«لؤلؤة الشرق» أصبح يعيش في فوضى طالت لقمة عيش المواطن وصحته وجعلته رهينة عصابات تعبث بالبلد عبر الإحتكار والتهريب. دولة القانون غابت لتحل محلها دولة عصابات تُتاجر بكل شيء حتى بحياة الإنسان.
تقرير الإسكوا
المواطن اللبناني مهدد بأمنه الغذائي، وما تقرير الإسكوا إلا خير دليل على صحة ما ورد أعلاه! فالفقر أصبح يطال ٧٤٪ من سكان لبنان مع مليون عائلة من أصل مليون و٢٥٠ ألفا، أصبحت تعيش في الفقر. وإذا كان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يقيس الفقر بعدة أبعاد (الحصول على المواد العذائية، الصحة، والتعليم، والخدمات العامة…) فإن إضافة هذه الأبعاد تزيد نسبة الفقر إلى أكثر من ٨٢٪! الخطير في هذه الأرقام هي وتيرة الإرتفاع، فمنذ عام أصدرت الإسكوا تقريرًا قدرت فيه الفقر بـ ٥٥٪ أي أنه بظرف عام إرتفع الفقر بشكل مخيف. وكانت الإسكوا قد أشارت في تقريرها الصادر في العام ٢٠٢٠ أن ١٠٪ من الشعب يملك ثروة تقدر بـ ٩١ مليار دولار أميركي. وكانت إقترحت تمويل صندوق للقضاء على الفقر من خلال مساهمة بقيمة ١٪ من ثروة الـ ١٠٪.
وعزت الإسكوا الحرمان الذي يعيشه اللبنانيون والمقيمون على الأرض اللبنانية إلى «الصدمات المتداخلة لسعر الصرف»، وقدرت إرتفاع التضخّم بين حزيران ٢٠١٩ وحزيران ٢٠٢١ بنسبة ٢٨١٪. أما في تفاصيل أرقام الفقر، فقد قدرت الإسكوا نسبة الفقراء الذين يُعانون حالة حرمان في بعدين أو أكثر بـ ٣٤٪ من السكان (معدّل عام) مع تخطي هذه النسبة النصف في بعض المناطق. أما نسبة الأسر المحرومة من الرعاية الصحية فتُقدّرها المنظمة بـ ٣٣٪.
سعر صرف السوق السوداء
سعر الصرف في السوق السوداء والمُعتمد من قبل التجار هو سعر إصطناعي، صنعته أيدي الشرّ وجعلته إفتراضي (أي على الإنترنت) لكي لا يتمّ كشف المتلاعبين بهذا السعر بسهولة. نعم معظم اللاعبين اليوم مُستفدين من إرتفاع سعر الدولار في السوق السوداء بإستثناء المواطن الذي يرى نفسه يتفقّر يومًا بعد يوم!
لا نعلم ما هي الأسباب التي منعت الدولة اللبنانية من إستئجار خدمات شركة أجنبية لضرب التطبيقات التي تُعطي سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية عن غير وجه حق وخلافًا للقوانين اللبنانية؟ هل يُمكن أن نتخيل الأمر نفسه يحصل في بلد أخر؟ الجدير ذكره أن العديد من الدول قامت بقطع الإنترنت بالكامل حين أصبح أمنها القومي مُهدّد، لكن في لبنان هذا الأمر غير وارد بسبب تشابك المصالح!
عملية سلب المواطن
أسعار السلع تُسعرّ على أسعار أعلى من السوق السوداء وخصوصًا المواد الغذائية التي وبحسب المصادر تتمّ على أسعار تفوق الـ ٢٣ ألف ليرة في أحسن الأحوال. إذا ما سلمنا جدلا، وهو أمر غير صحيح، أن سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية هو سعر السوق السوداء، هل يُمكن للمسؤولين في الدولة أن يُبرروا إعتماد سعر عند البيع أعلى من سعر السوق السوداء؟ هل يُمكن للمسؤولين أن يبرروا لماذا لا تنخفض الأسعار مع إنخفاض سعر صرف الدولار في السوق السوداء؟ لماذا يتم ترك المحتكرين والمهربين يُرغمون المواطن على دفع مبالغ كبيرة؟ أليس هذا بعملية سلب؟ لماذا تسكت الدولة عن سرقة الضريبة السيادية من قبل حفنة من التجار محميين من قبل أصحاب النفوذ؟
معادلة الأمن الغذائي مقابل الإحتياطي
المواطن أصبح رهينة التجار الذين، وعلى الرغم من الدعم، يبيعون السلع والبضائع والأدوية على أسعار السوق السوداء. وهو ما يضع المواطن اللبناني أمام خطر كبير سينفجر بين يوم وأخر. وفي المقابل يُطالب البعض بإستخدام الإحتياطي الإلزامي لتمويل الدعم. هذا يعني أن هناك معادلة أرستها الممارسات السيئة التي يقوم بها البعض والتي تنص على أنه «إذا ما أردتم الأمن الغذائي، يجب أن يتم تمويله من الإحتياطي الإلزامي – أي أموال المودعين»! هذه المعادلة هي معادلة خطرة وستكون سبب سقوط العديد من المنخرطين في هذه اللعبة، خصوصًا أن المعلومات تُشير إلى أنه هناك لوائح بأسماء رجال أعمال وتجار – إستفادوا من الدعم ويُمارسون الإحتكار والتهريب – يتمّ تحضيرها من قبل عواصم القرار على أن تكون هذه اللوائح جاهزة مع إنتهاء الشهر الحالي. وسيتمّ بحسب هذه المعلومات، وضع هذه الأسماء على لوائح العقوبات بتهمة الفساد وخرق شرعة حقوق الإنسان.
سوريا ولبنان وإستجرار الطاقة
الزيارة التي قام بها الوفد الوزاري اللبناني إلى سوريا أتت بنتائج مُطابقة للتوقعات – أي أن السلطات السورية أظهرت كل التعاون مع الجانب اللبناني على أن يتم تشكيل لجنة تقنية مُشتركة لدراسة التفاصيل. عمليًا لسوريا مصلحة بتسهيل هذه العملية نظرًا إلى الفوائد السياسية والإقتصادية. فإستجرار الكهرباء والغاز من الأردن إلى لبنان، سيكون له مُقابل لسوريا سواء كان مالي أو عيني (كهرباء أو غاز). الويفر (الإستثناء) الأميركي سمح بهذه العملية وقد نُقل عن أحد الوزراء السابقين قوله أنه لولا هذا الإستثناء، لما قام الوفد اللبناني بزيارة دمشق. على كل الإدارة الأميركية واعية لخطورة ترك لبنان في هذه الحالة وهي مُستعدة للذهاب أكثر من ذلك من خلال إستخدام نفوذها في البنك الدولي لتسهيل قرض لتمويل هذه العملية (صيانة وثمن).
مشروع إستجرار الطاقة من الأردن عبر سوريا، ليس بمشروع جديد، فهذا الملف بدأ الحديث به في العام ١٩٩٨ مع مشروع ربط الكهرباء بين الثلاثي (لبنان – سوريا – الأردن). الأزمات السياسية التي واكبت هذه المرحلة منعت المشروع من الوصول إلى خواتيمه السعيدة، وذلك على الرغم من ربط الشبكات في العام ٢٠٠٤. الإتفاقات النهائية تمّت في العام ٢٠٠٧، لكن ولنفس الأسباب لم يتمّ إنهاء المشروع.
عمليًا حاجة الأردن للكهرباء تصل إلى ٦٠٠٠ ميغاواط وهي موازية لإنتاجه. لكن المعامل الأردنية لا تعمل بكامل قدرتها التي قد تصل إلى ٨٠٠٠ ميغاواط. من جهة سوريا، تبلغ حاجتها من الكهرباء ٦٠٠٠ ميغاواط في حين أن إنتاجها لا يزيد عن ١٠٠٠ ميغاواط. أما في لبنان فإن الحاجة إلى الكهرباء تفوق الـ ٣٥٠٠ ميغاواط في حين أن معامل الدولة لا تؤمّن أكثر من ٥٠٠ ميغاواط حاليًا. إذًا وبفرضية أن الإتفاق تمّ، هناك فائض في الإنتاج الأردني يصل إلى ٢٠٠٠ ميغاواط تستطيع الأردن تصديره إلى لبنان. لكن ماذا عن سوريا؟ هل سيتم تغذيتها بالكهرباء أو سيتم دفع الدولارات بدل إستخدام شبكتها الكهربائية؟ نظريًا، قانون قيصر سيمنع وصول العملة الصعبة إلى سوريا، إلا أن المفاوضات قد تؤدّي إلى قبول الولايات المُتحدة الأميركية إلى إعطاء سوريا ٥٠٠ إلى ١٠٠٠ ميغاواط مما يترك للبنان ١٠٠٠ ميغاواط.
أضف إلى ذلك هناك الغاز المصري الذي من الممكن نقله إلى لبنان، ولكنه يتطلب عــملية صيانة لأنابيب الغاز في منطقة درعا (مقدّرة بعشرة ملايين دولار أميركي) والتي تضررت بســبب الحرب. وهنا يُطرح العديد من الأسئلة حول من سيموّل عملية الصيانة هذه؟ هل هي الدولة اللبنانية أم الدولة السورية؟ أم الدولة الأردنية؟ أم المجتمع الدولي؟ على كل وبفرضية أنه تمّ إســتجرار الغاز، هناك أربعة معامل قادرة على العمل على الغاز – بحسب تصريح وزير الطاقة والمياه ريمون غجر. لكن هذا المــشروع يبقى متوسط إلى طويل الامد في حين أن الأزمة اللبنانية لا تتحمّل أسابيع!
شهر أيلول محفوف بالمخاطر
بحسب الإتفاق الذي تمّ في اجتماع بعبدا المالي، الدعم مُستمر حتى نهاية شهر أيلول. وإذا كنا نعتقد أن الأموال المرصودة ستنفد قبل أخر أيلول نظرًا للفساد المُستشري والمتمثل بالإحتكار والتهريب، فإن نهاية الشهر – المشهور بأنه شهر الدفع بالنسبة للمواطن (مدارس…) – تُنذر بإنفجار إجتماعي فعلي نظرًا إلى إستحالة الحصول على المواد الغذائية والمواد الأساسية مثل الأدوية والمحروقات.
إذًا ماذا ستكون ردّة فعل المسؤولين على هذا الأمر؟ بإعتقادنا هناك إحتمالين: الأول إعادة تجديد الإتفاق (٢٢٥ مليون دولار جديدة) على أن يكون التمويل هذه المرة ليس من إحتياطات مصرف لبنان بل من الـ ٨٦٠ مليون دولار أميركي الآتية من صندوق النقد الدولي. والإحتمال الثاني هو قيام المجتمع الدولي بتقديم مساعدات مباشرة إلى الشعب – في حال عجز السلطة عن إيجاد حلّ – وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول اللوجستية التي سيتمّ إتباعها خصوصًا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قد أعلن أن فرنسا وشركاؤها يعملون على تأمين الدعم اللازم لإستمرار الخدمات الأساسية في لبنان في ظل عجز الدولة اللبنانية عن القيام بذلك.
الدولار المصرفي
في هذا الوقت، يتمّ الترويج لفكرة رفع قيمة الدولار المصرفي إلى ٨٠٠٠ أو ١٠٠٠٠ ليرة على أن يتمّ المحافظة على نفس سقف السحوبات الحالي، وهو ما سيسمح – بحسب أصحاب الفكرة – للمواطن بمواجهة رفع الدعم الذي سيواكبه رفع أسعار بشكل كبير.
عمليًا هذا المشروع سيفشل حكمًا لأن لا سيطرة للدولة على سوق الدولار السوداء والتي تعبث بالأخضر واليابس. وبالتالي فإن رفع الدولار المصرفي، سيؤدي إلى رفع دولار السوق السوداء غير الخاضع لأية إعتبارات إقتصادية، بل أن تحريكه يتمّ على أسس وخلفيات أخرى. وبالتالي ما سيحصل هو إدخال تضخّم إضافي (مصطنع)، وبما أن سقف السحوبات سيبقى كما هو، وبما أن التجار لا يقبلون البطاقات المصرفية أو الشيكات، فإن هذا الأمر سيؤدّي حكمًا إلى عدم قدرة المواطنين على شراء حاجاتهم حتى في حال توافرها.
من هذا المنطلق لا يُمكن القيام بهكذا خطوة إلى بشرطين: الأول ضرب السوق السوداء الإفتراضية – أي التطبيقات الإلكترونية، والثاني إلزام التجار قبول البطاقات المصرفية. كما أنه الأجدى إعتبار الدولار المصرفي على أساس سعره الحقيقي المُعترف به من قبل مصرف لبنان – أي سعر منصة صيرفة وليس على سعر ٨٠٠٠ أو ١٠٠٠٠ وهو ما يحمل أيضًا ظلمًا للمودع.
في الختام يبقى الحلّ الأمثل لكل هذه المشاكل، تشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي وتأمين شبكة أمان إجتماعي وجذب الإستثمارات.