عند مشارف عطلة نهاية الأسبوع الحالي، ارتسمت معالم مقلقة للغاية حيال المرحلة الطالعة التي سيواجه فيها ال#لبنانيون، باللحم العاري، استحقاقات أشدّ قسوة مما يعانون منه في يومياتهم من أزمات متداخلة وكثيفة تحوّل معها لبنان إلى أحد أسوأ التجارب التاريخية في انهيارات الدول في ظل النظم المعيشية والحياتية والصحية التي يرزح تحتها اللبنانيون.
أما في ملف الأزمة الحكومية، فبرزت المفارقة الغريبة في أن الأسبوع الذي علقت عليه الآمال العريضة وجرى التبشير الكثيف من جانب جهات معينة بأنه سيشهد في بداياته الولادة الحكومية التي طال انتظارها، تحول في نهايته إلى الأسبوع الأكثر اثارة للغموض حيال احتمالات ولادة الحكومة بعدما اغرقت لعبة إشاعة الإيجابيات المواطنين في الشكوك في وقت كان يجري فيه اسقاط المحاولة تلو المحاولة، والوساطة تلو الوساطة، على يد فريق العهد ورئيس تياره النائب جبران باسيل.
والواقع ان اليومين الأخيرين شهدا انكشافاً كبيراً لهذا الدوران المفتعل في اللعبة الدعائية التي مارسها فريق العهد و”التيار الوطني الحر” برئاسة باسيل لحشر الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ومن يؤيده في خانة التسليم بالثلث المعطل لفريق العهد في الحكومة، والا الاستمرار في اختلاق الذرائع ورمي تبعة المراوحة في مرمى الرئيس المكلف وداعميه. ولم تسقط او تجمد هذه الدوامة وساطة المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم وحده، بل بدا ان الوساطة الأخرى الاحدث للقنصل مصطفى الصلح، قد واجهت بدورها المشقات في ظل عدم التوصل إلى حل ثابت يقبل به العهد لتعيين مرشح ميقاتي لوزارة الاقتصاد كما لتعيين الوزيرين المسيحيين من خارج حصة عون والآخرين.
ولكن المشهد انقلب بعد ظهر أمس وأفادت معلومات “النهار” ان جهوداً وصفت بانها جدية للغاية قد بذلت خصوصا في ساعات بعد الظهر والمساء، وان تحفظت المصادر المعنية عن إيضاح طبيعة الطروحات التي تناولتها لتذليل التباينات بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي ومن تولى نقلها بينهما. وبدت المصادر المعنية شديدة الحذر حيال أي توقعات مسبقة حول هذه الجهود في انتظار بلورة نتائجها. وقد حصل حراك مكثف لكن نتائجه لم تجزم ما إذا كانت الحكومة ستولد في الساعات الطالعة. وعلم ان جانباً من الاتصالات بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف كانت أمس مباشرة واعقبتها “موجة إيجابيات” تنتظر ترجمة عملية مع حذر شديد من الافراط بالتوقعات.
وإذا كانت زيارة ميقاتي إلى قصر بعبدا مرتقبة أمس، الا انه لم يكن طلب بعد موعدا للزيارة اليوم، ولو ان ذلك يمكن ان يكون حصل ليلا. وفهم من اجواء الرئيسين عون وميقاتي ان لا شيء يمنع من ان يكون للبنان حكومة اليوم قبل الغد لاسيما وان التقدم تجاوز الـ90 في المئة ولكن يبدو ان المشكلة لا تزال في الامتار الاخيرة التي تحدث عنها ميقاتي منذ اسبوعين في بعبدا.
أسماء وحقائب
وتفيد المعلومات ان تسوية حصلت باختيار اسم سني لوزارة الاقتصاد هو جمال جميل كبي. ولكن يبدو مؤكداً انه قبل ان يتأكد الجميع من عدم وجود ثلث معطل لا ضمني ولا علني فلن تكون هناك حكومة. ويبقى المؤشر النهائي للاتجاه الحاسم في رصد موعد زيارة ميقاتي لقصر بعبدا، علما ان اوساطاً أخرى سربت عدم استبعاد تشكيل الحكومة اليوم. وتحدثت هذه المعلومات عن تبادل حصل بين الرئيس المكلف والنائب جبران باسيل الذي يتولى مباشرة التفاوض باسم العهد وتياره في توزيع اسمين لوزيرين بحيث يكون وزير سني من حصة العهد وتياره ووزير مسيحي من حصة ميقاتي، كما جرى الحديث عن اقناع “حزب الله” لباسيل بان تصوت “كتلة لبنان القوي” للثقة بالحكومة الجديدة. وتردد انه إلى جانب اسم جمال كبي للاقتصاد طرح اسمان للوزيرين المسيحيين المختلف عليهما، هما أنطوان سرياني لحقيبة المهجرين والعميد السابق لكلية الاعلام جورج كلاس لحقيبة الاعلام، على ان يتولى جورج قرداحي حقيبة السياحة. اما حقيبة الشؤون الاجتماعية فاتفق على إسنادها إلى القاضي رفول البستاني. وعلم ان وزارة العدل طرح لها اسم القاضي سامي صادر.
واللافت في هذا السباق الشديد التناقض، انه إلى جانب إشاعة التسريبات المتفائلة، بدأ في المقابل رسم السيناريوات تحسباً لإخفاق كل الجهود وسط مخاوف جدية هذه المرة من تحول الازمة الحكومية إلى ازمة حكم اشد خطورة، اذ لم يعد خافياً ان احتمال اعتكاف او اعتذار الرئيس ميقاتي، سيفجّر صراعاً حاداً بين العهد والمكون الطائفي لرئاسة الحكومة في ظل اتساع الاتجاهات والدعوات إلى مواجهة امعان العهد في اسقاط الرؤساء المكلفين بقرار جماعي بالامتناع عن ترشيح رئيس حكومة جديد تعاد معه دوامة التعطيل. وتخشى أوساط على بيّنة من النقاشات الدائرة في كواليس أزمة التأليف من انه في حال عدم تشكيل الحكومة قد تنزلق البلاد قريباً إلى فوضى عارمة في ظل الاجراء الحتمي المنتظر ل#رفع الدعم عن المحروقات فيما يمكن في حال ولادتها او قبل اتخاذ القرار الحاسم “الجراحي” برفع الدعم ان تشكل صدمة إيجابية ولو بحدود نسبية بما يخفف وطأة هذا الاجراء الموجع الذي ستكون له تداعيات ثقيلة واسعة بطبيعة الحال.
البطاقة والشكوك
وسط هذه الأجواء، وفيما الملفات المعيشية ضاغطة وأشدها تفاقماً شح المحروقات الذي يتفجر اشكالات امام المحطات في مختلف المناطق، والغلاء الفاحش وعودة الدولار إلى التحليق، تم أمس الإعلان عن إطلاق البطاقة التمويلية “نظريا” وسط شكوك عميقة في امكان تنفيذها أولا نظرا إلى ازمة التمويل كما تناول التشكيك القدرة الحقيقية على توزيعها بعدالة على المستحقين. وبدا واضحاً ان الاطلاق النظري للبطاقة يهدف إلى استباق رفع الدعم على المحروقات. وأطلق وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة رمزي المشرفية ووزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة البطاقة، في مؤتمر صحافي مشترك فأشار المشرفية إلى أننا “وضعنا تصورًا أوليًا لترشيد الدعم في الحكومة في 21 كانون الأول 2020. والبطاقة التمويلية ليست بطاقة انتخابية ولن يكون هناك أي استنسابية وسيتمّ دفع البطاقة بالدولار الأميركي أو ما يعادله بالليرة اللبنانية في السوق الموازي وأعلن أن “مهلة تقديم الطلبات من 15 أيلول إلى 15 تشرين الأول كما هناك إمكانية لرفع المبلغ ضمن البطاقة التمويلية”. بدوره، أكد نعمة أن “كل خطوة نقوم بها هي بالتعاون مع البنك الدولي وبإشراف التفتيش المركزي لأننا نريد أن نبرهن للمواطنين أننا نعمل لأجلهم ولا نقوم بإطلاق البطاقة التمويلية على أساس أنها بطاقة انتخابية”. واوضح: “نُريد دعم الأسر التي تحتاج بالفعل للدّعم على قاعدة “من الغني” وليس “من الفقير”وسنعطي 25 دولاراً لكلّ شخص والحدّ الأقصى لكلّ عائلة 126 دولاراً”. وأشار إلى أننا “سنُبلّغ ربّ الأسرة عند الموافقة على طلبه عبر الرسائل القصيرة على الهواتف وسوف نقوم بزيارات منزليّة للتأكّد من بعض المعلومات بالرغم من عدم القدرة على زيارة كافّة الأسر لكننا سنحاول زيارة أكبر عدد ممكن. هدفنا استثناء الميسورين وسنطلب معلومات منها أرقام الهويات وجوازات السّفر وحسابات المصارف في حال وجودها وسنتحقق من كلّ المعلومات”.
إلى ذلك، شرعت لجنة المال والموازنة النيابية أمس في البحث في تحديد سعر صرف الدولار للسحوبات الشهرية. وأعلن رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان “الحرص دستورياً على حقوق المودعين وحضر مصرف لبنان الجلسة وطلب مهلة إضافية لتقديم الأرقام والتأثير الفعلي لرفع سعر الصرف”. واوضح “نحن ندفع في اتجاه إعادة النظر في تعاميم مصرف لبنان لتندرج ضمن إطار خطة ورؤية وجدول زمني وننتهي من أسعار الصرف المتعددة في البلد”. واشار إلى ان “قبل نهاية أيلول يجب أن يكون لدى المجلس النيابي تصور عمّا سيفعله مصرف لبنان على صعيد سعر الصرف بما يسمح باعطاء المودعين المزيد من حقوقهم”.