لا ثقة بحكومة نجيب ميقاتي، ممثلة مصالح المنظومة التي هندست انهيار البلد وتحميل المجتمع فيه أعباء الكارثة. العنوان يُقرأ من رئيسها، وهويات الوزراء الذين سيلعبون دوراً رئيسياً في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ووضع خطّة «الإصلاح المالي». شخصيات تُمثّل مصالح مصرف لبنان والمصارف والمؤسسات المالية العالمية… والولايات المتحدة الأميركية. خطّة وقف الانهيار لن تضعها هذه الحكومة. إنّها مرحلة جديدة من الانهيار، تُفتتح قبل أيام من رفع الدعم نهائياً
إذا كان تأليف الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي انعكاساً لاستمرار سلطة «القوي» واستغلاله الطبقات الشعبية لتمتين نفوذه السياسي – الاقتصادي، فتنعم فئة قليلة جدّاً من المُنتفعين، فإنّ الأكيد أنّ التشكيلة الوزارية تُعبّر عن كلّ ما يتعارض مع مصلحة اللبنانيين لإنهاء الانهيار الاقتصادي – المالي – النقدي المستمر منذ سنتين. فبين وزراء يتبنّون علناً سياسات الولايات المتحدة الأميركية، ويأتون مُسبقاً بمواقف ترفض التعاون الاقتصادي مع دولٍ أخرى، ملتزمين أفكار المؤسسات الدولية المالية والدفاع عن مصالح المنظومة القائمة… فهذا يعني أنّه لا أمل ولا ثقة تُستشفّ منهم. صحيح أنّ الوجهة واضحة منذ لحظة تكليف ميقاتي، أحد أعضاء النواة الصلبة لهذه المنظومة، ولكنّ المسألة اتّخذت شكلاً أكثر فظاظة مع إعلان الأسماء. انطلاقاً من هنا، يُمكن تحديد بيان الطوارئ الذي يجب أن تحكم الحكومة وفقه. لا ثقة بالحكومة التي يترأسها نجيب ميقاتي إلّا إذا اتّخذت موقفاً ببناء دولةٍ مجتمعية تؤمّن عدالة الفرص لجميع السكّان وتوفّر لهم الخدمات الأساسية. عنوان الحلّ سياسي وليس تقنياً، أساسه الإجابة عن سؤال: عن مصالح مَن سيُدافع مجلس الوزراء الجديد؟ مصالح القطاع المصرفي والمالي وجميع المحظيين والمُنتفعين منه، الذين يُريدون تحميل نتائج خسائر البنوك لعامة السكّان؟ أم مصالح الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي سُرقت ودائعها وفقدت رواتبها قيمتها وانهارت قدراتها الشرائية وحُرمت من الحصول على البنزين والمازوت والدواء والاستشفاء والسكن…؟
يُفترض أن لا تحكم الحكومة الجديدة أكثر من 8 أشهر، تسبق إجراء الانتخابات النيابية، إذا نُظّمت. المدّة قصيرة ولكنّها كافية لأن يتّخذ مجلس الوزراء إجراءات سريعة وفعّالة، يُمكنها أن تُشكّل أرضية للحلّ المستدام.
الخطوة الأساسية لمعالجة الأزمة هي الاعتراف بحصولها وبتحديد الخسائر المُترتبة عنها وكيفية توزيعها، أي وضع خطّة إصلاح مالي. هدف الخطة هو إظهار الخسائر في مصرف لبنان والمصارف؛ إعادة هيكلة المصارف بطريقة تُمكّنها من ممارسة دورها في الاقتصاد والعودة للقيام بوظيفتها «الطبيعية» وأهمها تفعيل الإقراض ولا سيما للقطاعات الإنتاجية؛ إعادة هيكلة الدين العام حتى لا تبقى استدامته عبئاً على كلّ الأجيال المستقبلية؛ تحديد الرؤية الاقتصادية للدولة وعلى أساسها يتمّ اعتماد نظام سعر صرف جديد لإنهاء «عجيبة» تعدّد أسعار الصرف وجريمة الاستمرار في تثبيت الليرة على السعر الوهمي 1507.5 ليرة/ دولار. الحكومة الجديدة ليست بحاجة إلى تشكيل لجانٍ عدّة وتعيين المستشارين للبحث في «خطّة الإنقاذ المالي»، ولا لإضاعة الوقت على عشرات الجلسات الوزارية، فالخطّة التي وضعتها حكومة الرئيس حسّان دياب موجودة، ويمكن اعتمادها كأساس لانطلاق خطة إنقاذ مالي – اقتصادي، بعد تعديل أرقام الخسائر والسياسات بما يتناسب مع التغييرات التي طرأت على مدى السنتين الماضيتين، وليس بما يتناسب مع مصالح «حزب المصرف». يعني ذلك وجوب إطلاق التدقيق الجنائي في حسابات البنك المركزي والمصارف، وعزل رياض سلامة من منصبه ومحاكمته كمُشتبه باختلاس وتبييض أموال واستغلال وظيفي.
في مقابلة مع تلفزيون «الشرق» السعودي، قال ميقاتي أمس إنّه سيسعى لبدء المفاوضات مع صندوق النقد. تظنّ المنظومة الحاكمة أنّها «أذكى» من مؤسسات الاستعمار المالي، وتستطيع أن ترفض «إملاءاته»، وفي الوقت نفسه تحصل منه على قرضٍ يتراوح ما بين الـ4 والـ8 مليارات دولار كحدّ أقصى. الدولارات التي تبغاها الحكومة من صندوق النقد، هي قادرة على تأمين أكثر منها لو عَقدت العزم على العمل وفق خطة منطقية ومفيدة للسكان على المدى الطويل. تستطيع الحكومة أن تُجبر المصارف على إعادة الأرباح التي جنتها من الهندسات المالية التي نفّذها لها حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة منذ عام 2015. أكثر من 6.5 مليار دولار هي الأرباح التي جنتها المصارف عام 2016 وحدها جرّاء الهندسات، استعادتها بالتوازي مع تطبيق التعميم 154 الصادر عن «المركزي» ويطلب فيه من المصارف إعادة 30 في المئة من مجموع الدولارات التي حوّلها إلى الخارج أصحابها وكبار المساهمين والمدراء العامون والأشخاص المُعرضون سياسياً، واستعادة الدولارات الناتجة من الفوائد الخيالية على الودائع بالعملات الأجنبية، يُجنّب لبنان الخضوع لوصاية صندوق النقد وتقديم تنازلات سيادية ويؤمّن العملة الصعبة.
إدخال الدولارات إلى لبنان وكسر دوّامة «تهريبها»، يتم أيضاً من خلال تعزيز الإنتاج الوطني: زراعياً، صناعياً، تكنولوجياً، خدماتياً وحمايته. الحماية تعني إعادة دراسة سياسة الاستيراد من أصلها، لجهة المسموح والممنوع والرسوم الجمركية التي ينبغي أن يكون هدفها تطوير الإنتاج المحلي، وزيادة النمو. هذا الإجراء، يؤمّن إذا ما ترافق مع إقرار قانون المنافسة العامة، تفكيك سلطة الاحتكارات والكارتيلات، ومنع استبدادها بأمن السكّان الغذائي والطاقوي والصحّي والحياتي. النقطة المحورية أيضاً، ومن البنود الرئيسية على طاولة الحكومة، تصحيح النظام الضريبي، وجعله أقل ظلماً، عبر زيادته تصاعدياً على الدخل الموحد للأسر.
تحت هذه الإجراءات الأساسية اقتصادياً، وذات الانعكاسات الكبيرة اجتماعياً، يتفرّع العديد من العناوين وليست بحاجةٍ سوى إلى قرارٍ لتُنفّذ. أمام أزمة المحروقات التي يُعاني منها لبنان، واستمرار رياض سلامة في خنق المجتمع عبر تقنين الاعتمادات التي يفتحها لاستيراد البنزين والمازوت، يجب إطلاق خطة نقل عام لتخفيف الاعتماد على السيارات، بالتالي تخفيض استهلاك البنزين. تأهيل وزيادة إنتاج مؤسسة كهرباء لبنان، والبحث عن عقد اتفاقات من دولة لدولة جديدة لتأمين الطاقة، أمران ضروريان لتخفيف الاعتماد على المولدات الخاصة والفاتورة المرتبطة بها. وقد سلّطت الأزمة الضوء على أهمية الانتقال لاعتماد وسائل الطاقة البديلة، الشمسية مثلاً، فيتم ذلك بناءً على خطة وطنية بالتعاون مع البلديات. ولا يكتمل حلّ للأزمة من دون إنهاء سلطة «كارتيل الدواء» على وزارة الصحة والمؤسسات العامة، وفرضه الشروط التي تُناسبه لجهة الأسعار ونوعية الأدوية المستوردة وصولاً إلى إخفائها عن محتاجيها. تستطيع وزارة الصحة استيراد الدواء باتفاقيات من دولة لدولة، وإنشاء مراكز صحية يتمّ فيها توزيع الدواء على من يحمل وصفة طبية، أو بيعه بأسعارٍ رمزية.
أما في المواضيع السياسية، فأمام الحكومة تحدّي إعادة العلاقات مع سوريا إلى طبيعتها لتتوافق مع معاهدة التعاون الموقعة بين البلدين، وتتجانس مع واقع أنّ الدولتين – وتحديداً لبنان – لا يتعافى اقتصادياً إلا بعلاقة جيدة مع دمشق. أما على الحدود مع فلسطين المحتلة، فلا يجوز الانتظار أكثر لبدء التنقيب عن الغاز والنفط، أو ربط المسألة بالتفاوض مع العدّو. وواحد من أدوات تحقيق هذا الهدف، وضع حدّ للتغوّل الأميركي في الإدارات العامة وقيادة الجيش وبقية المؤسسات الأمنية. عدم الخضوع للتهديدات التي تحول دون تحقيق مصالح لبنان، يتطلّب بلورة خطاب دبلوماسي وخطة خارجية قائمة على تنويع العلاقات السياسية – الاقتصادية.
24 وزيراً عُيّنوا بعد سنة وشهر من الفراغ الحكومي، خلفيات معظمهم تُلغي الحاجة إلى «منح الفرصة» لمعرفة ما سيُنتجون. بين رئيسها نجيب ميقاتي، ووزير المالية يوسف خليل، مُنفّذ ومغطّي مخالفات سلامة، ووزير الاقتصاد أمين سلام الذي يتباهى بعلاقاته الأميركية ويُنظّر لتوسيع النفوذ الأميركي في لبنان ومنع تمدّد حزب الله، ونائب رئيس الحكومة سعادة الشامي الممثل لمصالح البنك الدولي وصندوق النقد… يتطلّب تنفيذ هذه القرارات انقلاباً من الوزراء على أنفسهم. ليس المطلوب من هذه الحكومة تحقيق الحد الأدنى الذي يمنّي بعض أعضائها النفس به على قاعدة أن «البلد منهار، وكل ما سيتحقق يعني تحسيناً في حياة السكان»؛ بل المطلوب هو الحد الأقصى، لأن تضييع كل دقيقة من الوقت يعني بقاء اللبنانيين وعموم السكان عقوداً في حالة الدمار التي يعيشون فيها حالياً. كثير من الأسماء الواردة في التشكيلة الحكومية لا يوحي بأن ما تقدّم سيتحقق، بل يبشّر بأن الأكثر ضعفاً في المجتمع سيدفعون المزيد من الأثمان، وأن أقصى ما ستقوم به الحكومة هو ترميم ما أصاب المنظومة، على حساب الأكثر فقراً. في يوم ولادة الحكومة، من السذاجة عقد الأمل على أن يصدم وزراء المصارف ومؤسسات الاستعمار المالي عموم اللبنانيين، ويحوزوا ثقتهم!
حكومة الـ24
يتألّف مجلس الوزراء، برئاسة نجيب ميقاتي، من:
نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، وزير التربية والتعليم العالي عباس حلبي، وزير الإعلام جورج قرداحي، وزير العدل هنري خوري، وزير الشباب والرياضة جورج كلاس، وزير الدفاع العميد موريس سليم، وزير المهجرين عصام شرف الدين شهيب، وزير المالية يوسف خليل، وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية نجلا رياشي، وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار، وزير الصناعة جورج بوشكيان، وزير الاتصالات جوني قرم، وزير السياحة وليد نصار، وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، وزير الصحة العامة فراس الأبيض، وزير الطاقة والمياه وليد فياض، وزير الثقافة محمد وسام مرتضى، وزير البيئة ناصر ياسين، وزير العمل مصطفى بيرم، وزير الزراعة عباس الحاج حسن، وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، وزير الاقتصاد