تزامنا مع اقرار بيان وزاري “ملتبس” وحمال “اوجه”، ومع دخول رفع الدعم عن المحروقات حيذ التنفيذ، ووسط تطورات قضائية متسارعة في ملف جريمة المرفأ، دخلت اولى قوافل صهاريج المازوت الايراني الى الاراضي اللبنانية، هذا الحدث ليس تفصيلا صغيرا، وانما تحول استراتيجي، يعكس حقيقة وواقع موازين القوى على الساحة اللبنانية، فكسر الحصار الاميركي في وضح النهار من قبل حزب الله “رسالة” بالغة الدلالة الى الداخل والخارج، الشراكة مع سوريا وايران المحاصرتين في فرض معادلات جديدة يشير بوضوح الى استحالة تحويل لبنان الى منصة لاستعداء محيطه الطبيعي والجغرافي او سلخه عن محور المقاومة الذي يشكل احد اعمدته وليس “اذرعه”..وبحسب اوساط سياسية بارزة، فان التفاصيل اللبنانية الاخرى تبقى مجرد تفاصيل ثانوية في “لعبة” بحجم يتجاوز الاداوات الصغيرة التي يجري تكليفها بمهمات معينة محدودة في المكان والزمان، ولهذا يمكن تجاوز “التركيبة” الهشة للحكومة المؤلفة بمعظمها من وزراء لا “يدرون ما يفعلون” لكن ينفذون ما يطلب منهم، وهذا هو المطلوب منهم، لا اكثر ولا اقل.
ميقاتي: انا الحكومة؟
هذا الامر يدركه جيدا رئيس الحكومة “البرغماتي” نجيب ميقاتي الذي يحسن استغلال الفرص لتبوء اعلى منصب للطائفة السنية في لبنان، ويدرك جيدا التوازنات الداخلية والخارجية، ويدرك ايضا محدودية المهمة المطلوبة منه، انقاذ ما يمكن انقاذه في الفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابية بعدما تامن المناخ الدولي والاقليمي للتهدئة على الساحة اللبنانية، ولهذا تجاهل وجود وزراء ضعفاء على يمينه ويساره، وتجاهل ايضا “الوزن الطابش” لصالح رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل، وكذلك “هالة” حزب الله المهيمنة على الحكومة، وارتضى بالمهمة لانه لن يخسر شيئا، بل يستثمر وجوده في السراي الحكومي انتخابيا، وهو طبعا غير معني بمصالح اقرانه في نادي رؤساء الحكومة السابقين، فهو يرث ساحة سنية ضعيفة لا قدرة لها على مواجهة الساحات الاخرى بعدما خسرت الدعم السعودي، وانهكها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري باخطائه ورهاناته “القاتلة”، ولهذا لا يبدو اليوم مهتما بكل ما يثار حوله من “غبار” يدرك ان ارضاء اللبنانيين ليس صعبا بعدما تحولوا الى “شحادين”، اي تحسن في سعر العملة يعتبر انجازا، واي تخفيض في اسعار المواد الغذائية سيكون نجاحا، انتهاء الطوابير على المحطات سيسجل في سجله “الذهبي” حتى لو كان الثمن رفع الدعم، لم يعد احد مهتما بمحاسبة كل الطبقة السياسية التي يمثلها اليوم على راس السلطة التنفيذية بالتسبب بسرقة “العصر”، ولهذا يعتبر نفسه منقذا، ويقول لزواره انه غير معني بضعف الكثير من وزرائه، “فانا” واجهة الحكومة وهي “انا” يقول ميقاتي، ولا داعي للتوقف امام تفاصيل صغيرة غير مهمة طالما ان “الشغل ماشي”، ومهمتي اعرفها جيدا…
انقاذ باسيل؟
في هذا الوقت يعيش رئيس الجمهورية ميشال عون على امل انقاذ المستقبل السياسي للوزير جبران باسيل “المنتشي” بعودته الى موقعه المفضل “كصانع” للحكومات، مقدما نفسه للقوى الخارجية “كمفتاح” للاقفال الموصدة مستدرجا هذا الخارج للحديث معه “بشرط” رفع العقوبات، ولهذا عاد الى فتح “معاركه” الصغيرة مع الرئيسين نبيه بري والحريري اللذين قبلا “بالتسوية” على مضض بعدما باغتهما ميقاتي “بالرضوخ” واستسلما “للموجة” الايرانية- الفرنسية العالية، “بغض نظر” اميركي.
كسر الحصار الاميركي
فوسط “صمت” اميركي “مريب” كما يراه حلفاء واشنطن في بيروت، كسر حزب الله قواعد الاشتباك مع الولايات المتحدة واسرائيل، ودشن خطاً بحرياً بين ايران ولبنان، ودخلت الصهاريج التي تحمل المازوت الإيراني إلى منطقة بعلبك الهرمل آتية من سوريا، ووفقا لمصادر مطلعة، فان دخول هذه الشاحنات عبر معابر غير رسمية، تم بالتنسيق مع جهات رفيعة المستوى في الدولة، وفي مقدمتها رئيس الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، وذلك لعدم “احراج” الدولة اللبنانية، بانتظار توزيعها عبر آلية أعلنها حزب الله مطلع الاسبوع المقبل، قطعت الصهاريج مسافة ما يزيد عن 230 كيلومتراً قادمة من مرفا بانياس السوري، قبل ان تفرغ حمولتها في مستودعات خزانات أعدتها شركة محطات “الأمانة”، كخطوة أولى قبل توزيعها على المؤسسات المستهدفة. وضمت قافلة اليوم الأول 80 صهريجاً محملة ب4ملايين ونصف المليون ليتر من المازوت، قُسِّمت إلى أربع مجموعات، سارت تباعاً مع فاصل زمني يقّدر بقرابة الساعة، ومنذ اجتياز القافلة نقطة الحدود اللبنانية السورية، واكبها ميدانياً أعضاء قيادة حزب الله في المنطقة، ورافقتها سيارات إسعاف الهيئة الصحية الإسلامية والدفاع المدني التابع لها. وعلى الرغم من بيان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ، إلا أن الأهالي تقاطروا إلى الطرق العامة، ورشوا القافلة بالورود والأرز. كما زينت الطرقات بيافطات شكر لإيران وسوريا وحزب الله.
فيول عراقي ولا كهرباء؟
في هذا الوقت، وصلت، امس الشحنة الأولى من الفيول أويل العراقي لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، على أن تبدأ الباخرة بتفريغ حمولتها البالغة 30 ألف طن، وذلك بعدما أعطت المديرية العامة للنفط الإذن بذلك مع التأكد من مطابقة المواصفات، ووفقا لمصادر كهرباء لبنان فان الفيول العراقي سيمنح البلاد كهرباء لـ15 يوما بمقدار 5 الى 6 ساعات يوميا، بعدما نفد الفيول الموجود لدى المؤسسة التي كانت ستطفىء معاملها خلال خمسة ايام، ولهذا فان الحل يبدو موقتا بانتظار وضع خطط جدية لمعالجة هذا الملف الحيوي.
بدء رفع الدعم عن المحروقات
في غضون ذلك شهد ملف المحروقات تطورات متسارعة مع الرفع الكامل عن الدعم على المازوت والبدء في الرفع التدريجي للدعم عن البنزين بدءا من صباح اليوم، فبعد اقفال معظم محطات الوقود بالامس، لان مستودعات الشركات المستوردة للنفط لم تُسلّم مادة البنزين للمحطات، التزاماً بقرار المديرية العامة للنفط الذي طلب عدم تسليم البنزين والمازوت للسوق المحلّي، من دون معرفة سبب هذا القرار، اكدت اوساط “نفطية” ان قرارالمديرية العامة للنفط كان من أجل إحصاء كمية المخزون المتبقي المدعوم وفق آلية الـ???? لدى الشركات المستوردة والموزّعة وتحويل هذه الكمية إلى غير مدعومة كلياً، كمقدمة لرفع الدعم عن المشتقات النفطية.
هل سيرتفع سعر الدولار؟
ومساء، وللمرة الاولى ، وافق وزير الطاقة وليد فياض على تسعيرالمديرية العامة للنفط على بيع المازوت بالدولار وتم تسعيرالطن ب540دولارا للبيع للمصانع والفنادق، ولمن يريد من المواطنين، اما البنزين فسيبدء تسليمه اليوم على جدول اسعار جديد في اطار قرار برفع تدريجي لاسعار البنزين. ووفقا لاوساط اقتصادية ثمة تساؤلات مقلقة حول تامين الدولارات لاستيراد المحروقات من الخارج، فاذا كان المصرف المركزي لن يتدخل فان الدولارات ستتامن من السوق السوداء، وهذا سيؤدي الى ارتفاع جديد في سعر الدولار؟!
“تسويات” البيان الوزراي
في هذا الوقت، إنتهت جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا باقرار البيان الوزاري بالإجماع، بعد إجراء تعديلات طفيفة “بتسويات” لفظية ملتبسة حمالة اوجه، وهو سيحال اليوم الى مجلس النواب الذي يرتقب ان يعقد جلسة الثقة يوم الاثنين المقبل. وجرى تسمية الحكومة الجديدة “معاً للانقاذ”، وقد تعهدت في بيانها باجراء الانتخابات في مواعيدها الدستورية.وفي تسوية ملتبسة تم التوصل الى حل “وسطي” في البيان الوزراي باضافة “حيث يلزم”على إصلاح القطاع المصرفي وإعادة الهيكلة، وهذا يبقي الامر مبهما لجهة من سيتحمل الخسائر..كما جاءت الدعوة إلى التفاوض الفوري مع صندوق النقد الدولي بما تقتضيه الأولويات والمصلحة الوطنية، لتضفي علامات استفهام حول المقصود باولويات المصلحة الوطنية. اما في ملف الكهرباء فتم مراعاة فريق رئاسة الجمهورية من خلال حذف اسماء المعامل الواجب بناؤها وذلك لعدم موافقة وزراء امل على ادراج معمل سلعاتا .وفي ملف انفجار مرفأ بيروت ورفع الحصانات تم اعتماد نص غامض حول وجوب التعاون بين الحكومة ومجلس النواب بكل ما يقتضيه الوصول إلى الحقيقة في قضية المرفأ.
وقد أكد وزير الإعلام جورج قرداحي أنه “أثناء الجلسة لم يقترح أحد موضوع رفع الدعم عن المحروقات”، متسائلاً “من سيرفع الدعم؟ هل يُرفع الدعم من دون قرار؟ لا يوجد أي قرار بشأن ذلك”. وفيما “تهرب” قرداحي من التعليق على دخول شاحنات النفط الإيرانية بالقول انه” لم نتطرق الى الموضوع لأن الجلسة كانت مخصصة لإقرار البيان الوزاري وكوزير إعلام لا يمكنني ان أعلن موقف الحكومة من هذا الموضوع، قال وزير الأشغال علي حمية ان الحصار الاميركي على لبنان كسر وبات وراءنا. واضاف: قرار استيراد المازوت سيادي مبنيّ على الحرص على المواطن وعلى كل لبنان!. وفي سياق متصل دعا وزير المال يوسف خليل الى البدء بهيكلة القطاع العام كمقدمة لاصلاح الخلل البنيوي في الدولة.
كيف سيتم التفاوض؟
وفيما يوقع وزير المال مذكرة التدقيق الجنائي مطلع الاسبوع المقبل، فان الامتحان الاول امام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بحسب اوساط سياسية، هو التفاوض مع صندوق النقد الدولي، حيث لا يعرف بعد موقف الرئيس ميقاتي من تقريرشركة لازارد التي وضعت خطة التعافي الاقتصادي وحملت المصرف المركزي والمصارف مسؤولية تسديد الخسائر، واذا كان الخلاف السياسي انذاك ادى الى تجميد التفاوض مع الصندوق واجهضت خطة التعافي، فكيف سيتصرف ميقاتي اذا تمسك الرئيس عون ووزراؤه بخطة “التعافي”؟ مع العلم ان رئيس الحكومة يفضل حصول توافق بين وزير المال يوسف خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة على “خارطة طريق” لانقاذ ما يمكن انقاذه!
ووفقا لاوساط اقتصادية مطلعة، من غير المرجح أن تقوم الحكومة بإعادة هيكلة الدين العام ، الذي يقدر بنحو ضعف حجم الاقتصاد، لأن ذلك سيعني إعادة هيكلة النظام المصرفي ومراجعة خسائر المصرف المركزي التي قدرتها الحكومة الأخيرة بنحو 50 مليار دولار.
السنيورة يحذر ميقاتي؟
في هذا الوقت، تبذل جهود سياسية حثيثة للحفاظ على تماسك نادي رؤساء الحكومات السابقين لمنع حصول ارتدادات سلبية لتصريحات الرئيس فؤاد السنيورة الذي اشار الى ان تشكيل الحكومة هو تمديد للأزمة، وقد جرى التواصل بين رئيس الحكومة وكلا من الرئيسين الحريري والسنيورة وجرى التوافق على اللقاء بعد عودة رئيس تيار المستقبل من الامارات. علما ان السنيورة يرفض اي مهادنة مع رئيس الجمهورية ميشال عون والنائب جبران باسيل، ويرى ان التعاون يجب ان يكون في حدود الثوابت المتفق عليها، خصوصا ان الامور بدأت توحي بانتصار حققه فريق الرئاسة، ولهذا وانطلاقاً من التجارب السابقة، نصح السنيورة ميقاتي عدم التسليم بالكلام “المعسول” لان تعطيل الحكومات السابقة من قبل العهد لا يبشر بالتزامه بما تعهد به، ولهذا يبقى الحذر مطلوبا، خصوصا في معالجة الملفات الشائكة.
“الغام” قضائية امام الحكومة
وفي تطور قضائي لافت، سيكون احد “الالغام” امام رئيس الحكومة، تم تحويل مذكرة احضار رئيس الحكومة السابق حسان دياب من قوى الامن الى امن الدولة، لتعذر قيام الجهة الاولى المناطة بحمايته بالامر.. من جهته أصدر المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق البيطار، مذكّرة توقيف غيابية بحق وزير الأشغال السابق، يوسف فنيانوس، بعد تغيّبه عن حضور جلسة الاستجواب التي حُددت امس. وفيما أعلن رئيس تيار المردة، النائب السابق سليمان فرنجية، وقوفه إلى جانب وزير الأشغال السّابق يوسف فنيانوس، اكدت مصادر “المردة” ان هناك ثغرات محددة حصلت في ملف التحقيق خصوصا أن النيابة العامة التمييزية لم تبد رأيها في الدفوعات الشكلية التي قدمها فنيانوس.
من جهته اكد محامي فنيانوس، نزيه الخوري ان ما حصل مخالفة فاضحة للقانون والأصول القضائية، ونحن كفريق دفاع بصدد دراسة الخيارات التي قد نلجأ اليها في الأيام المقبلة والتي يتيحها لنا القانون.ووفقا للمعلومات، سوف يتم رفع دعوى ارتياب ضد القاضي البيطارالذي ردّ في مستهلّ الجلسة التي عقدها، في حضور وكيلَي فنيانوس، الدفوع الشكلية المقدّمة من فنيانوس، واعتبر أنه مبلّغ أصولاً موعد الجلسة وامتنع عن المثول لاستجوابه. من جهتهم، نفّذ أهالي شهداء انفجار مرفأ بيروت، وقفة أمام قصر العدل في بيروت، انتقلوا لاحقاً إلى أمام منزل مدّعي عام التمييز، القاضي غسان عويدات. ومن أمام منزل عويدات تحدّث ابراهيم حطيط باسم المعتصمين، معلناً اللجوء إلى خطوات غير سلمية. ودعا القاضي عويدات إلى التنحي عن الملفّ، وكذلك القاضي غسان خوري، “الذراع اليمنى لعويدات وهو على ارتباط بأحد المتهمين”، على حد تعبير حطيط.
تصعيد اوروبي لفظي
على صعيد آخر، صعدت اوروبا لفظيا في وجه لبنان الرسمي،فقد اصدر البرلمان الاوروبي قرارا غير ملزم بوضع قائمة مؤسسات وأشخاص في لبنان ينطبق عليهم نظام العقوبات”. واعتبر في قرار اصدره كارثة لبنان سببها حفنة من المسؤولين، كما دعا “قادة لبنان لعدم تأجيل الانتخابات عام 2022 تحت أي سبب. وبحسب برلماني أوروبي فان مكافحة الفساد وإجراء إصلاحات في لبنان تشكل أولوية لاوروبا وسيتم معاقبة مسؤولين لبنانيين فاسدين هربوا أموالهم إلى الخارج واشار الى أن الأسابيع المقبلة ستحمل تغييراً داخل لبنان.