تتعامل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وكأنها في سباق الوقت، حيث انجزت البيان الوزاري في فترة قياسية في انتظار ان تنال الثقة المضمونة مطلع الأسبوع المقبل لتنطلق في عملها وأمامها تحديات كبرى، وقد تركت هذه الوتيرة المتسارعة ارتياحاً لدى الناس ما انعكس ارتياحاً في الأسواق، كونها تنمّ عن جدية ومسؤولية في مقاربة الأزمة بعد أشهر طويلة من الفراغ وانعدام المسؤولية.
التحدي الأساس بالنسبة إلى الرأي العام هو ان تحافظ الحكومة على وتيرة البدايات كون الأزمة تتطلّب ورشة عمل مفتوحة، لكن المخاوف من محاولات ضرب اندفاعتها عن طريق فتح مواجهات سياسية لا طائل منها، فيما المطلوب توفير كل المناخات المساعدة لعملها، كون حلّ الأزمة ليس من اختصاص الحكومة وحدها، إنما مسؤولية وطنية تستدعي من الجميع مواكبتها وليس وضع العصي في دواليبها.
وقالت مصادر مواكبة للمسار الحكومي لـ”الجمهورية” ان هناك فرصة فعلية لبداية الخروج من الأزمة المالية، ولا يجب تبديد هذه الفرصة، خصوصا في ظل الاحتضان الدولي وتقديمه كل ما يساعد على الخروج من هذه الأزمة التي تجاوزت كل الحدود والسقوف ووصلت إلى مستويات مخيفة ارتفع معها منسوب القلق على مصير البلد. وبالتالي، يجب توفير البيئة الحاضنة بالحد الأدنى حتى آخر السنة الحالية كون الحملات الانتخابية للقوى السياسية لا يمكن ان تبدأ قبل مطلع السنة المقبلة، وهذه الفترة ستكون كافية لإعادة وضع الأمور على الخط الصحيح.
ورأت هذه المصادر ان ما يساعد الحكومة في عملها هو ان الوضع الإقليمي الذي يتجه إلى مزيد من التبريد مع العودة المفترضة قريباً لمفاوضات فيينا النووية، وفي ظل الكلام عن جلسة حوار جديدة بين الرياض وطهران، وحديث عن إحياء المفاوضات الإسرائيلية والفلسطينية برعاية مصرية وأميركية، ولا شك انه بمقدار ما تتراجع السخونة الإقليمية بمقدار ما تستقر الأوضاع اللبنانية.
ولاحظت المصادر انه في موازاة المناخ الإقليمي فإن إعادة فتح باريس خطوطها مع طهران سيؤدي إلى ترييح حركتها في لبنان ويُمكّنها من مواكبة عمل الحكومة ومساعدتها على تحقيق الخطوات المرجوة، خصوصاً ان باريس التي تحظى بتفويض أميركي ستعيد تزخيم مبادرتها في ظل عودة الحديث عن إمكانية زيارة رئيسها إيمانويل ماكرون لبيروت في الأسابيع القليلة المقبلة على أثر تأليف الحكومة، ومواكبة لعمل هذه الحكومة.
إبتسامة وتنكيتة
الى ذلك، تفاجأ رئيس الحكومة والوزراء في مستهل جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في بعبدا لمناقشة واقرار البيان الوزاري، بطلب رئيس الجمهورية بجدية بدت واضحة على وجهه تغيير اسم الحكومة بحسب ما علمت “الجمهورية”، وقالها بالفم الملآن وصراحة “ان اسم العزم والامل نابع من تيار “العزم” وحركة “امل”. وعلّق قائلاً: “لنضع فيها ايضا “التيار الحر” وبقية الاحزاب”.
تلقّف ميقاتي كلام عون بابتسامة وتنكيتة ثم اقترح “معاً للانقاذ” لتحل بدل “العزم والامل”. الجلسة كانت هادئة بحسب مصادر وزارية لـ”الجمهورية” لكنها لم تخف بعض الحذر من مقاربة بنود القطاع المصرفي والتفاوض مع صندوق النقد الدولي حتى بند عودة اللاجئين الفلسطينيين. وكان لافتا ان معظم التعديلات اقترحها رئيس الجمهورية ومررها ميقاتي بنعومة من دون ان يخفي تمسكاً وثباتاً في مواقفه.
وفي البند المتعلق بالقطاع المصرفي أضيفت جملة “اعادة الهيكلة حيث يلزم” الى جانب “اصلاح القطاع المصرفي”، ومعلوم ان الاولى هي طلب عون والثانية هي طلب ميقاتي فأتى المخرج بالاخذ بالاقتراحين على الطريقة اللبنانية “tout le monde a gagné” كما ابدى رئيس الحكومة تحفظه عن بعض الامور من دون ان يجعلها تعرقل مسار النقاش واقرار البيان.
اما في موضوع التفاوض مع صندوق النقد الدولي فأتى التعديل على الشكل التالي: “إستئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي فوراً” حيث أضيفت كلمة “فوراً” للوصول الى اتفاق على خطة دعم من الصندوق، واستبدلت عبارة “بما يحقق المصلحة العامة” في ختام الفقرة بعبارة “بما تقتضيه الاولويات ومصلحة لبنان”.
ومرّ بند التحقيق بانفجار المرفأ وقالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” انه لو اصر رئيس الجمهورية على العودة الى النص القديم الذي وردت فيه الحصانات لكان يمكن ان يتحول هذا البند متفجراً داخل الجلسة، لكن بقيت الصيغة التي اقرتها اللجنة الوزارية في السرايا كما هي. وبما خص خطة الكهرباء بقيت كذلك بصيغتها من دون ادخال تعديلات عليها. وأدخلت تعديلات طفيفة على الفقرتين المتعلقتين بالمرأة وبتفعيل العلاقات مع الدول الشقيقة وتنشيطها، وحصل جدل كبير حول البند المتعلق باللاجئين الفلسطينيين فأضيفت الى عبارة حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى ديارهم جملة “ورفض توطينهم في لبنان”، وهي الجملة التي لم تكن واردة في صيغة المسودة.
وبعد الجلسة حصلت خلوة بين عون وميقاتي ووزير المال يوسف خليل جرى البحث خلالها في عقد التدقيق الجنائي الذي سيوقعه خليل الثلاثاء المقبل.
إقرار بالاجماع
وكان مجلس الوزراء أقر البيان الوزاري للحكومة بالاجماع في جلسته بعد ظهر امس في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية، وقرر ان يكون شعار الحكومة “معا للانقاذ”.
ونوه رئيس الجمهورية بـ”عمل اللجنة الوزارية التي أنجزت مهمتها بسرعة”، وتمنى على “جميع الوزراء الاستمرار في العمل والإنتاجية والتعاون، لأن ذلك من ابرز أسباب نجاح الحكومة”. وقال: “ان الأوضاع ضاغطة والوقت ثمين، وكل دقيقة لها قيمتها”. وأكد “ضرورة الإسراع في إيجاد الحلول لقضايا الناس المعيشية وايلاء هذا الموضوع الأفضلية المطلقة واقصى درجات الاهتمام، لرفع المعاناة عن المواطنين من دون تأخير”.
وشدد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على “الحاجة الدائمة الى التضامن لتحقيق الإنتاجية المطلوبة للحكومة، وشكر أعضاء اللجنة والوزراء الذين شاركوا، على التعاون الذي ابدوه وتمنى “ان تسود هذه الروح دائما من اجل مصلحة لبنان”.
وأعلنت الامانة العامة لمجلس الوزراء مساء امس انها انجزت الصيغة النهائية للبيان الوزاري كما أقرها مجلس الوزراء، وأرسلته الى الامانة العامة لمجلس النواب، وفق الاصول.
ورجحت مصادر مطلعة ان يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم الى جلسة مناقشة البيان الوزاري ومنح الحكومة الثقة الاثنين المقبل.
العقوبات الاوروبية
في غضون ذلك من المتوقع أن يعلن البرلمان الأوروبي أنه لا يزال يتعين على الاتحاد الأوروبي النظر في فرض عقوبات على الساسة اللبنانيين الذين يعرقلون مسار الحكومة الجديدة.
وسيصدر البرلمان في ستراسبورغ قرارا ينص على ان “حكومات الاتحاد الأوروبي لا يمكنها بعد تخفيف الضغط على لبنان”. ومن المنتظر أن يتضمن هذا القرار الذي لا يكتسب صفة الإلزام أنه “يحض بشدة الزعماء اللبنانيين على الالتزام بالوعود التي قطعوها وأن يكونوا حكومة فاعلة” في إشارة للحكومة اللبنانية الجديدة التي تعهدت بمعالجة واحدة من أسوأ أزمات الانهيار الاقتصادي في العالم.
كما سيحذر أعضاء البرلمان الأوروبي من أن “فرض إجراءات محددة كعقوبة على عرقلة العملية السياسية الديموقراطية أو تقويضها يظل خيارا قائما”.
واوضح مشروع قرار البرلمان الأوروبي ان “شخصيات سياسية لبنانية عطّلت التحقيق في انفجار مرفأ بيروت”، مبيناً ان “الفساد” عطل التحقيق في الانفجار. ولفت ال? “ضرورة معرفة أسباب الانفجار الكبير الذي حصل في بيروت”.
وكان الاتحاد الأوروبي وافق في حزيران الماضي على إعداد إجراءات حظر سفر وتجميد أصول للسياسيين اللبنانيين المتهمين بالفساد وعرقلة جهود تشكيل الحكومة وسوء الإدارة المالية وانتهاك حقوق الإنسان.
ولم يُذكر أي من هؤلاء الزعماء بالاسم رسميا، إلا أنه في ظل الانهيار المالي وزيادة التضخم وانقطاع الكهرباء ونقص الغذاء، ويأمل البرلمان أن تسترعي دعوته انتباه الساسة اللبنانيين، وكثير منهم لهم أصول في الاتحاد الأوروبي.
وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل للبرلمان الأوروبي هذا الأسبوع إنه رغم الانهيار الاقتصادي في لبنان، فإن لحظة العقوبات أصبحت من الماضي، ذلك لأن هؤلاء الساسة شكلوا بالفعل حكومة أخيرا.
المازوت الإيراني
من جهة ثانية، وفي خضم ازمة المحروقات التي تعيشها البلاد، دخلت عشرات الصهاريج المحملة بالمازوت الإيراني الذي استقدمه “حزب الله” من إيران صباح أمس الى لبنان، آتية من سوريا على وقع استقبالات شعبية.
وبدأت عشرات الصهاريج ذات اللوحات السورية تدخل صباحاً على مراحل منطقة الهرمل عبر معبر غير شرعي، وعلى طول الطريق في اتجاه مدينة بعلبك، تجمع العشرات من مناصري الحزب ابتهاجاً، ورفع بعضهم أعلام الحزب بينما أطلقت النساء الزغاريد ونثرن الأرز والورود على الصهاريج التي أطلق سائقوها العنان لأبواقها.
وتضم القافلة 80 صهريجاً، بسِعة أربعة ملايين ليتر، على أن تفرغ حمولتها في مخازن محطات الأمانة في مدينة بعلبك، المدرجة منذ العام 2020 على قائمة العقوبات الأميركية، قبل أن يتم توزيعها لاحقاً وفق لائحة أولويات حددها الحزب.
ضياع في الأسعار
وفي غضون ذلك، سجل ضياع في أسعار المشتقات النفطية حتى ليل امس اذ ظل الحديث عن ارباك في السوق المحلي بعد قرار مديرية النفط في وزارة الطاقة التوقف عن توزيع البنزين والمازوت من المنشآت والشركات المستوردة. وسرت معلومات عن رفع الدعم الكلي الا انه ليلاً توضحت الصورة بقرار جديد أبقى على دعم البنزين على سعر 8000 ليرة. وعليه ستعود المحطات اليوم الى تسلم المادة وتوزيعها وفق السعر المدعوم وكأن يوم التوقف أمس لم يكن، أما المازوت فبقي على السعرين بالنسبة للمنشآت وللمستوردين فمن يريد الحصول عليه لقاء الدفع بالدولار يحصل عليه شرط ان يكون تم استيراده بالدولار غير المدعوم، واذا كان قد تم شراؤه على الدولار المدعوم يوزّع على السعر المدعوم وقد انتهت عملية الاحصاءات والتكييل التي قامت بها مديرية الجمارك في ساعة متأخرة من ليل امس لتحديد الكميات.
توقيف غيابي
على صعيد التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت أصدر المحقق العدلي القاضي طارق بيطار مذكرة توقيف غيابية في حق وزيرالاشغال العامة والنقل السابق يوسف فنيانوس، بعد تخلّفه عن حضور جلسة استجواب كانت محددة امس.
وجاء إصدار المذكرة غداة دعوة 145 جهة من منظمات حقوقية لبنانية ودولية وناجين وعائلات الضحايا مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى إنشاء بعثة تحقيق دولية مستقلة ومحايدة، وسط مخاوف من ضغوط سياسية متزايدة تعرقل تقدّم التحقيق المحلي.
ونقلت وكالة “فرانس برس” إن بيطار أصدر هذه المذكرة في حق فنيانوس “بعد امتناعه عن المثول أمامه لاستجوابه اليوم (أمس) رغم تبلغه موعد الجلسة وفق الأصول”.
وإثر صدور المذكرة قال نزيه الخوري محامي فنيانوس ان “ما حصل اليوم مخالفة فاضحة للقانون والأصول القضائية، ونحن كفريق دفاع في صدد درس الخيارات التي قد نلجأ اليها في الأيام المقبلة والتي يتيحها لنا القانون”.
ولاحقاً غرد رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية عبر “تويتر”، فقال: “مع صدور خبر مذكرة التوقيف في حق الوزير يوسف فنيانوس، نؤكد وقوفنا الى جانبه مدافعا عن نفسه، وبحق، ضمن القوانين المرعية الإجراء”.
كورونا
صحيا أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 647 إصابة جديدة بكورونا (627 محلية و20 وافدة) ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 616179. كذلك
سجل التقرير 6 حالات وفاة، وبذلك يصبح العدد الإجمالي للوفيات 8224.