عن عمد أو جهل، أُغرق السوق الإعلامي خلال الساعات القليلة الماضية بعملية ضخ ممنهجة للأجواء الإيجابية المتفائلة بقرب الإعلان عن ولادة حكومة نجيب ميقاتي بعد تذليل آخر العقد العونية، فتوالت التغريدات والتسريبات المبشّرة بالتأليف خلال اليومين المقبلين من دون أن ترتكز إلى وقائع ثابتة أو مرتكزات صلبة لصيغة الحل النهائية.
فبعد التمحيص عن كثب بصورة المستجدات الحكومية، لم يتم رصد أي معطيات عملية دقيقة تؤكد وصول الأمور إلى خواتيمها في مفاوضات التأليف، بل إنّ العارفين بمجريات هذه المفاوضات ذهبوا إلى حد اعتبار الجو التفاؤلي “مبالغاً به”، وأوضحت مصادر مواكبة أنّ الحكومة لا تزال رهينة “قراصنة” الحصص الوزارية والإفراج عنها مرهون بنجاح “عملية التبادل” في الحقائب التي يطالب بها رئيس الجمهورية ميشال عون للموافقة على التخلي عن وزارة الاقتصاد والقبول بتجييرها إلى حصة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي.
وتعليقاً على ما أشيع سياسياً وإعلامياً حول ولادة الحكومة، شددت المصادر على أنّ “تطورات حصلت على مستوى تذليل بعض العقد وليس جميعها”، لافتةً إلى أنّ “رئيس الجمهورية وافق مبدئياً على حل عقدة حقيبة الاقتصاد لكنه سأل عن “البديل”، لأنه لن يقبل بالتنازل عن هذه الحقيبة من دون ثمن”، مبدية توجّسها من أنّ “المطالبة بإجراء تبديل في الحقائب الأساسية من شأنها أن تحدث تعقيدات جديدة في خريطة التشكيلة الوزارية”، وتردد في هذا المجال أنّ الثمن الذي يطالب به عون للتنازل عن حقيبة الاقتصاد قد يكون المطالبة بنيابة رئاسة مجلس الوزراء ليسمي شخصية قريبة منه تتولى ترؤس وفد لبنان المفاوض مع البنك الدولي وصندوق النقد.
وخلصت المصادر إلى التأكيد أنّ “الاتجاهات غير محسومة بعد، لا في ما خصّ عقدة وزارة الاقتصاد ولا في ما يتصل بالجهة التي ستختار الوزيرين المسيحيين، ولا إزاء مسألة الثلث المعطل”، كاشفةً أنّ المدير العام للأمن العام “اللواء عباس ابراهيم حمل لائحة من الرئيس المكلف إلى بعبدا تتضمن أسماء مسيحية ليصار إلى الاختيار من بينها، غير أنّ رئيس الجمهورية جدد تمسكه بأنه هو من يقترح الأسماء وعلى الرئيس المكلف أن يختار منها”.
وعليه، نقلت المصادر أنّ اللواء ابراهيم لم تُحسم لديه أي معطيات جدية حول سبل تذليل العقد بشكل نهائي، معربة عن قناعتها بأنّ “معظم ما تم بثه من أجواء إيجابية إنما تقف وراءه شخصيات تدور في فلك بعبدا و”التيار الوطني الحر” كما درجت العادة تمهيداً لتحميل الأطراف الأخرى مسؤولية فشل الجهود في وقت لاحق”. وجزمت المصادر بأنّ الساعات الأخيرة “لم تحمل أي مؤشر جديد حاسم باتجاه التأليف لكنّ المشاورات مستمرة وستتكثف استكمالاً لمروحة الاتصالات واللقاءات التي يقوم بها الرئيس المكلف والتي شملت زيارته نهار الاثنين رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد سلسلة زيارات مكوكية قام بها النائب علي حسن خليل موفداً من بري إلى ميقاتي”.
وإذ استبعدت أن يحمل اليوم “أي مفاجآت من قبيل زيارة ميقاتي قصر بعبدا”، أكدت المصادر أنّ المعنيين بالتأليف سيتخذون من الحداد الوطني على رحيل رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان “فسحة زمنية إضافية لتكثيف الاتصالات وبلورة صورة المشاورات والوساطات الحكومية أكثر قبل نهاية الأسبوع”، لافتةً بالتوازي إلى أنّ “الاتصالات الخارجية لم تتوقف ولم تنقطع على مدار الساعة مع المسؤولين اللبنانيين لحثهم على تشكيل حكومة، بينما الرئيس المكلف على تواصل شبه يومي مع المسؤولين الفرنسيين للتشاور معهم في أجواء التطورات والعقبات التي لا تزال تحول دون ولادة الحكومة”.
أما على المقلب الآخر، فكانت مصادر مطلعة على أجواء دوائر الرئاسة الأولى قد نقلت خلال الساعات الأخيرة معطيات تشي بأنّ العدّ العكسي لولادة الحكومة قد انطلق وأنّ “مجرد إعلان الرئيس المكلف عزمه على زيارة قصر بعبدا سيعني أنّ التشكيلة أنجزت وتم الاتفاق على توقيت إعلان مراسيم التأليف”.
ووفق هذه المعطيات، فإنّ “اتصالات أميركية وفرنسية جرت مع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف في الساعات الـ48 الماضية وفتحت باب الحل للعقدة الأخيرة المتمثلة بوزارة الاقتصاد التي يريدها ميقاتي من حصته، فأصبح هذا الأمر مسلماً به ليتركز البحث تالياً حول كيفية إجراء تبادل بين هذه الحقيبة وحقيبة أخرى يصار إلى ضمها لحصة عون بدل وزارة الاقتصاد”.
وفي ضوء ذلك، أكدت المصادر أنّ “الساعات المقبلة ستشهد توسيعاً لمروحة اللقاءات والاتصالات التي يقوم بها اللواء ابراهيم، بشكل سيطال أكثر من فريق مشارك في الحكومة العتيدة لتأمين الغطاء اللازم لعملية تبادل الحقائب وتثبيت كل ما اتفق عليه، على أن يكون انتهاء فترة الحداد على الراحل الشيخ قبلان، بمثابة “ساعة الصفر” لدخول عملية التأليف مرحلة الاعلان عن ولادة التشكيلة الوزارية”.
على صعيد منفصل، استرعى الانتباه أمس استكمال المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار تسطير مذكرات التوقيف الوجاهية بحق مدعى عليهم في القضية، وجديدها مذكرة توقيف بحق مدير العمليات السابق للمرفأ سامي حسين بعد جلسة استماع لإفادته استمرت على مدى عدة ساعات وانتهت إلى توقيفه وجاهياً.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر قانونية مواكبة للملف أنّ القاضي بيطار “رايح للآخر” في القضية ولا يعير أي اهتمام لكل “حملات التهويل والتضليل التي يمارسها بعض الأفرقاء السياسيين لثنيه عن متابعة تحقيقاته”، كاشفةً أنّ جلسات الاستماع للمدعى عليهم والشهود ستتوالى “ومن يجب توقيفه سيتم توقيفه ومن يتغيّب من دون عذر سيصار إلى إصدار مذكرات جلب بحقه، بمعزل عن أي ضغوطات أو اعتبارات سياسية أو طائفية”.