لا علاجات جذرية لمعضلة التأليف خارج نطاق “إبر المورفين” التي يواصل رئيس الجمهورية حقنها في عروق الداخل والخارج تمويهاً للحقائق وتمييعاً لمسؤوليته في تطويق عملية التشكيل وتهشيل الرؤساء المكلفين والوسطاء العاملين على خط تذليل العقد، وآخرهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي سمع رسالة واضحة من الرئيس ميشال عون أمس تهمّش مهمته وتقلل من أهميتها إلى مستوىات دنيا لا تتجاوز حدّ “العمل التطوّعي”.
وجديد “خزعبلات” التعطيل والتنكيل بالآليات الدستورية لعملية تشكيل الحكومات، نجح العهد وتياره في استدراج الرئيس المكلف نجيب ميقاتي للزجّ بصهر شقيقه طه، في حلبة المفاوضات الحكومية، ليصبح مصير التشكيلة الوزارية وإنقاذ اللبنانيين معقوداً على ما ستفضي إليه مشاورات “الصهرين” جبران باسيل ومصطفى الصلح، في مشهدية هزلية لم يسبق لتاريخ لبنان أن سجل مثيلاً لها… في وقت بدأت تتعالى أصوات الهمس في الأروقة الديبلوماسية عن “رسائل ابتزاز” متواترة إلى بعض العواصم الدولية تضع على الطاولة “مقايضة” محتملة تربط بشكل غير مباشر بين “رفع الفيتو العوني عن التشكيل ورفع العقوبات عن باسيل”.
ونقلت مصادر واسعة الاطلاع أنّ ملف رفع العقوبات الأميركية عن رئيس “التيار الوطني” يتقدم على سلم أولويات العهد الذي لن يدخر وسيلة في آخر ولايته لمحاولة مقايضته بأي ملف آخر مع الأميركيين، مذكرةً بمحاولة عون وباسيل إجراء هكذا مقايضة في ملف الترسيم الحدودي مع إسرائيل لكن سرعان ما باءت بالفشل، واليوم لن يترددا في استخدام ورقة التأليف لتحقيق هذه الغاية عبر استثمار عامل الخوف الدولي وتعاظم الهواجس الغربية من تفكك الدولة اللبنانية وتحلل المؤسسات الشرعية تحت وطأة استمرار الفراغ الحكومي.
أما في المستجدات اليومية لمشهد التأليف، فلم تسجل خلال الساعات الأخيرة أي تطورات إيجابية جدية تشي بقرب ولادة الحكومة، بل إنّ مصادر مواكبة للاتصالات الحكومية رأت في إدخال ميقاتي صهر شقيقه على خط المفاوضات “تسليماً بدور باسيل في تشكيل الحكومة من شأنه أن يكرس قبضته أكثر على مفاتيح التأليف”، لا سيما وأنّ الوسطاء العاملين على خط هذه الاتصالات لاحظوا في الآونة الأخيرة “تصدر باسيل علناً المشهد واستلامه بشكل مباشر زمام المفاوضات بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن رئيس الجمهورية”، كاشفةً أنّه عقد سلسلة لقاءات مع مرشحين للتوزير ومن بينهم القاضي بسام المولوي المطروح لتولي حقيبة الداخلية.
وعلى شريط المعطيات المتوافرة حول الحلول المطروحة لعقدة وزارة الاقتصاد، برز طرح يقضي بأن يسمي عون وزيراً سنياً لهذه الحقيبة على ان يسمي ميقاتي اسماً مسيحياً لحقيبة السياحة، لكن الطرح سرعان ما سقط خصوصاً وأنّ ميقاتي اقترح اسماً رفضه عون والأخير اقترح اسماً لم يقبل صاحبه تولي المهمة. في حين لا تزال عقدة تسمية الوزيرين المسيحيين الإضافيين على حالها، فضلاً عن استمرار معضلة رفض باسيل منح الثقة لحكومة ميقاتي رغم حيازته حصة وزارية فيها، على أساس أنها حصة محسوبة على رئيس الجمهورية مقابل تصوير كتلته النيابية في صورة الكتلة المعارضة للحكومة طمعاً باستثمار هذا العامل شعبوياً في الشارع المسيحي.
في محصلة المشهد، ورغم أنّ مختلف المعلومات والأجواء تتقاطع عند تأكيد المراوحة والتأزم في عملية التأليف من دون أن تلوح بعد أي انفراجة قريبة في الأفق، غير أنّ الأوساط المقربة من دوائر الرئاسة الأولى لا تزال تضخ نفحات تفاؤلية في فضاء الملف الحكومي مؤكدةً بخلاف كل التصريحات والتسريبات التي تحدثت عن وصول المفاوضات إلى حائط مسدود أنّ “الأمور باتت محصورة بعقدة وحيدة وهي اختيار اسم من يتولى وزارة الاقتصاد”، وأعربت عن ثقتها أنه “وبمجرد حل هذه العقدة سيتم تحديد موعد للرئيس المكلف لزيارة بعبدا تمهيداً لاستدعاء رئيس المجلس النيابي وإصدار مراسيم التأليف”.
وكشفت الأوساط نفسها أنّ “تواصلاً مباشراً” حصل بين الرئيسين عون وميقاتي في الساعات الـ48 الأخيرة أعاد تكريس ما هو متفق عليه وجرى التفاهم على آلية سريعة لحسم ما تبقى من عقد”، ناقلةً أنهما “يستشعران حجم الضغط الإيجابي الذي يريد تشكيل الحكومة والسلبي الذي لا يريدها أن تتشكل وهما يصران في المقابل على إنجاز التشكيلة الحكومية في أقرب وقت”.
تزامناً، وضع اجتماع الأردن أمس بين وزراء الطاقة اللبناني والأردني والمصري والسوري، عملية استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان “على سكة التنفيذ” وفق ما نقل خبراء تقنيون واكبوا نتائج الاجتماع، بحيث رسم المجتمعون خريطة طريق عملية ولوجستية ومالية مقرونة بجدول زمني محدد لإتمام هذه العملية، على أن يتولى البنك الدولي تمويل الاتفاقية التي ستبرم بين الدول الأربع، بشكل سيلحظ من خلاله دفع ثمن الغاز لمصر، وتسديد البدل المالي للأردن وسوريا لقاء عبوره من أراضيهما باتجاه لبنان.