية أوضحت أنها لم تطلب أي نفط من الحكومة الإيرانية ولا نُشجّع الحكومة اللبنانية على استيراد النفط من ايران لأنها تخضع لعقوبات».
في هذا الوقت، أشارت المعلومات إلى أن الباخرة على بعد كيلومترات من قناة السويس وستُفرغ حمولتها في مرفأ بانياس في سوريا على أن يتمّ نقل المحروقات في الصهاريج في الأيام القادمة إلى لبنان وذلك بهدف دعم المستشفيات والمرافق العامة الحساسة مثل محطات ضخ المياه وسنترالات التليفونات وغيرها.
أزمة المحروقات
وعلى الرغم من الاعتماد بقيمة ٢٢٥ مليون دولار الذي تم فتحه من قبل مصرف لبنان، استمرت طوابير السيارات امام محطات الوقود في ظاهرة لا يمكن تفسيرها الا بجشع التجار واحتكارهم المحروقات وبالفساد الذي اصبح يطال الشعب حيث يعمد البعض الى الوقوف على المحطات للحصول على بنزين وإعادة بيعها مما يؤمن له أرباح تصل الى اكثر من ٦٠٠ الف ليرة في النهار الواحد!
كل هذا يحصل في ظل عجز كامل للسلطة عن وقف المجازر التي يرتكبها التجار والذين انضم لهم قسم من المواطنين الذي يحققون أموالا نقدية من دون ان تحرك الأجهزة الرقابية والأمنية ساكنا.
الفساد انسحب على المواطنين، حيث نرى حجز أماكن امام المحطات مقابل مبالغ مالية، بالإضافة الى خزانات موضوعة في السيارات بهدف ملئها وبيعها في السوق السوداء، ولا يتوارى البعض عن مزج البنزين بمواد أخرى بهدف تعظيم الحجم وبالتالي تعظيم الارباح.
واتخذ الفساد المستشري ابعادا جديدة مع تامين خدمات جديدة في لبنان هي تامين كهرباء مولد على مدار الساعة مقابل ٥٠٠ دولار كاش بالإضافة الى كلفة التوصيل على الشبكة. وهذا ان دل على شيء يدل على ان السلع والبضائع موجودة لكن الدولة هي المفقودة.
المساعدات الدولية
وكانت الأمم المتحدة قد تبرعت بعشرة ملايين دولار أميركي لشراء المحروقات للمستشفيات ومحطات ضخ المياه وهو ما يدل على عمق الأزمة التي يمر بها لبنان في ظل استفحال التجار في الفساد.
ووقع أمس وزير الصحة حمد حسن اتفاقية مع وكالة التنمية الفرنسية بقيمة مليون ومئتي ألف يورو مقدمة من الوكالة لتمويل المشاريع التالية: تنظيم قطاع المستلزمات الطبية والمغروسات، سلامة تخزين الأدوية، تنظيم عملية نقل الدم، واعتماد المستشفيات بهدف ضمان جودة الأعمال الطبية وتتبع مسار المستلزمات والأدوية ومشتقات الدم.
على صعيد المساعدات للجيش اللبناني، تلقى الجيش ٢٤ مستوعبا عبارة عن ٢٠٢ طن من المواد الغذائية والطبية مُقدمة من إسبانيا إلى الجيش. وكان سبق ذلك أيضا تلقي الجيش مساعدة من دولة قطر في إطار المساعدة الشهرية التي تقدمها للجيش وذلك على مدة عام كامل.
الدولار المصرفي
والتأمت أمس لجنة المال والموازنة برئاسة النائب ابراهيم كنعان وذلك للاستماع الى وزارة المالية ومصرف لبنان وجمعية المصارف، حول تحديد سعر صرف السحوبات الشهرية من المصارف او ما يعرف بالدولار المصرفي. وكان للنائب كنعان تصريحا بعد الجلسة قال فيه ان اللجنة لا تملك اقتراحا جامدا لسعر الصرف، بل انها مهتمة بمعرفة سبب اعتماد سحوبات الـ ٣٩٠٠ منذ نيسان ٢٠٢٠ وحتى اليوم علماً ان دولار السوق السوداء يواصل ارتفاعه. وأضاف كنعان «لماذا الاستمرار بقهر المودعين والمواطنين؟» مشيرا الى ان «الحكومة بشخص وزير المال مع تعديل سعر الصرف للسحوبات الشهرية للمودعين والاجواء جدّية ولجنة المال تدفع في اتجاه الحفاظ على الحد الأدنى من حقوق الناس».
وقالت أوساط مصرفية لجريدة الديار ان مصرف لبنان هو من يدفع الخسائر الناتجة عن فارق القروض بالدولار على الـ ١٥٠٠ ليرة والسحب على ٣٩٠٠ ليرة. وبالتالي وفي فرضية رفع سعر الدولار المصرفي، هناك الزامية لتحديد حجم الخسائر على مصرف لبنان.
وأضافت الأوساط المصرفية ان هناك توجها لرفعه في حال كان هناك امل في تشكيل حكومة قادرة على ضبط الوضع في السوق خصوصا ان الفوضى التي تعم في السوق السوداء هي فوضى متعمدة هدفها سحب الأرباح الأكبر لصالح عصابات تنتشر على كامل سلسلة التوريد. وبالتالي وبغياب تشكيل حكومة يمكن اعتبار رفع سعر الصرف بمثابة تضخم وفوضى إضافية لان الأسعار سترتفع حكما مع الممارسات التي يقوم بها التجار.