فيما يودع لبنان رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، كقامة وطنية شامخة غادرته بالأمس، بقي المشهد اللبناني تحت وطأة ترددات بركات سفينة المقاومة، فتتواصل اليوم المساعي الهادفة لتذليل العقبات من أمام طريق ولادة الحكومة، التي يقودها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، بعدما تلقى الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، عتاباً غربياً واضحاً على تسريبة تشكيلة حكومية تنعي مساعي الحكومة التي يُفترض أنّ أمتاراً قليلة تحول دون ولادتها، بينما تبلغ الرئيس السابق سعد الحريري طلبات واضحة بترك الرئيس ميقاتي يكمل مشوار التأليف دون طلبات إضافية، والحركة الغربية التي تقودها واشنطن، لمنافسة حزب الله على من يتصدّر الصف الأول لمساعي الحلول، تصل الى نتيجة مفادها، “كي نجعل حزب الله يخسر يجب ان ندعه يربح”، فإذا كان السعي لمنع قيام الحكومة وزيادة الضغوط قد أخذ حزب الله نحو خيار البحر، فلنتراجع ونسابقه بفتح خيار البر الذي سبق أن دعا إليه الحزب مراراً، فجاء التراجع الأميركي عن تعطيل قيام الحكومة، ومعه التراجع عن الحصار المضروب حول ايّ شكل من العلاقة اللبنانية السورية، فدبّت الحياة في مشاريع ممنوعة، مثل استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سورية بتصريحات أميركية علنية، وجاءت الترجمة بزيارة وفد وزاري، هو الأول منذ عقد، لفتح الحوار مع دمشق حول التعاون الكهربائي، وستليه فوراً الأربعاء لقاءات تقنية رباعية لبنانية مصرية أردنية سورية في عمّان، للبحث في التفاصيل التقنية، وفي اتصال بين الرئيسي الإيراني السيد إبراهيم رئيسي والفرنسي إيمانويل ماكرون، فتحت باريس باب البحث بالتعاون لتسريع ولادة الحكومة اللبنانية.
عادت دمشق الى المعادلة اللبنانية من الباب الواسع، لأنّ هذا هو الطبيعي، وقد سلّم الأميركي بهذه الحقيقة رغم سنوات المكابرة والإنكار التي لا يزال بعض اللبنانيين أسيراً لها، وبينما دمشق تودّع الوفد الوزاري كانت تستقبل وفداً كبيراً من طائفة الموحدين الدروز يضمّ قيادات سياسية يتقدّمها النائب طلال أرسلان، الذي ترأس الوفد الذي ضمّ الوزير السابق وئام وهاب، نائب رئيس حركة النضال طارق الداوود، وقيادات روحية يتقدّمها شيخ العقل نصر الدين الغريب.
استقبل الرئيس السوري الوفد بحفاوة فاتحاً الباب لحوار امتدّ لساعتين، مؤكداً انّ سورية ستكون الى جانب لبنان في كلّ ما تستطيع تلبيته من احتياجاته، داعياً الى شراكات متعددة للبلدين في مواجهة التحديات التي تفرضها الأزمات، راسماً لمعادلة قوامها انّ الانفتاح الوطني والقومي وحده يحمي الأقليات وليس الانغلاق والانعزال.
حول نتائج زيارة الوفد الوزاري وصف مصدر سوري طلب عدم الإفصاح عن اسمه لـ “البناء” القرار السوري بالاستجابة لطلب الحكومة اللبنانية للسماح باستجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية، بالترجمة الملموسة لمفهوم تجديد العروبة الذي دعا إليه الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد، باعتبار العروبة تجسيداً للمصالح المتبادلة وتعبيراً عن الهوية والانتماء المشترك، وأضاف المصدر، أنّ سورية لم تكن بحاجة لتناقش طويلاً الطلب اللبناني، لأنها تنظر في مثل هذه الأمور التي تخفف المعاناة عن الشعب اللبناني الشقيق بعين المسؤولية بمعزل عن المواقف والحسابات السياسية التي قد يتوقف عندها الآخرون، ودعا المصدر إلى الإنتباه للمعنى الذي تحمله هذه التجربة إلى الوعي العام حول ثبات ورسوخ حقيقة الترابط بين لبنان وسورية، وكذلك سائر الدول والشعوب العربية، وإدراك أنّ العلاقات التي تنمو بقوة الجغرافيا والتاريخ أقوى من ايّ محاولة للإنكار والمكابرة، وهي إن لم تكن خياراً ذاتياً واعياً ستكون قدراً إلزامياً لا مفرّ منه.
يستضيف الأردن اجتماعاً لوزراء الطاقة في مصر وسورية ولبنان يوم الأربعاء لبحث نقل الغاز المصري إلى لبنان لأغراض توليد الكهرباء. وكانت الحكومة اللبنانية، أنهت يوم السبت، قطيعة في العلاقات الرسمية مع سورية حيث زار وفد وزاري رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الخارجية والمغتربين بالوكالة في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر العاصمة دمشق، وأجرى محادثات مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بهدف الحصول على موافقة سورية من أجل تمرير الغاز والطاقة الكهربائية من مصر والأردن عبر أراضيها. وأبدت دمشق استعداداً لتلبيته، في ظل أزمة الطاقة التي يعاني منها لبنان.
ووصف وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال ريمون غجر “محادثات بين الجانبين السوري واللبناني بأنها كانت إيجابية”، كاشفاً أن “الجانب السوري أبدى رغبة كبيرة بالتعاون مع الجانب اللبناني”. وأشار في تصريح إلى “انعقاد اجتماع رباعي لبناني- سوري- أردني- مصري الأسبوع المقبل في الأردن للتعرف إلى الخطوات اللازمة لتفعيل الاتفاقيات بين الدول الأربع، ونرى المواضيع الفنية والتقنية والمالية ونضع برنامج عمل وجدولاً زمنياً ونفعل فريق عمل تقنياً فنياً للكشف على كل المواقع في لبنان وسورية ومصر والأردن، ويتم التأكد من سلامة استثماراتها حتى يتم تشغيلها بشكل آمن، وهذا يمكن أن يبدأ بين لبنان وسورية لأنهما مترابطان فوراً وبين سورية والأردن ومصر”.
وفي موضوع الكهرباء، قال: “حتى نستطيع أن نستجر الكهرباء يجب أن تمر الكهرباء بشبكة 400 كيلوفولت من الأردن عبر سورية إلى لبنان”، مشيراً إلى “وجود أضرار وبحاجة للمسح للتأكد من حجمها”.
وقال وزير النفط السوري غسان طعمة: “إن الموضوع الذي تم بحثه كان في إطاره التقني”، مشيراً إلى أن “سورية ولبنان هما من أول الموقعين على مذكرة تفاهم لإنشاء الخط العربي عام 2000 وفي عام 2001 انضمّ الأردن إلى هذه الاتفاقية، وقد ناقشت مع الوزير غجر الموضوع التقني والبنى التحتية وجاهزيتها لنقل هذا الغاز، وتمّ استعراض هذا الجانب، يعني الخط العربي من الحدود الأردنية إلى وسط سورية من وسط سورية إلى محطة الدبوسة ومنها إلى الداخل اللبناني. واتفقنا على تشكيل لجنة مشتركة من الجانبين تعمل على التأكد من سلامة البنى التحتية”.
واعتبر رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وائل الحسنية أنّ موافقة الجمهورية العربية السورية على عبور الغاز المصري عبر أراضيها إلى لبنان، يؤكد وقوفها إلى جانب لبنان ومدّ يد المساعدة للبنانيين لتجاوز معاناتهم نتيجة أزمة المحروقات والكهرباء وغيرها من الأزمات.
وأكد الحسنية أن سورية لم تتأخر يوماً عن تلبية ما يطلبه لبنان، وهي في ظل اشتداد الحرب الإرهابية ضدها، أعلنت هذا الموقف والتزمت به، غير أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ عام 2011 نأت بنفسها عن تحمل مسؤولياتها بما يفيد لبنان واللبنانيين.
ورأى الحسنية أن زيارة الوفد الوزاري اللبناني الرسمي إلى العاصمة السورية، دمشق، وإن جاءت متأخرة، لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح، حيث أن التعاون والتنسيق والتعاضد والتآزر بين لبنان والشام، هو مصلحة عليا لشعبنا في البلدين.
وقال الحسنية: لقد نبّهنا مراراً وتكراراً الذين رحبوا بما يسمى “قانون قيصر” وهللوا له، وأكدنا بأن تداعياته على اقتصاد لبنان وأمنه الاجتماعي ستكون شديدة الوطأة، إلاّ أن البعض في لبنان عاشوا الوهم الأميركي بالفتات، وأسهموا في وصول لبنان إلى ما وصل إليه من وضع مزر على الصعد كافة.
وشدّد الحسنية على ضرورة البناء على ما تمّ إنجازه خلال زيارة الوفد الرسمي اللبناني، مؤكداً ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة في لبنان اليوم قبل الغد، لكي تتحمل مسؤولياتها وتقوم بالجهود المطلوبة لمعالجة الأزمات ولتعزيز التعاون والتنسيق مع الشام في كل الملفات ومختلف الجوانب، بما يحقق المصالح المشتركة والتي هي حاجة ملحة للبنان واللبنانيين بالدرجة الأولى.
ورأى النائب حسن فضل الله أنه بينما يستعد اللبنانيون لاستقبال المازوت الإيراني، وعلى أبواب وصول الباخرة الأولى، بدأت تتكسر أبواب الحصار الأميركي، وتنفتح خيارات أمام لبنان للتخفيف من وطأة أزمته بعد اضطرار الإدارة الأميركية إلى التراجع عن تهديداتها وضغوطاتها القصوى أمام إرادة مقاومة لبنانية صلبة لا تؤخذ بلغة التهديد، ولا تخضع للضغوط.
وأكد الرئيس السوري بشار الأسد أن العلاقات بين لبنان وسورية ينبغي ألا تتأثر بالمتغيرات والظروف، بل يجب العمل على تمتينها. فسورية ستبقى مع الشعب اللبناني وتدعمه على مختلف الأصعدة”.
كما شدد أمام وفد من القيادات الدرزية اللبنانية برئاسة رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان ومشاركة رئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب وشيخ العقل نصر الدين الغريب على أنّ سورية ستبقى مع الشعب اللبناني وتدعمه على مختلف الأصعدة. واعتبر أنّ “القيادات التي تمتلك الرؤية الصحيحة والواضحة هي التي تستطيع عبر العلاقة المتبادلة مع الناس أن توصلهم إلى الهدف الصحيح والاستقرار وإلى الحماية من المطبات التي تواجههم بأوقاتٍ مختلفة، في ظل ما تتعرض له المنطقة من محاولات تفكيك للبنى الاجتماعية والوطنية، والمعركة التي يجب أن تخوضها القيادات هي معركة حماية العقول مما يستهدفها وهو إلغاء الهويات والتخلي عنها”. وقال إن أعضاء الوفد والقيادات التي يضمها يمثّلون وجه لبنان الحقيقي ويعبّرون عن غالبية اللبنانيين الذين يؤمنون بضرورة العلاقة مع سورية وأهميتها، وكانوا أوفياء لها ووقفوا معها خلال سنوات الحرب.
أما أرسلان فأشار إلى أن كل من يعادي فلسطين يعادي لبنان وسورية والعروبة الحضارية كلها، وكل من يعادي سورية يعادي لبنان والعروبة الحضارية كلها، منوهاً بضرورة عودة العلاقات اللبنانية- السورية إلى طبيعتها، حيث يشكل البلدان معاً تكاملاً اقتصادياً بات ضرورة ملحة لكليهما. وأكد أرسلان أن دمشق “أعطت العالم درساً في عدم الخضوع أمام الاستكبار الاستعماري العالمي وعدوانيته”، معتبراً أن “معاناة اللبنانيين والسوريين هي من صنع الاستعمار الجديد”.
وفي الشأن الحكومي، لا جديد إيجابياً على خط التفاوض الذي يفترض وفق معلومات ”البناء” أنّ يستأنف اليوم بشكل غير مباشر بين بعبدا والبلاتينوم عبر وساطة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، مع إشارة مصادر مطلعة إلى أن الساعات الـ 48 المقبلة ستكون حاسمة لجهة إما تأليف الحكومة أو عدم التأليف، بخاصة أنّ الرئيس المكلف نجيب ميقاتي كان قد قدم التشكيلة الحكومية منذ نحو عشرة أيام وكان ينتظر الجواب النهائي من الرئيس ميشال عون الذي حتى الساعة لم يصل.
وليس بعيداً تقول المصادر إنّ مطالبة الرئيس المكلف بحقيبة الاقتصاد أو الشؤون الاجتماعية مردّه أنّ الرئيس ميقاتي منذ تكليفه تحدث عن سعيه لتشكيل فريق متجانس لمفاوضة صندوق النقد، بالتالي وبينما آلت حقائب الاتصالات إلى المردة والأشغال إلى حزب الله والصحة إلى تيار المستقبل، بالتالي كل الأطراف ستكون ضمن اللجنة التي ستفاوض صندوق النقد، يفترض أن يكون في اللجنة ممثل عن الرئيس المكلف وهذا الأمر منطقي وطبيعي ولا يحتمل التأويلات. ومن هنا فإن الوساطات القائمة تصب في خانة حل عقدتي الشؤون الاجتماعية والاقتصاد على قاعدة أن تؤول وزارة منهما لرئيس الجمهورية ووزارة للرئيس ميقاتي. ولا تخفي المصادر استغرابها لشروط الرئيس عون لتسهيل التأليف بحصوله على 8 وزراء مسيحيين وحصوله على حقائب الطاقة والشؤون الاجتماعية والاقتصاد، معتبرة أنها تصب في خانة إقفال الباب أمام أي تشكيل يفتح الباب لمجلس الوزراء إدارة البلد بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية.
وأشارت المصادر إلى أن الرئيس ميقاتي الذي يعمل بهدوء ويتطلع إلى تأليف حكومة سريعاً لضرورات الإنقاذ لن يبقى إلى ما لا نهاية رئيساً مكلفاً، داعية إلى انتظار ما ستسفر عنه الساعات المقبلة، علماً أن المصادر نفسها أبدت قلقها من احتمال اعتذار الرئيس ميقاتي، قائلة قد يكون الرئيس المكلف الأخير في عهد الرئيس عون.
في غضون ذلك، أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال تلقيه اتصالاً هاتفياً من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون تأييد إيران لتشكيل حكومة قوية في لبنان حتى تتمكن من الحفاظ على مصالح وحقوق هذا الشعب، مشدّداً على “أننا لا نتخلى عن أي دعم إنساني للشعب اللبناني ومستعدون للتعاون مع فرنسا لتنمية وتقدم لبنان”. وشدّد رئيسي على أن “لبنان يعاني من الحظر المفروض عليه وبإمكان فرنسا أن تساعد لرفع ذلك”، معتبراً أن “جهود ومساعي إيران وفرنسا وحزب الله تصبّ لصالح هذا الشعب عبر تشكيل الحكومة القوية في لبنان”.
وأكد رئيس الجمهورية ميشال عون أن إفشال كل خطة تطرح للتعافي المالي والاقتصادي أو عدم وضعها من الأساس، إنما يعني شيئاً واحداً وهو أن المنظومة الفاسدة التي لا تزال تتحكم بالبلد والشعب، تخشى المساءلة والمحاسبة، ذلك أن أي خطة تعافٍ تنطلق من ثلاث مرتكزات، أولاً تحديد الخسائر وتوزيعها، وثانياً تحديد المسؤوليات والمحاسبة، وثالثاً تحديد سبل المعالجة.
وقال: “على الشعب أن يعرف من يذله يومياً للحصول على أبسط حقوقه ومنعه من التصرف بأمواله في المصارف وأصوله بحرية. كل ثورة شعبية يجب أن تصب في هذا الاتجاه: تحديد الخسائر وتوزيعها، تحديد المسؤوليات، محاسبة المسؤولين، إيجاد الحلول على نفقة من تسبب بالكارثة المالية ومسؤوليته، وعدم تحميل الشعب مباشرة وحده من دون سواه أوزار الأزمة