الحدث المتمثل بزيارة الوفد الوزاري اللبناني الرسمي إلى سورية، بعد انقطاع على هذا المستوى منذ أكثر من عقد، لا يمكن اختصاره بأزمة الكهرباء أو بالإشارة التي منحتها السفيرة الأميركية بلسان إدارتها حول خيار استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سورية، فالأمران، أي تفاقم أزمة الوقود والكهرباء في لبنان والإشارة الأميركية، اعتراف بحقيقة حاول فريق لبناني وإقليمي ودولي إنكارها وبذل جهوداً ووقتاً للالتفاف عليها، وهي حقيقة التداخل والتشابك بين البلدين، بحيث يشكل أحدهما قدر الآخر بالنسبة للذين لا يريدون أن يشكل خياراً، فعندما نتحدث عن العنوان الأبرز لأزمة المحروقات بصفتها ثمرة من ثمرات تفاقم أزمة الكهرباء، سنكتشف أن ما تتيحه العلاقة بين البلدين من خيارات يملك الكثير من الأجوبة المشتركة لولا التدخلات والموانع التي يزرعها الأجنبي، ممثلاً بالأميركي وحلفائه، فخط النفط العراقي إلى لبنان وحده يمثل حلاً جذرياً لتغطية حاجات لبنانية وسورية وعراقية، يعطله الأميركي عمداً، واستجرار الكهرباء عبر الأردن والغاز عبر مصر ليس إلا مثالاً بسيطاً عن الممكن عبر التعاون اللبناني- السوري، فلدى سورية معامل كهرباء قادرة على إنتاج حاجات سورية ولبنان، إذا توافر لها الوقود اللازم، بتعاون الدولتين، والقضية التي يكثر اللبنانيون الحديث عنها كمركز تأثير جوهري في مفاقمة أزمتهم الاقتصادية، لكنهم لا يفعلون لحلها إلا القليل، والقليل جداً، هي قضية النزوح السوري التي لا يمكن التفكير بأيّ حلّ لها خارج التعاون بين البلدين، ومجال الدواء والغذاء وقد تحوّل كل منهما إلى مصدر أزمة كبرى في لبنان، تقوم الدولة السورية رغم محدودية مواردها بإدارة حلول أتاحت لها توفيرهما بأسعار معقولة لمواطنيها، وتحقيق اكتفاء ذاتي تطال عائداته المناطق التي لا تخضع لسيطرة الدولة، بالإضافة للمناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية وترعاها.
فتح كوة في جدار الأزمات اللبنانية لم يكن ممكناً خارجياً وداخلياً إلا من بوابة العلاقة اللبنانية- السورية، وهو لم يحدث إلا عندما بلغ الجميع الجدار المسدود، ما يعني وبمعزل عن التفاصيل اللبنانية الحكومية، والحدود التي سيتاح عبرها تنمية هذه العلاقات، أنّ مساراً قد بدأ، وأن بيد اللبنانيين أن يقوموا بتطويره بحسن النوايا، لأنهم لن يلاقوا في سورية إلا مثلها، وخير شاهد ما لمسه اللبنانيون يوم استغاثوا بسورية في ذروة أزمة وباء كورونا، مع انقطاع الأوكسجين، وكيف لبت سورية الاستغاثة بلا أثمان سياسية يتوهّم الكثيرون، من الذين يبررون حصار دول عربية وغربية المفروض على لبنان بذريعة خصومة هذه الدول مع طرف لبناني، أن سورية ستفعل المثل مع لبنان لأن بعض اللبنانيين يسيء إليها صبحاً ومساءً ويتوقع منها بالتالي عندما يطلب لبنان معونتها أن تعاقب اللبنانيين، وتضع الشروط التعجيزية، وهؤلاء معذورون لأنهم ينقلون نموذج معاملة من يعتبرونهم حلفاء وأصدقاء وينظرون لموقف سورية من خلاله، ومعذورون لأنهم لا يعرفون أن سورية تنظر للعلاقات بين البلدين والشعبين بصفتها تعبيراً عن مصير واحد لا يمكن فصله، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وأمنياً، ولذلك فليس في سورية من يقبل التفكير بانهيار لبنان وبيد سورية أن تفعل شيئاً لمنع هذا الانهيار، بعكس الذين يقودون التهريب إلى سورية لمراكمة الأرباح الخيالية على حساب أموال اللبنانيين، ولتخريب الاقتصاد السوري واستنزاف الدولارات من السوق السورية ويرمون بمساوئهم على سورية ويحملونها مسؤولية هذا الخراب المشترك.
مثال التهريب والمهربين والاحتكار والمحتكرين كان أمس محور جذب انتباه اللبنانيين، مع قيام حزب القوات اللبنانية بتنظيم حملة استنفار للدفاع عن محروقات الصقر، التي كشف فرع المعلومات في مخازنها في زحلة تخزين ملايين ليترات البنزين والمازوت، وقامت قوة من الفرع بتطويق المخازن أمس لسحب الكميات المخزنة، فيما قامت قيامة القوات لتوفير الحماية لصقر واتهام فرع المعلومات بالاستهداف السياسي والطائفي.
في المسار الحكومي صمت القبور، رغم التطمينات الموزعة من فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريق الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، فالمصادر المتابعة للاتصالات أكدت أن الجمود بقي قائماً وأن المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم جمّد تحركاته وانصرف للتحضير لزيارة دمشق التي سيشارك فيها ضمن الوفد الوزاري الذي تترأسه نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر، ويضم وزير المال غازي وزني ووزير الطاقة ريمون غجر، خصوصاً أن اللواء إبراهيم هو الجهة التي تتولى بتكليف حكومي سابق العلاقات مع الحكومة السورية وتنظيم ملفاتها.
الجمود الحكومي وفقاً لقادة التيار الوطني الحر يجب أن يشهد تحركا الاثنين، وإلا فهذا يعني أنّ هناك قراراً بعدم تشكيل حكومة، خصوصاً أنّ قادة التيار يؤكدون أن لا عقد متبقية تذكر، وأنّ حكاية الثلث المعطل لم تعد صالحة كذريعة بعدما ثبت أنها تهمة باطلة لرئيس الجمهورية، وقالت المصادر القيادية في التيار إن الثلاثاء سيعني يوماً آخر لخيارات أخرى إذا ثبت أن الرئيس المكلف لا يريد تأليف حكومة، لحسابات تتصل بالفريق الذي يمثله رؤساء الحكومات السابقون، فالاثنين يذوب الثلج ويبان المرج سواء كسر الجليد الحكومي أم لم يكسر، بينما تتحفظ الأوساط القريبة من الرئيس ميقاتي على كل كلام عن سقوط طلبات الثلث المعطل لدى الفريق الرئاسي، وتعتبر أن عقدة الحكومة الرئيسية لا تزال تدور حول هذه النقطة بصورة مباشرة وغير مباشرة، من بوابة تسمية الوزيرين المسيحيين الأخيرين في الحكومة، أو بوابة وزارتي الاقتصاد والشؤون الاجتماعية.
ودخلت عملية تأليف الحكومة في استراحة حتى مطلع الأسبوع المقبل فلم يشهد خط بعبدا – بلاتينوم أي حركة للمدير العام للأمن العام اللواء إبراهيم بعدما استقرت المفاوضات على خلاف بين عون وميقاتي حول عدد من الحقائب، لا سيما حقيبة الاقتصاد، فضلاً عن الشؤون الاجتماعية والطاقة والوزيرين المسيحيين.
وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» إلى أن تأليف الحكومة «توقف عند شروط كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، فكل منهما يعتبر أنه مغبون في عملية توزيع الحقائب، فميقاتي يعتبر أن كل الحقائب توزعت على الأحزاب السياسية ورئيس الجمهورية فيما نال فقط الداخلية بوزير محسوب على المستقبل وكذلك وزير الصحة، لذلك يطلب إحدى الحقائب الاقتصاد أو الشؤون الاجتماعية أو الطاقة ليكون شريكاً في مفاوضات صندوق النقد الدولي. في المقابل يعتبر عون أن كل الأطراف سمت ممثليها في الحكومة ولم يتدخل بها، فمن حقه تسمية من يريد من الوزراء على غرار الآخرين. وهنا تضاربت المطالب مع رئيس الجمهورية». ولفتت المصادر إلى أن «عقدة الثلث المعطل لا تزال تطغى بقوى على التأليف، لا سيما في تسمية الوزيرين المسيحيين، إذ إن أي وزير منهما يشترك في تسميته عون يحصد بذلك الثلث المعطل الأمر الذي يرفضه ميقاتي ومن خلفه نادي رؤساء الحكومات السابقين». وتخلص المصادر إلى أن «العقد ما زالت أساسية رغم التقدم الذي أحرزته مساعي اللواء إبراهيم خلال اليومين الماضيين، إلا أن ذلك لا يعني بحسب المصادر توقف الاتصالات والمشاورات بل سيتابع إبراهيم مساعيه مطلع الأسبوع المقبل لأنه سيكون في عداد الوفد الوزاري الذي سيزور سورية اليوم للبحث مع الحكومة السورية بموضوع استيراد الغاز من مصر والكهرباء من الاردن».
وقالت مصادر أخرى أن في حال أعطيت حقيبة الاقتصاد لرئيس الجمهورية فهي ستكون في مجال المقايضة، أي ستؤخذ منه حقيبة أخرى. وأشارت إلى أن المعنيّين بعملية تشكيل الحكومة وضعوا مهلة ضمنية حتى يوم الثلثاء، بالتالي إذا لم تولد الحكومة حتى الثلثاء فهذا يعني أننا سنكون أمام فراغ قاتل.
فيما أكدت مصادر ميقاتي لـ»البناء» أنه مستمر في مساعيه حتى تأليف الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية رغم الصعوبات القائمة. وقال عضو كتلة «الوسط المستقل» النائب علي درويش، «اشتدي أزمة تنفرجي وقد يكون عكس ذلك». وأشار إلى أن «كل ما ذكر في تفاصيل الحقائب والأسماء هو في عهدة الرئيسين بما فيه خير لمسار التأليف وهو غير نهائي، وهذا ما أكده الرئيس ميقاتي في بيانه أمس الذي قال فيه أن لا شيء ناجزاً حتى إصدار مراسيم التشكيل». وجدد التأكيد أن «الرئيس نجيب ميقاتي سيبذل كل ما في وسعه للتوصل إلى خواتيم سعيدة».
وواصل تيار المستقبل حملته على عون، وأشار عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار إلى أن رئيس الجمهورية وصهره النائب جبران باسيل مصرّان على حكومة بمواصفات عكس ما يطلبه المجتمع الدولي من أجل مساعدة لبنان، لافتاً إلى أن العهد «خرب» البلد على قاعدة «ما خلّونا». وفي حديثٍ إذاعي قال «هذا العهد كارثة على البلد بدليل ما وصلنا إليه، فيما جاء الرئيس عون فوق التراكمات لتأمين وصول صهره إلى سُدّة الرئاسة، فيما فريق عون – باسيل لا يهتمّ لمآسي الناس بل يهتمّ بمصالحه الخاصة فقط ويعرقل عملية تشكيل الحكومة». وعن الملفّ الحكومي أضاف الحجار «الأجواء الحكومية تتقلّب بطريقة غريبة فتكون الأمور قد تحلحلت وتصبح ولادة الحكومة قريبة تارةً، وطوراً يأتي باسيل بعراقيل جديدة في التشكيل في كل مرّة من أجل حزب الله لأن إيران لا تريد حكومة في لبنان».
في المقابل اتهم مصدر نيابي مطلع في التيار الوطني الحر عبر «البناء» نادي رؤساء الحكومات بأسر التأليف في جيبه والتأثير في أي رئيس مكلف وتقييده بجملة شروط وسقوف لا يستطيع تخطيها. ولفت المصدر إلى أن اعتبارات داخلية تتعلق بنجاح ميقاتي بالتأليف حيث فشل الرئيس سعد الحريري وأسباب خارجية تتعلق بارتباطات أعضاء النادي بالخارج والمصالح العميقة في الداخل والخارج. كما شدد المصدر على أن عون منفتح على كافة الطروحات والوساطات والمساعي لكن ضمن إطار الدستور والأصول وحفظ حقوق كافة الطوائف واحترام التوازن السياسي والعدالة بتوزيع الحقائب. وأكد أن التيار الوطني الحر غير مشارك في الحكومة.
في سياق متصل نقلت قناة الـ»OTV» عن مصدر رفيع المستوى قوله إن «الحكومة ستؤلف وستنتهي الأمور كما يجب»، وأضاف: «لا يراهنن أحد على ضعفنا أو على أن مجتمعنا لم يعد قادراً على الصمود، فنحن أقوياء على عكس ما يظنون، وبعد تشكيل الحكومة ستتحسن الأوضاع، فلا أحد يريد الفوضى في لبنان، وهناك استعداد خارجي واضح للمساعدة».
وأشار المصدر إلى أن «مسار التدقيق الجنائي سينطلق جدّياً وعملياً في الأسبوع المقبل، ولا إمكانيّة للعرقلة بعد اليوم، لأنّ الشركة المعنيّة كانت قد حصلت على موافقة مسبقة على طلباتها، قبل أن تبدأ التفاوض في المرّة الأخيرة».
وأشارت مصادر سياسية لـ»البناء» إلى أن كل الأطراف تتعاطى مع الحكومة على أنها ستحكم البلد عندما يقع الشغور في رئاسة الجمهورية بعد حوالي العام ونيف، ولذلك تحصن وضعها وحقوق طوائفها في الحكومة. كما لفتت إلى أن ميقاتي لن يؤلف الحكومة قبل تمرير جملة استحقاقات كرفع الدعم وتداعيات دخول بواخر النفط الإيراني وزيارة الوفد الوزاري إلى سورية.
وسأل النائب جميل السيد في تغريدة عبر «تويتر»: «لماذا التأخير؟!». وقال: «يتشاور الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي ويصلان إلى تفاهم حول المرشحين، ويغادر ميقاتي ويستشير حلفاءه، يقولون له هذا مرفوض هذا مقبول بحسب قُرْب المرشّح أو بعده عن الرئيس عون، يعود إليه الميقاتي بأسماء أخرى!».
وتابع: «كل القصّة قصة عدد، ممنوع أن يكون للرئيس عون عدد وزراء يؤثر على استفرادهم بالحكومة».
في غضون ذلك يتوجه وفد وزاري لبناني إلى سورية اليوم يضم الوزراء في حكومة تصريف الأعمال الدفاع زينة عكر والمالية غازي وزني والطاقة ريمون غجر، إضافة إلى اللواء إبراهيم، وذلك للبحث مع الحكومة السورية بتفعيل خط استجرار الغاز المصري والكهرباء من الأردن.
وأشارت معلومات «البناء» إلى أن الوفد اللبناني سيجري مشاورات مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد. وكانت الخارجية السورية أعلنت عن زيارة الوفد اللبناني إلى سورية.
فيما أزمة شح المحروقات على حالها، سُجل موقف إيراني لافت من مسألة النفط الايراني المرتقب وصوله إلى بيروت. ففي حين أعلن موقع «تانكر تراكرز» أن «سفينة الوقود الأولى للبنان تأخر وصولها إلى سورية والثانية غادرت إيران»، مضيفاً «سفينة ثانية محملة بالوقود غادرت إيران نحو لبنان»، أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، اليوم أن بلاده مستعدة لبيع وإرسال الوقود إلى لبنان، في حال طلبت الحكومة اللبنانية ذلك. وشدد على استعداد بلاده لبيع منتجاتها النفطية لزبائنها الجدد، مضيفاً أن في حال رغبت الحكومة اللبنانية والتجار اللبنانيون في شراء الوقود الإيراني، فإن طهران مستعدة لبيع وإرسال الوقود إلى لبنان ولتزويده بالمزيد إذا ما ظهرت لديه حاجة لذلك، معرباً عن تأييد مقترح الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله، والخاص بإنهاء هذه الأزمة ضد اللبنانيين، مشيداً «بكسره الحصار الذي اصطنعه الكيان الصهيوني ضد الشعب اللبناني». وذكر أن «لا توجد قيود في مجال توسيع العلاقات الثنائية مع لبنان، وفي دعم بلاده المستمر للحكومة والجيش والمقاومة».
على صعيد آخر بقيت أزمة المحروقات تلقي بثقلها على الحياة اليومية للمواطنين مع استمرار طوابير السيارات أمام المحطات في موازاة استمرار عمليات الاحتكار والتخزين. إلا أن القوى الأمنية تشدد قبضتها على المحتكرين والمخزنين. وأفادت مصادر المديرية العامة للنفط، لقناة «المنار»، بأن «المديرية تقوم بنقل الكميات الكبيرة من مادة البنزين من خزانات إبراهيم الصقر في منطقة حوش الأمراء في زحلة، إلى خزاناتها، وسوف تتوزع لاحقاً على شركات المحروقات، وتقدر بمليوني ليتر بنزين».
وعلمت «المنار» من مصادر أن «اتصالات سياسية حصلت لمنع نقل المخزون إلى المنشآت النفطية، وأن جهات حزبية وعائلية نقلت تهديدات للجهات التي ستنقل البنزين للضغط على إبقائه في مكانه، مما دفع إلى اتخاذ إجراءات أمنية مشددة لحماية عملية النقل من دون أي خلل أمني».
وأثار دخول قوة كبيرة من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي إلى مكان تخزين المحروقات في محيط منزل الصقر في زحلة ردّ فعل من حزب القوات التي اعتبرت أن هذا الأمر رسالة إلى القوات.