يبدو أنّ الوعود التي قُطعت لبعض الزوّار الأجانب، وآخرهم وفد مجلس الشيوخ الأميركي، بأنّ ولادة الحكومة قد لا تتأخّر أكثر من نهاية الأسبوع الجاري قد تبدّدت، وخَذلت المتفائلين بفكّ أسر الحكومة وتأكّدَ للقاصي والداني افتقادها إلى المصداقية.
هذا في وقت تبرز الحاجة أكثر الى تشكيل الحكومة، وكلّ يوم تأخير فيها لم يعد يرتّب اعباء على اللبنانيين فحسب، بل أخطار حياتية ومعيشية اضافية، خصوصاً مع دخول البلد في ايلول، وهو شهر الاستحقاقات والازمات واوّلها الاستحقاق الدراسي والنقاش الذي لم ينته حوله في ظل اعلان هيئة التنسيق النقابية مقاطعة العام الدراسي، وكذلك حول لجوء المدارس الى رفع اقساطها والفَرض على اللبنانيين بأن يدفعوها بالدولار الاميركي، وايضا حول كيفية تأمين اجراءات الوقاية من فيروس كورونا في ظل المتحوّرات المتعددة التي تفرّعت منه.
امّا الاستحقاق الثاني، والذي يبدو أنه سيحين بعد ساعات، فهو مرتبط بنفاد المازوت من الافران ما يُنذر بتوقفها عن توزيع الرغيف، بل اكثر من ذلك، ينذر بطوابير اذلال جديدة امام الافران اعتباراً من مطلع الاسبوع المقبل، وبتحوّل الرغيف الى سلعة اضافية تُباع في السوق السوداء الى جانب المحروقات والدواء. وذلك بالتوازي مع تفاقم ازمة الكهرباء وتهديد لبنان بالغرق في عتمة اضافية، ربطاً بما يُحكى عن انتهاء عقد البواخر وحاجة معملي الجية والذوق المتوقفين عن العمل الى صيانة فورية.
هذا في وقت تشهد ازمة المحروقات مزيداً من التفاقم الضاغط على المواطنين، ومزيدا من الطوابير امام المحطات، ولقد تَعمّد بعضها التباطؤ في عملية التوزيع على المواطنين، والشراكة الكاملة في البيع في السوق السوداء وبمبالغ خيالية لصفيحة البنزين او المازوت. والطامة الكبرى في ما سيؤول اليه الحال مع الرفع الكامل للدعم عن المحروقات اعتباراً من مطلع الشهر المقبل.
82%… فقراء
وفي سياق الازمة المتفاقمة، أبرزت دراسة أصدرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الإسكوا» انّ الفقر تفاقم في لبنان إلى حد هائل في غضون عام واحد فقط، إذ أصبح يطال 74% تقريباً من مجموع السكان. وإذا ما تم أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار، كالصحة والتعليم والخدمات العامة، فإنّ نسبة الذين يعيشون في فقر متعدد الأبعاد تصِل إلى 82% من السكان».
ad
إزاء هذا الواقع جددت الأمينة التنفيذية للإسكوا رولا دشتي الدعوة إلى إنشاء صندوق وطني للتضامن الاجتماعي للتخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية. وذكرت أنه في عام 2020، كانت الإسكوا قد قَدّرت أنه يمكن للعُشر الأغنى من اللبنانيين، الذين كانوا يملكون ثروة قاربت 91 مليار دولار آنذاك، تسديد كلفة القضاء على الفقر من خلال تقديم مساهمات سنوية لا تتعدى نسبة 1% من ثرواتهم».
واشارت الدراسة الى أنّ «الصدمات المتداخلة لسعر الصرف، الذي كان ثابتاً منذ مطلع القرن، ولّدت ضغوطا هائلة، فانخفضت قيمة العملة وارتفعت معدلات التضخم في الفترة الممتدة من حزيران 2019 إلى حزيران من هذا العام بنسبة 281%، فتدنى المستوى المعيشي للسكان اللبنانيين وغير اللبنانيين، وانتشر الحرمان.
ولفتت الى انّ الفقر المدقع أصبح يطال 34% من السكان اليوم، وفي بعض المناطق اللبنانية أكثر من نصفهم. ونظراً إلى أنّ جميع شرائح المجتمع تعاني على حد سواء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة في البلد، فقد أصبحت نسبة الفقراء من ذوي أعلى درجات التحصيل العلمي تقارب نسبة الفقراء من ذوي أدنى الدرجات. وتجد الدراسة أيضاً أن نسبة الأسَر المحرومة من الرعاية الصحية قد ارتفعت إلى 33%، كما ارتفعت نسبة الأسر غير القادرة على الحصول على الدواء إلى أكثر من النصف».
وشددت دشتي على «أهمية التضامن والتعاون بين جميع مكونات المجتمع اللبناني للحد من تداعيات الأزمة، ودعت إلى وضع خطط فعالة للحماية الاجتماعية تكون أكثر تلبية لاحتياجات الفقراء، وخاصة الذين يعانون الفقر المدقع، وإلى توسيع نطاقها لتشمل العاطلين عن العمل».
الحجر البرتقالي
وسط هذه الاجواء الضاغطة، ما زال اللبنانيون يتطلعون الى حكومة، فيما إرادة التعطيل تُمعن في حرف التأليف عن المسار الذي يفترض ان يفضي الى حكومة توحي بشيء من الاطمئنان للناس وتوقف هذا النزف القاتل في كل اساسيات حياتهم. والمريب في هذا السياق ان كلّ المحاولات والوساطات التي جرت في الايام الأخيرة سقطت بقبضة مَن يريد حكومة على مقاسه ووفق أهوائه السياسية والحزبية.
إذاً، التأليف ثابت هنا، عند هذه النقطة. أكثر من ذلك، فقد ثبت لكل اللبنانيين بأن مطلقي الوعود كذبوا ولم يصدقوا، والكلام الوردي الذي أسمعوه الى زوارهم عن ولادة وشيكة للحكومة، لا اساس له، بل لم يكن سوى فصل جديد من سيناريو الدجَل الحكومي الذي يعتمدونه منذ بداية مرحلة الفراغ الحكومي، ويُجهّلون فيه المعطّل والسبب الحقيقي لهذا التعطيل، الذي أتعَب الوسطاء وأحبَط كل الجهود والوساطات، وتأكد لكلّ المعنيّين بملف التأليف، انّه محصور فقط بأمر وحيد هو «الثلث المعطّل» والخلاف الجذري حول من يسمّي الوزيرين المسيحيَّين الفائضَين عن حصّة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتيار المردة والحزب القومي.
تبعاً لهذه الأجواء، فإن الحكومة تبقى في الحجز، وحتى الآن يبدو هذا الحجز مؤبّدا وممنوعا عليها ان تخرج الى حيّز الوجود. وثمّة إجماع لدى كل المهتمين بملف التأليف على ان العقدة في مكان واحد لدى رئيس الجمهورية ومن خلفه جبران باسيل، ولم تنجح محاولات اللواء عباس ابراهيم حتى الآن في فتح كوة في الجدار البرتقالي تنفذ الحكومة منه الى النور.
وعلى ما يؤكّد العارفون فإنّ اللواء ابراهيم مستمرّ في الحفر في هذا الجدار لعله يتمكّن من كسر هذه العقدة، الا ان مسعاه لم يقابل حتى الآن بأي عامل مساعد في هذا الاتجاه. فالرئيس عون يقول انه لا يريد الثلث الضامن الا انه في الوقت ذاته يصرّ على تسمية الوزيرين المسيحيين وكذلك على بعض الحقائب الخدماتية الاساسية، علماً انّ حصر تسمية الوزيرين برئيس الجمهورية وفريقه السياسي يرفع الحصة الرئاسية الى ما فوق الثلث المعطل، وهذا أمر محل اعتراض لدى الرئيس ميقاتي وسائر القوى السياسية التي ترفض حكومة يتحكّم بها التيار الوطني الحر.
إحتواء البيانات… ولكن
على انّ اللافت للانتباه، ما أبلغته مصادر مواكبة للملف الحكومي الى «الجمهورية» انه على رغم محاولة احتواء تداعيات التراشق السياسي بين القصر الجمهوري وبناية البلاتينيوم، عبر ما قيل انها توضيحات تلقاها الرئيس المكلف بأنه ليس هو المعني او المقصود بالبيان الرئاسي، فإنّ الساعات الماضية لم تشهد أي حركة تواصل في اي اتجاه، بل ساد جمود لافت أبقى الحكومة في دائرة التعطيل، فكانت مُفرملة بالكامل عند النقاط والعقد التي سبق للرئيس المكلف ان ألمحَ اليها في إطلالته التلفزيونيّة الأخيرة، وعلى وجه التحديد الثلث المعطّل.
واذا كان البيان الصادر عن الرئيس ميقاتي قد صوّب على من يعرف جيداً انهم يعطلون مسعاه الى تشكيل حكومة متوازنة، ويعكفون منذ مدة على إشاعة غبار في اجواء التأليف بالحديث عن ايجابيات من طرف واحد تُلقي كرة التعطيل في اتجاه الرئيس المكلف، الا انّ البيان الرئاسي كان على ما يبدو مُعداً سلفاً وصَدر بعد دقائق معدودة من بيان ميقاتي، وموجهاً في اتجاه كل الآخرين بمَن فيهم الرئيس المكلف والرئيس سعد الحريري، وكذلك الرئيس نبيه بري رداً على ما قاله في خطاب 31 آب الماضي وتحديده مَكمن التعطيل في الثلث المعطّل.
على انّ هذا الاحتواء اقتصر تبريداً للمنصات الاعلامية وحَدّ من التراشق السياسي، الا انه في المقابل لم ينجح في دفع الاتصالات في اتجاه الحلحلة المطلوبة، وهو ما تبدّى في الجمود الذي أسر هذا الملف بالأمس.
وبحسب ما ينقل عن بعض الوسطاء، فإنّ الاتصالات غير المباشرة او المعلنة قد استمرت في الساعات الأخيرة، ولكن من دون إحراز اي تقدم حتى الآن.
ووفق هؤلاء فإنّ كل الاطراف منفتحون على النقاش، ويؤكدون تصميمهم على تشكيل الحكومة في وقت قريب، وهذا يعزز الأمل في امكان حصول اختراق في أي لحظة. فالجميع يدركون ان بديل الحكومة هو فتح البلد على مشكلات لا حصر لها وفي كل المجالات، بما يُلقي على المواطن مزيدا من الازمات التي تخنقه.
ولكن عندما يُسأل الوسطاء ما اذا كانت العقدة متمثلة بالثلث المعطل؟ يتجنب هؤلاء الحديث مباشرة عنه، ويكتفون بالقول: ثمة نقاط عالقة مرتبطة ببعض الاسماء والحقائب وتحتاج الى بعض الوقت.
قرارات حاسمة
في هذا السياق، اكدت مصادر سياسية مسؤولة لـ»الجمهورية» انّ الاجواء السائدة حتى الآن لا توحي بتقدم على المسار الحكومي، لافتة الانتباه الى أن هذا الأمر يُقرأ في البيانين الصادرين عن عون وميقاتي امس الاول، حيث انهما يتقاطعان عند نقطة مشتركة وهي انّ تأليف الحكومة ما يزال معطلاً، ما يعني نَعي الوساطات التي انطلقت لبناء مساحة مشتركة بينهما تقوم عليها الحكومة.
وبحسب المصادر فإن الوقت ينفد، والصورة ثابتة عند نقطة التعطيل. وهذا امر لا يبشّر، بل بالعكس، يفتح هذا الملف سريعاً على الاحتمالات التي توقعها كثيرون بموازاة اللقاءات الـ13 الفاشلة بين عون وميقاتي، وابرزها ان يبادر بعض الشركاء في تأليف الحكومة الى أن يبق البحصة ويصارح اللبنانيين بحقيقة ما يجري.
وتبعاً لذلك، قالت المصادر عينها انّ الساعات المقبلة فرصة لأن تنجح الاتصالات والوساطات الى اخذ الامور في واحد من اتجاهين؛ امّا نحو ايجابيات ملموسة تُفضي الى حكومة مع بداية الاسبوع المقبل إن لم يكن قبل ذلك، وامّا في اتجاه آخر تُتخَذ فيه قرارات حاسمة، وهنا ينبغي رصد ما قد يُقدِم عليه الرئيس المكلّف سواء لناحية قراره بالاستمرار في هذه المهمة رغم المراوحة والتعطيل، او طَي صفحة التكليف والمبادرة الى الاعتذار.
الميقاتيون: لا للمراوحة
في هذا الوقت يتجنّب القريبون من الرئيس المكلف الحديث عن اعتذاره كاحتمال وارد في ظل الانسداد الحاصل، الا انهم يؤكدون انّ الازمة لم تعد تحتمل مزيداً من المراوحة السلبية والدوران في الحلقة المفرغة. حيث لا يمكن القبول باستمرار هذا الامر، فالمواطن اللبناني الذي راهَن على حكومة تولد سريعا، لم يعد قادراً على تحمّل الضغوط التي يتعرّض لها ويعوّل على حكومة ترفعها عنه، والرئيس ميقاتي ماض في هذا الاتجاه.
السفن الايرانية
من جهة ثانية، وفي جديد سفن النفط الايرانية التي استقدمها «حزب الله»، فلا موعد محدداً لوصولها سواء الى بيروت او الى سوريا، فيما برز بالامس ما قالته نائبة مدير المكتب الإعلامي لقوة «اليونيفيل» في جنوب لبنان كانديس آرديل، رداً على سؤال عن موقف «اليونيفيل» من دخول السفن الإيرانية إلى لبنان، مع الأخذ في الاعتبار العقوبات المفروضة على إيران، وكيف ستتعامل مع هذه السفن وفق قرار مجلس الأمن الدولي 1701: «انّ لبنان دولة ذات سيادة، ودور «اليونيفيل» هو دور مساند ومساعد، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 1701، وبناء على طلب تقدّمت به الحكومة اللبنانية إلى الأمم المتحدة بعد تبنّي هذا القرار، تدعم القوة البحرية التابعة لـ»اليونيفيل» البحرية اللبنانية بمهام محددة للغاية لمنع دخول الأسلحة غير المشروعة أو المواد ذات الصلة إلى لبنان عن طريق البحر».
أضافت: «اليونيفيل لا تصعد على متن السفن أو تجري عمليات تفتيش مادي لها، كما أنها ليست مسؤولة عن التصريح بالدخول إلى الموانئ اللبنانية. هذه المسؤوليات تقع على عاتق السلطات اللبنانية».
وأشارت الى انّ «دور «اليونيفيل» يتمثّل في مهاتفة السفن التي تقترب من لبنان وإحالة السفن التي يوجد فيها تناقضات أو تحتاج الى توضيح إلى السلطات اللبنانية لتفتيشها. وليس لليونيفيل أي دور بعد إحالة السفن إلى السلطات اللبنانية. وبالتالي، إنّ السلطات اللبنانية مسؤولة في النهاية عن السماح – أو عدم السماح – لأي سفينة بدخول المياه الإقليمية اللبنانية وتفريغ حمولتها على الشواطئ اللبنانية». وعن المساعدة التي ستقدمها الأمم المتحدة للجيش اللبناني وعما اذا تَخطّت «اليونيفيل» الحكومة اللبنانية بإعلانها أنها ستقدم المساعدة للجيش وليس لبنان؟ قالت آرديل: من خلال اعتماد القرار 2591 (2021)، طَلبَ مجلس الأمن الدولي من اليونيفيل اتخاذ «تدابير موقتة وخاصة» لدعم القوات المسلحة اللبنانية. يقدّر مجلس الأمن أن الوضع الحالي يمثّل تحدياً للجيش اللبناني، ولهذا السبب طلب من «اليونيفيل» تقديم الدعم له».
وأشارت الى «ان هذا الدعم مهم لأنّ الجيش اللبناني هو شريكنا الاستراتيجي الذين نعمل معه بشكل وثيق يومياً، ويأتي ذلك في إطار أنشطتنا المشتركة معاً». وختمت آرديل: «الدعم الذي طلب منّا مجلس الأمن تقديمه سيكون على شكل أمور، مثل الغذاء والوقود والأدوية، فضلاً عن الدعم اللوجستي. وسوف يستمر لمدة 6 أشهر».
وفد الى سوريا
من جهة ثانية، يزور وفد وزاري لبناني اليوم دمشق، وفق ما أفادت وزارة الاعلام السورية، في أول زيارة رسمية حكومية رفيعة المستوى إلى سوريا منذ اندلاع النزاع قبل 10 سنوات، بهدف بحث استجرار الطاقة والغاز من مصر والأردن عبر سوريا. ويتألف الوفد من نائبة رئيس حكومة تصريف الأعمال وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر ووزير المالية غازي وزني ووزير الطاقة ريمون غجر والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. وسيعقد الطرفان لقاء في وزارة الخارجية السورية.
وأوضح مصدر في وزارة الطاقة والمياه لـ «فرانس برس» انّ زيارة السبت تندرج في إطار التأكد من قدرة الدولة السورية على السير بمشروع استجرار الغاز المصري عبر الأردن ثم سوريا وصولاً إلى شمال لبنان. واشار إلى أنه من المتوقّع «إعادة إحياء» اتفاقية موقعة في العام 2009 تتضمن نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا.