على وقع الانهيارات الاقتصادية المتواصلة، والحلول الترقيعية غير المنتجة وآخرها اطلاق البطاقة التمويلية المشكوك باهدافها ونتائجها، بات الحديث عن قرب تشكيل الحكومة ضربا من «الخيال» او «الجنون» في بلد منهار باتت ولادة الحكومة فيه انجاز، الاتكال يبقى معلقا على حوار»الصهرين» الذي لم يترجم بعد على ارض الواقع، لكن كل يوم يتم ضخ معلومات ذات اهداف مغرضة عن تقدم حكومي، وتذليل للعقبات فيما لا تزال المناورات هي سيدة الموقف، فدخول قنصل لبنان الفخري في موناكو مصطفى الصلح، صهر طه ميقاتي، على خط التفاوض مع الوزير جبران باسيل، بعد سقوط «مراسلات» القصر الجمهوري عبر محمد شقير، والمهمة التطوعية للواء عباس ابراهيم، لم يثمر حتى ليل امس حل لمعضلة الوزيرين الـ 11 والـ 12 في الحكومة، وكذلك اسم وزير الاقتصاد بعد سقوط مناورة ميقاتي في طرح اسم النائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري، ولان الموعد المضروب اليوم لحدوث الانفراجة الحكومية مجرد «فقاعات صابون» حتى الان، اعاد رئيس مجلس النواب نبيه بري تحريك محركاته تجاه رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، في محاولة لاعادة تفعيل عمل الحكومة المستقيلة، وذلك في سياق ضغط واضح على عملية التشكيل.
موفد بري عند دياب؟
فبعد وصوله الى مرحلة «اليأس» من امكانية حصول انفراجة الا بمعجزة، علمت «الديار» ان رئيس مجلس النواب نبيه بري اعاد فتح قنوات الاتصال مع رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب بعد فترة طويلة من الانقطاع والجفاء بعدما ساهم على نحو مباشر في تطيير الحكومة عقب تفجير المرفا وارتكاب دياب «فول» المطالبة باجراء انتخابات نيابية مبكرة.
وفي هذا الاطار، زار النائب علي حسن خليل، مكلفا من بري، السراي الحكومي يوم امس، بعيدا عن الاعلام، واجتمع مع دياب لنحو ساعتين حيث جرى البحث بكل ما اعترى العلاقة من «طلعات» و «نزلات»، ونقل خليل «رسالة» واضحة من رئيس المجلس النيابي حيال ضرورة اعادة وصل ما انقطع لمواكبة المرحلة المقبلة.
«يأس» بري
ووفقا لاوساط سياسية مطلعة، لم يعد بري مقتنعا بقدرة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي على تشكيل الحكومة في وقت قريب، ولهذا «يئس» من الانتظار وقرر التحرك نحو دياب في محاولة «لانعاش» حكومة تصريف الاعمال من خلال تفعيل العمل الحكومي لادارة الانهيار في البلاد، بعدما وصلت الامور الى مرحلة شديدة الخطورة اقتصاديا وامنيا.
ووفقا للمعلومات، لم يبد دياب حماسة كبيرة لفكرة توسيع مهمات حكومته، لمعرفته المسبقة بالصراع السياسي الكبير الدائر بين بعبدا وعين التينة، رافضا ان يكون «اداة» في المواجهة، لكنه ترك «الباب» مواربا، وطلب مزيدا من الوقت لاجراء نقاشات مستفيضة حول الطرح، مع العلم انه اوحى بعدم رغبته باتخاذ اي قرار يتعارض مع مرجعية الطائفة «ونادي» رؤساء الحكومة السابقين.
اجواء ايجابية «مفتعلة»؟
وفي الاطار الحكومي، اكدت اوساط مقربة من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ان ضخ المعلومات الايجابية حول الحكومة، باتت مفضوحة ومثيرة «للسخرية»، وتجاوزت الحدود المقبولة للمناورات السياسية، بعدما اتضح وجود «جوقة» من الاعلاميين والسياسيين المرتبطين بمجموعة من «السماسرة» الذين يعملون في «السوق السوداء»، وهم يروجون «الخبريات» «غب الطلب» لمصالح مالية ترتبط «بالسوق السوداء»، وقد جرى خلال الساعات القليلة الماضية تحرك جدي تجاه النائب العام التمييزي غسان عويدات لاخذ الاجراءات القانونية المناسبة بحق هؤلاء من خلال استدعائهم للتحقيق وكشف حقيقة «اللعبة» التي يديرونها لصالح «مافيات» تضارب بالعملة الوطنية وتسبب الضرر بالاقتصاد الوطني. ووفقا لتلك المصادر، لا جديد حكوميا، والا كان الرئيس المكلف طلب موعدا لزيارة بعبدا، وهو لن يقوم بذلك دون حصول تقدم جدي هذه المرة.
لا للاعتذار!
وفي سياق متصل، لفتت مصادر نيابية بارزة الى انها سمعت كلاما لافتا من الرئيس المكلف حيال اصراره على الاستمرار بمهمته كرئيس مكلف، مهما طالت عملية «التفاوض»، وفوجئت بعدم رغبته بالاعتذار، كما كان يلوح سابقا، واشارت الى انه بات اكثر تشددا حيال هذه المسألة لجهة رفضه ان يحرجه احد لاخراجه، ونقلت عنه كلاما تسمعه لاول مرة حول خروجه ورئيس الجمهورية سويا من المسؤولية بعد نحو عام، اذا لم تفكك العقد المزروعة من «طريق» التاليف، وهو موقف يحمل دلالات خطيرة لجهة التشكيك في حصول انتخابات نيابية في موعدها، وكذلك الانتخابات الرئاسية؟!
ابعد من «الثلث»
ووفقا لزوار ميقاتي، فان الاخير بات مقتنعا ان الازمة ابعد من «ثلث معطل» وهي ترتبط بمحاولة رئيس «تكتل لبنان القوي» الذي يدير المفاوضات فعليا من وراء «الكواليس» مقايضة الاميركيين بالافراج عن التشكيلة الوزارية مقابل وعد برفع العقوبات المفروضة عليه من قبل الكونغرس، ما يبقي على حظوظه الرئاسية قائمة.
وفي هذا السياق، يرفض ميقاتي ان يخوض معارك الاخرين من «كيسه» وليس في وارد تقديم خدمات مجانية «لخصومه» ولهذا قرر ان لا يفرط «بورقة التكليف» وسيرمي «الكرة» في ملعب الرئاسة الاولى كي تتحمل مسؤولياتها في مواجهة الضغوط الاوروبية والاميركية.
«وفاة» او «معجزة»؟
ومن هنا يمكن القول ان «وساطة» المدير العام للامن العام اللواء عباس إبراهيم وصلت الى حائط مسدود، وفي الساعات والايام القليلة المقبلة يبقى الرهان على حوار «الصهرين» قبل الاعلان عن «وفاة» الوساطة بين الصلح وباسيل او حصول المعجزة؟!
عقم الضغوط الخارجية
وتعقيبا على هذه التطورات، ترى مصادر سياسية بارزة ان جميع الاطراف الداخلية تستفيد من عقم الضغوط الخارجية لتحصين موقفها داخليا على مشارف استحقاقات مصيرية بالنسبة للقوى السياسية التي تضررت بمعظمها شعبيا، وبغياب اي حضور سعودي وخليجي مع استمرار ادارة «الظهر» للملف اللبناني، وضعف فرنسا غير القادرة على فرض اجندتها، وبرودة الموقف الاميركي الساعي لابقاء البلاد في غرفة العناية المركزة مع التمسك بعدم اختناقه، لا يبدو احد مستعجل لتشكيل الحكومة وتحمل تبعات سياسية تبدو «قاتلة» في هذه المرحلة، بينما لا يرغب الطرف الاقوى داخليا، حزب الله، بممارسة اي ضغوط على حليفه رئيس الجمهورية ميشال عون لانه يدرك حراجة موقفه وموقف تياره السياسي، وكذلك يتجنب اي صدام مع الطرف السني المتمثل برئيس الحكومة المكلف الذي يمثل «نادي» رؤساء الحكومة السابقين، ولهذا كله، اذا لم تتبلور صيغة تفاهم اقليمي – دولي تنعكس بصورة مباشرة على الملف اللبناني ستبقى الامور في «حلقة مفرغة»، لان كل الاطراف السياسية تخوض معركة وجود ولا ترغب في خسارة اوراقها في حكومة قد تكون الممثل الشرعي الوحدي للمؤسسات اللبنانية اذا ما حصل الفراغ الرئاسي والمجلسي.
«المناورات» مستمرة
وبينما اكدت مصادر الرئيس ميقاتي، أنه لا جديد حتى مساء امس، تواصلت المناورات الحكومية بين بعبدا «والبلاتينيوم» حيث لم ينجح التواصل غير المباشر على الاتفاق على الاسم السني الذي سيتولى حقيبة الاقتصاد وكذلك اسمي الوزيرين المسيحيين، وفي طرح «استفزازي» قدم كي يرفض، طرح ميقاتي اسم محمد بعاصيري، لتولي حقيبة الاقتصاد لكن الرفض جاء سريعا من بعبدا، كون الرجل احد المسؤولين عن السياسات المالية في المصرف المركزي ابان توليه منصب نائب الحاكم، واذا كان الرئيس عون لم «يهضم» بعد مرشح الرئيس بري لوزراة المال يوسف خليل، فانه قطع الطريق سريعا على الترشيح الجديد… في المقابل ثمة مصادر مطلعة تعول على زخم جديد في الاتصالات يفترض ان تقوم به جهات داخلية بزخم خارجي اليوم، ربما تؤدي الى النتيجة المرجوة؟
«التيار» يخشى افخاخ بري؟
من جهتها تشير اوساط التيار الوطني الحر الى انها لا تعرف لماذا لم تشكل الحكومة حتى الان، مجددة رفض الاتهامات للوزير باسيل بالعرقلة، مشددة على ان الثلث المعطل تهمة في غير مكانها، مع العلم انها محقة سياسيا، لفريق الرئيس الذي يمثل مصالح المسيحيين، لكن ثمة «قطبة» مخفية لدى ميقاتي الذي يستولد كل يوم عقدة جديدة”
اما عن خيارات «التيار» المستقبلية، فثمة توجس من قبل تكتل لبنان القوي من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ينصب «الافخاخ» لفريق مسيحي وازن، وبحسب تلك الاوساط، تراجعت احتمالات الاستقالة من المجلس النيابي دون ان تلغى من الحسابات، لكن ثمة مخاوف جدية من استغلال خطوة مماثلة من قبل رئيس المجلس لتعديل قانون الانتخابات بمن «حضر» وادخال البلاد في اتون دوامة خطيرة سياسية لكنها دستورية، ولهذا فان خيار الاعتكاف أو تقصير ولاية المجلس يتقدمان على غيرهما اذا لم تشكل الحكومة.
حزب الله يحذر
وفي موقف لافت، اعتبر حزب الله عبر كتلة الوفاء للمقاومة أن إبقاء لبنان من دون حكومة فاعلة وناشطة هو هدر موصوف لمصالح البلاد واللبنانيين وتضييع مؤسف لفرص إنقاذية وإنمائية، وإفراط لدى الأفرقاء المعنيين مباشرة بالتأليف في توهم القدرة لاحقا على استدراك ما فات، من خلال التحكم بدفة إدارة الاستحقاقات الدستورية المقبلة. وتابعت: الكتلة لا تزال تؤكد موقفها الداعي إلى وجوب تشكيل حكومة تدير شؤون البلاد لأن المصلحة الوطنية باتت متوقفة على ذلك. وكل ما عدا هذا الاتجاه لا يصب في خير لبنان ولا يأتي بالخير لأبنائه.
اطلاق «التمويلية» نظريا؟
في غضون ذلك، وبعد طول «مراوغة» تم اطلاق البطاقة التمويلية «نظريا» بالامس، وسط شكوك في خلفياتها السياسية، في غياب اي ضمانات بعدم استثمارها انتخابيا، فقد أطلق وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة رمزي المشرفية ووزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة البطاقة، واشار مشرفية الى ان البطاقة التمويلية ليست بطاقة انتخابية ولن يكون هناك أي استنسابية وسيتمّ دفع البطاقة بالدولار الأميركي أو ما يعادله بالليرة اللبنانية في السوق الموازي وأعلن أن «مهلة تقديم الطلبات من 15 أيلول إلى 15 تشرين الأول كما هناك إمكانية لرفع المبلغ ضمن البطاقة التمويلية». ووفقا لنعمة فان البطاقة هي لدعم الأسر التي تحتاج بالفعل للدّعم على قاعدة 25 دولاراً لكلّ شخص والحدّ الأقصى لكلّ عائلة 126 دولاراً».
تجدر الاشارة الى ان رب الاسرى، هو من يملأ الاستمارة ويضع معلومات عن كلّ أفراد الأسرة والطّلب يُقدّم إمّا عبر الانترنت أو عبر مراكز الوزارة أو عبر منظمات غير حكومية». كما يمكن الاتصال على الرقم الساخن 1747 لأي مساعدة في عملية التسجيل، وكل العائلات بإمكانها التسجيل في البرنامج من دون استثناء. ويبقى السؤال من اين سيتم تامين 565 مليون دولار، حتى الان لا جواب واضح؟ والمهم هل سيقتنع البنك الدولي بها بشفافيتها؟
«رشوة» السحوبات المالية
في هذا الوقت، وفي محاولة «لرشوة» المواطنين لامتصاص غضبهم على الغلاء، تم ترحيل حسم السحوبات بالليرة على 3900 الى نهاية ايلول في غياب اي تصور لدى مصرف لبنان حول التعديل المطلوب، والذي سيؤدي في حال تعديله الى تضخم كبير، وانهيار في سعر صرف الليرة، فبغياب جمعية المصارف، عقدت لجنة المال والموازنة النيابية جلسة، للبحث في تحديد سعر الصرف للسحوبات الشهرية في حضور وزير المال ومصرف لبنان وممثلين عن جمعيتي رابطة المودعين وصرخة المودعين. وقال رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان بعد الجلسة ان مصرف لبنان طلب مهلة اضافية لتقديم الارقام والتاثير الفعلي لرفع سعر الصرف.
«سلبية» اميركية تجاه دمشق
في هذا الوقت، وفيما انطلقت الإجراءات الفنية والتقنية لاستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الاردن، اطلقت الولايات المتحدة اشارات سلبية تجاه اعادة «تأهيل» العلاقات السورية مع محيطها العربي، ما يطرح علامات استفهام حيال استمرار الاندفاعة السورية حيال المشروع الذي قد لا يمر دون اثمان سياسية، ووفقا لاوساط دبلوماسية، لم تتلق القاهرة وعمان بعد «ضوءا اخضر» لاستئناف الاتصالات والتواصل مع الحكومة السورية على نحو واسع وطالبت منهما انتظار الترتيبات في المنطقة، وذلك بعدما تحدث المصريون مع الاميركيين عن ضرورة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، لكن طلب منهم التريث!.
هل يتاثر توريد الطاقة ؟
وفيما يتعلق بالشق الفني، يحتاج توريد الكهرباء إلى لبنان عبر الأردن إلى موارد مالية ويواجه تعقيدات فنية، وبحسب مصادر مطلعة، تعهد الجانب الأردني بإجراء الاتصالات الدولية اللازمة لتجاوز هذه التعقيدات، خصوصا ان هذا الشق يلقى دعم الولايات المتحدة خصوصا ان تزويد لبنان بالطاقة يساعد على مواجهة «التمدد» الايراني في لبنان ويمنع حزب الله من لعب دور «المنقذ»، لكن دمشق طالبت في هذا السياق رفع بعض جوانب بنود قانون «قيصر» للسماح لدمشق بصيانة خطوط استقبال الكهرباء المتضررة في اراضيها.