بينما منظومة الحكم تواصل التخبط في مستنقع التأليف والغرق أكثر فأكثر في رمال الحصص والتركيبات الوزارية المتحرّكة، وآخرها تركيبة الـ14 التي أشيع أنّ الرئيس المكلف نجيب ميقاتي سيحملها إلى بعبدا ووضعتها أوساط العهد في خانة “كلام الصحف”، ولم تستبعد مصادر تياره أن تكون بمثابة “خطوة تمهيدية للاعتذار”، رفع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع مساءً “شعلة” المقاومة والمعارضة الشرسة لهذه المنظومة، فدكّ معاقلها بخطاب ناري مدجّج برسائل التحدي والتصدي لأركان السلطة، مع قصف مركّز استهدف على وجه الخصوص الثنائي الحاكم “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”.
وتحت شعار “مقاومة مستمرة”، رفع جعجع السقف عالياً في مواجهة ثنائي “البرتقاليّ الذّابل والأصفر الشّاحب”، الذي أوصل اللبنانيين والبلد إلى قعر “جهنم”، فصوّب في مضامين خطابه على كون “تحالف الخاطفين مع الفاسدين حوّل الدولة برمتها إلى دولة فاشلة مارقة”، مشدداً على أنّ منفذ الخلاص الوحيد للبنان وشعبه يكمن في خريطة طريق لا بديل عنها لتصويب المسار، بدءاً من محطة الانتخابات النيابية باعتبارها نقطة انطلاق مفصلية أمام اللبنانيين نحو التغيير على قاعدة “كما تقترعون يولى عليكم”، مروراً بانتخابات رئاسية مبكرة تنتج رئيساً “قبطاناً يقود سفينة الدّولة” وليس “قرصاناً يأخذ الشّعب رهينة أنانيّته”، وصولاً إلى تشكيل حكومة إصلاحات تبدأ مسيرة الإنقاذ، وإجراء حوار وطنيّ حول “سيادة الدّولة وسلطتها وقرارها، وتطبيق ما لم يطبّق من اتّفاق الطّائف خصوصاً ما يتعلق بالسلاح واللامركزيّة الموسّعة”.
وإلى ضفة المعارضة “الهادفة” لا “العبثية الفوضوية”، مدّ جعجع يده إلى “شعب 17 تشرين” داعياً إلى توحيد الجهود والصفوف لإحداث “التغيير الحقيقي” المنشود، كما توجّه إلى “شعب 14 آذار” مستنهضاً ثورته “الحضارية التي انتصرت على أعتى الأنظمة الديكتاتورية (…) ولن تنتهي قبل تحقيق الأهداف”. وبينما تنوعت رسائله في حث اللبنانيين عموماً على الانتفاض ومواجهة أركان “عهد الانهيار الشامل الذي تديره مجموعة حاكمة تنازلت عن سيادة الدّولة وضربت مؤسّساتها، وحولتها إلى دولة فاشلة مارقة يحكمها فاسدون، فاشلون، لصوص، خونة مجرمون”، برز في هذا السياق إقراره بالنتائج الكارثية لخطوة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية مبدياً “أشدّ الأسف لأن تنقلب هذه الخطوة التي كانت ذات مرام وطنيّة ومسيحيّة هامّة جدّاً مأساةً لم يعرف لبنان لها مثيلاً”.
أما رسالة رئيس “القوات” الأمضى فأتت بمخاطبة “إخواننا الشيعة” تحت لواء قول الإمام علي بن ابي طالب: “رحم الله امرءاً أحيا حقاً وأمات باطلاً ودحض الجور وأقام العدل”، فناشدهم بوصفهم “جزءاً تاريخياً وتأسيسياً للكيان اللّبناني” أن يبادروا إلى وضع حد لممارسات “حزب الله” ومشروعه “السيئ الفاشل”، مؤكداً أنّ اللبنانيين بأغلبيتهم الساحقة ينتظرون منهم أن يكونوا “في خط الدفاع الأمامي عما تبقى من لبنان”، وأن يطلقوا صرخة “هيهات منا الذلّة” في وجه “حزب الله” الذي لطالما كان ينادي أبناء الطائفة الشيعية بـ”أشرف الناس”، لكنه أوصلهم في نهاية المطاف إلى الوقوف في “الطوابير أمام المحطّات والأفران والمستشفيات وساواهم بالذّلّ والقهر والظّلم مع بقيّة اللّبنانيين”، متسائلاً عما ينفع “جمهور حزب الله إذا كان أركان النّظام السوريّ صامدين ثابتين مرفّهين على كراسيهم بفضل آلاف وآلاف الشّبّان الشيعة الذين سقطوا في سوريا، فيما هذا الجمهور يعيش على أرضه أتعس وأسوأ وأظلم ايّامه اقتصادياً وحياتيّاً ونفسياً؟”.
وعلى المقلب الآخر من المشهد، كانت “فلول العهد المتداعي ونظام الوصاية البائد”، يتوافدون إلى دمشق “لاستجرار الطاقة الرئاسية والسياسية المتلاشية من النظام السوري”، على حد توصيف مصادر سياسية لمشهد توالي الزيارات الرسمية وغير الرسمية إلى دمشق نهاية الأسبوع، سواءً من خلال الصورة المهينة التي بدا فيه الوفد الحكومي برئاسة نائبة رئيس مجلس الوزراء زينة عكر، “مستظلّاً” بالعلم السوري لا العلم اللبناني أثناء لقاءاته مع المسؤولين السوريين، أو من خلال الوفد الدرزي الممانع الذي ترأسه طلال أرسلان ووئام وهاب للقاء الرئيس السوري بشار الأسد أمس.
وإذ رأت المصادر أنّ “عراضات دمشق” إنما تهدف إلى “استجارة الأسد أكثر منها استجرار الغاز”، أوضحت أنّ الغاية منها “إعادة تعويم المنظومة اللبنانية والنظام السوري على أنقاض مآسي اللبنانيين، عبر استثمار حاجتهم الملحة للكهرباء لتحقيق أهداف وتمرير أجندات سياسية عبر خط الأنابيب السوري لاستقدام الغاز المصري إلى لبنان”، مشددةً في المقابل على أنّ “البحث التقني الجدي” في هذا الملف سيبدأ في الأردن بعد غد الأربعاء حيث سيعقد اجتماع وزراء الطاقة في مصر وسوريا ولبنان لبحث الآليات التنفيذية لنقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا لأغراض توليد الكهرباء.
وتوازياً، استرعى الانتباه أمس خبر استهداف أحد أنابيب النفط في الشمال، ما طرح جملة علامات استفهام عبّر عنها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط بتغريدة، تساءل فيها عما إذا كان هذا الاستهداف تقف وراءه “عصابات النفط التي تريد تخريب استيراد الغاز المصري والكهرباء الأردنية… أم أن النفط الايراني له صلة”. في حين لفت بالتزامن ما كشفه المرصد السوري خلال الساعات الأخيرة من أنّ “مجموعات إيرانية” في سوريا استولت على 9 صهاريج محروقات من أصل 39 آتية في طريقها من العراق نحو لبنان.