وأخيرًا أصبح للبنان حكومة! بعد ثلاثة عشر شهرا من استقالة الرئيس حسان دياب واعتذار رئيسين مكلفين، نجح الرئيس نجيب ميقاتي في تشكيل حكومة من أربعة وعشرين وزيرًا وصفهم بفريق عمل متجانس، وبالتالي الوقت الآن إلى العمل!
في ميزان الرابحين والخاسرين، يُمكن القول ان الشعب هو الرابح الأول نظرًا إلى أن بلد من دون حكومة هو كسيارة من دون سائق وبالتالي الفوضى هي النتيجة. الخاسرون هم الذين لا يُريدون مصلحة لبنان.
لكن بالمطلق، ما هو ميزان القوى الحقيقي في هذه الحكومة؟ وماذا عن الثلث المعطل؟ في الكواليس يُحكى أن عن حكومة الرئيس ميقاتي هي حكومة فرنسا وحزب الله. فالأميركيون فوضوا الفرنسيين التفاوض مع الإيرانيين من أجل تسهيل تشكيل الحكومة وهو ما نتج منه حكومة ما يُسمّى بالـ 50-50. وبالتالي حصد رئيس الجمهورية الثلث المعطل من خلال الحصة الفرنسية وأصبحت التوازنات في هذه الحكومة توازنات تفرضها المصالح الفرنسية في المنطقة حيث تمتلك الجمهورية الإسلامية في إيران مفتاح التسهيل.
الجدير ذكره أن الحكومة العتيدة التي تضم 24 وزيرًا شارك في عملية تشكيلها النائب جبران باسيل، وذلك على الرغم من نفي التيار الوطني الحر عدم تدخل الوزير باسيل في عملية التشكيل. وبحسب المعلومات، حصل الوزير باسيل على وعد فرنسي بالوساطة مع الأميركيين لسحب اسمه عن لائحة العقوبات. أكثر من ذلك، وعد باسيل الفرنسيين بإعطاء الثقة لحكومة ميقاتي كبادرة حسن نية من جهته.
وتوزعت الحقائب في الحكومة على الشكل الاتي: رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، وزير المال يوسف خليل، وزير الداخلية: بسام مولوي ، وزير الدفاع: موريس سليم، وزير الخارجية: عبد الله بو حبيب، وزير الاتصالات جوني قرم، وزير الصحة فراس الأبيض، وزير الطاقة وليد فياض، وزير الأشغال علي حمية، وزير الإعلام جورج قرداحي، وزير العدل هنري خوري، وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، وزير التربية عباس حلبي، وزير الصناعة جورج دباكيان، وزير العمل مصطفى بيرم، وزير البيئة ناصر ياسين، وزير الاقتصاد امين سلام، وزير الزراعة عباس الحاج حسن، وزير الشباب والرياضة جورج كلاس، ووزير المهجرين عصام شرف الدين.
الممكلة العربية السعودية تعتبر أن حكومة ميقاتي هي حكومة حزب الله وذلك حتى قبل أن تتشكّل. من هنا أخذ الفرنسيون على عاتقهم التفاوض مع المسؤولين السعوديين من أجل فتح أبواب المملكة للرئيس ميقاتي وهو أمر غير مضمون سلفًا نظرًا إلى أن الخليجيين يعتبرون أن نفوذ حزب الله في الدولة اللبنانية أكبر من أن يقاومه الميقاتي الطامح للزعامة السنية في لبنان. وبالتالي هناك سيناريوهان مطروحان: الأول وهو استجابة المملكة العربية السعودية للمبادرة الفرنسية باستقبال ميقاتي. وفي هذه الحالة قد يشهد لبنان حالة من الفرج الاقتصادي من خلال دخول مساعدات واستثمارات سعودية. والثاني هو عدم استجابة المملكة العربية السعودية للمبادرة الفرنسية وفي هذه الحالة، سيكون أمام لبنان سنين صعبة سواء مع أو بدون حكومة. والمصادر الفرنسية في باريس تقول ان الرئيس الفرنسي ماكرون قام بتهنئة نفسه بعد تأليف الحكومة حيث تقول المصادر ان تشكيل الحكومة جاء نتيجة الاتصال الهاتفي الذي حصل بين ماكرون والرئيس الايراني رئيسي وأن ماكرون سيصب جهده الآن على أن تلتزم الحكومة اللبنانية الجديدة بالاصلاحات ولا أن يقف حزب الله ضد الخصخصة الكبرى ويعتبرها وصاية دولية لأن اتفاق ماكرون مع رئيسي هو بداية لتعهد الملف اللبناني بكل خطوة ستخطيها الحكومة الجديدة برئاسة ميقاتي. أما بالنسبة للملكة العربية السعودية فلن تظهر الأمور الا بعد أن تعطي السعودية الضوء الأخضر لزيارة الرئيس ميقاتي للرياض واجتماعه مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وقد ظهر جلياً أن السعودية لم تكن ترغب بأن يترأس الرئيس سعد الحريري الحكومة الجديدة بل كانت تفضل عليه ميقاتي أو النائب تمام سلام.
السيناريو الثاني هو الأكثر إحتمالا نظرًا إلى التجربة الميقاتية في العام 2011 ونظرًا إلى الصورة السيئة للطبقة السياسية بأكملها لدى المجتمع الدولي. وقد نُقل عن أحد المسؤولين الخليجيين عند سؤاله عن سبب عدم مساعدتهم للشعب اللبناني، أجاب بالقول ان «الطبقة السياسية فاسدة، وأي مساعدة للبنان هي مساعدة لهذه الطبقة».
على كل الأحوال، حكومة ميقاتي الثالثة أمام تحدّيات عديدة وستكون تحت الاختبار قريبًا في ملفات كثيرة نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر
أولًا – ملف التدقيق الجنائي ومصير حاكم مصرف لبنان: في الواقع هذا الملف هو ملف عزيز على قلب رئيس الجمهورية وبالتالي، لا نعلم ما إذا كان الرئيس نجيب ميقاتي سيسير باتجاه تحميل حاكم مصرف لبنان المسؤولية وإقالته من منصبه! عمليًا مثل هذه الخطوة، المطروحة بين رغبة رئيس الجمهورية وطموحات الرئيس ميقاتي ومصالح الفرنسيين، قد تأتي بسمير عساف – مرشح ماكرون – وهو ما يضمن الوصاية الفرنسية المالية على لبنان. يبقى القول ان الكلمة الفصل في هذا الملف هي للأميركيين الذين يحرصون أيضًا على مصالحهم.
ثانيًا – ملف قائد الجيش، ومدير قوى الأمن الداخلي، والنائب العام التمييزي، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، ومدير طيران الشرق الأوسط، ومدير مصلحة المناقصات: هذه المناصب، يرغب رئيس الجمهورية – ومن خلفه النائب باسيل – بإقالة شاغليها الحاليين لمصلحة تعيين أشخاص محسوبين عليهم. وهو إن حصل يعني فقدان كلّي لمصداقية حكومة ميقاتي. الجدير ذكره أن حيثية قائد الجيش الدولية، قد تمنع مثل هكذا خطوة.
ثالثًا – رفع الدعم: هذا الأمر الذي أصبح شبه واقعي سيكون على حكومة ميقاتي أن تُديره وتتحمّل غضب الناس الذي لن يتأخر بالظهور خصوصًا أن الرئيس ميقاتي قال البارحة انه يجب شدّ الأحزمة.
رابعًا – ملف التهريب عبر الحدود والذي هو من شروط صندوق النقد الدولي والذي قد يخلق اصطداما داخل حكومة ميقاتي في حال طُرح على طاولة مجلس الوزراء. هذا الملف ذو الأبعاد السياسية سيتطلّب تدخلا فرنسيًا – إيرانيًا لن تتأخر ملامحه في الظهور.
خامسًا – ملف المرفأ الذي يطمح الفرنسيون إلى إعادة إعماره، وهو ما قد يكون عقدة كبيرة نظرًا إلى تنافس دولي واضح على هذا المرفأ وما له من أهمية مُستقبلية في إعادة إعمار سوريا. وبحسب المعلومات، تمّ التشاور بين الفرنسيين وميقاتي حول هذا الموضوع.
سادسًا – توحيد سعر الصرف وهو ما سيُشكّل الضربة الكبرى للشعب اللبناني. فتوحيد سعر الصرف الذي هو مطلب لا رجوع عنه من قبل صندوق النقد الدولي يطرح مُشكلة الفقر في لبنان والذي بلغ مستويات عالية جدًا قد يكون من الصعب معها ضمان الاستقرار الأمني. من هنا يُطرح السؤال عن خطة ميقاتي في عملية توحيد سعر الصرف هذه!
سابعًا – إعادة هيكلة المصارف والتي تمّ طرحها من قبل حكومة الرئيس حسان دياب. الجدير ذكره أن الرئيس ميقاتي مُساهم كبير في أحد المصارف، وبالتالي هل سيتمّ اعتماد خطة دياب والتي نصّت على تصفير رأسمال المصارف؟
الرئيس ميقاتي الذي بكى عند توقيع المراسيم، سيواجه حكمًا في قراراته التي سيتخذها من بيئته السنية، وهو ما قد يُعطل الكثير من هذه القرارات. فالبيئة السنية تعتبر أنها خسرت المعركة مع اعتذار الرئيس سعد الحريري، وبالتالي هناك تعاطف كبير في هذه البيئة مع الحريري الذي ستُشكل مواقفه المستقبلية من قرارات حكومة ميقاتي مؤشرًا جوهريًا لمزاج الشارع السني، ناهيك بالصراع الباطني على الزعامة السنية والذي قد يُعقد عمل حكومة ميقاتي بشكل أو بآخر.
على كل الأحوال، ينتظر المراقبون البيان الوزاري الذي سيكشف عن الكثير من الخفايا، وعلى رأسها الصبغة التي سيُعطيها المجتمع الدولي والمحلي لهذه الحكومة. فهل ستكون ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة حاضرة في البيان؟ وماذا ستكون ردّة فعل المجتمع الدولي في هذه الحال؟ أسئلة لن ننتظر كثيرًا حتى نعرف الأجوبة عليها، خصوصًا أن الطريق لأخذ ثقة المجلس أصبحت مُعبّدة.
في هذا الوقت تبقى العين على الجبهة المعارضة المؤلفة من الرئيس نبيه بري والنائب السابق سليمان فرنجية والرئيس الحريري والقوات اللبنانية (حتى ولو كلٌ ينادي على ليلاه!). فهذه الجبهة ستكون بالمرصاد لكل القرارات التي تصب في مصلحة التيار الوطني الحر، خصوصًا في ما يخص التعيينات والإقالات التي ينوي رئيس الجمهورية طرحها في جلسات مجلس الوزارء
يبقى القول ان الضمانة الفرنسية – الإيرانية في هذه اللعبة هي الأساس، فالتحليل البسيط يوصلنا إلى أن هذه الحكومة يُمكن أن تنفجر من الداخل سريعًا بمجرد التباعد بين فرنسا وإيران، وبالتالي تصب الأنظار على تطور المصالح الفرنسية والإيرانية في المنطقة وحصة لبنان من التداعيات في حال لم تتشابك هذه المصالح فيما بينها.