كم كان “مخزياً ومعبّراً في آن”، جواب رئيس حكومة لبنان إزاء مشهدية دخول النفط الإيراني إلى الأراضي اللبنانية، ليؤكد بصريح العبارة أنّ الدولة لا حول لها ولا قوة أمام سطوة “الدويلة” وأقصى ما يمكنها هو الإعراب عن “الحزن على انتهاك سيادة البلد”، كما قال الرئيس نجيب ميقاتي في تصريحه أمس لقناة “سي أن أن”، في سياق فُهم منه أنّ حكومته هي مجرد “أكسسوار شكلي” حين يتعلق الأمر بما يقرره “حزب الله”، لا سيما وأنّه أكد بالفم الملآن أنّ عملية استقدام “الحزب” للمحروقات الإيرانية “تمت بمعزل عن إرادة الحكومة اللبنانية”.
وإذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون يراهن على أن تشكل له حكومة ميقاتي “خشبة الخلاص” لانتشال عهده وتياره من مستنقع الفشل والتفليسة الذي صبغ ولايته، فإنّ رهانه الأكبر يبقى معقوداً على تقاطعات إيرانية – دولية تعيد إحياء عظام العهد وتضمن له “حسن الختام” في آخر أيامه، فيضمن قبيل إنهاء مسيرته الرئاسية إعادة تثبيت أوتاد “الخيمة العونية” قبل انهيارها فوق رأس جبران باسيل سياسياً ورئاسياً في صناديق الاقتراع، ومن هنا بدا في كلامه أمس، كمن يطمئن نفسه قبل طمأنة اللبنانيين إلى أنه سيتمكن في “السنة الأخيرة من ولايته” من تحقيق ما لم يستطع تحقيقه طيلة عهده بذريعة “ما خلوني” التي جدد الارتكاز عليها في معرض نفض تبعات الفشل عن كاهله وإلقائها على “المنظومة”. كذلك ميقاتي، ولو كانت “حساباته لا تزال في بداياتها” لكنها تتقاطع مع “الحسابات العونية في نهاياتها”، وفق تعبير أوساط ديبلوماسية مخضرمة، لافتةً الانتباه إلى أنّ ميقاتي حالياً “يتمسكن ليتمَكّن وعلى المدى البعيد يرسم على كبير”.
وأوضحت الأوساط أنّ ميقاتي يعدّ العدة لأن يكون رجل المرحلة الراهنة “والمراحل القادمة”، مستفيداً من “شبكة علاقات دولية ومظلة أمان سورية – إيرانية يرى أنهما تتيحان له في ضوء المستجدات الإقليمية تشكيل همزة وصل حكومية مستدامة بين المحورين”، ونوهت في هذا السياق بقدراته المشهودة على “المشي بين نقاط التقاطعات والانسلال باتجاه مقدمة المشهد، لا سيما بعدما استخلص العبر اللازمة من زلّة تشكيل حكومة اللون الواحد في العام 2011، وبادر منذ إسقاطها إلى إعادة التموضع تحت عباءة نادي رؤساء الحكومات حتى أتته الفرصة ثانيةً فأحسن اقتناصها بطريقة أشدّ دهاءً وقدرةً على تدوير الزوايا لإعادة تثبيت أقدامه في السراي بمباركة داخلية وخارجية، مدركاً أنّ المبادرة الفرنسية التي تحظى بغطاء أميركي أمّنت الغطاء الخارجي لمشاركة “حزب الله” في حكومته”، وهو من هذا المنطلق بدا واثقاً في رده على استفسار قناة “سي أن أن” عن مشاركة “حزب الله” في حكومته، بالإشارة إلى كونه “رجلاً عملياً”، جازماً بشكل غير مباشر بأنّ الولايات المتحدة ستغضّ الطرف عن مسألة استقدام “النفط الإيراني” إلى لبنان وأنه لا يتملكه أي “خوف من العقوبات”، منوهاً في الوقت عينه بأنه تلقى “عدة رسائل دعم من الإدارة الأميركية” وبأنّ “فرنسا ساعدتنا كثيراً لتشكيل الحكومة”.
أما على مستوى قوى المعارضة اللبنانية، فبرز عشية الموعد المقرر لانعقاد الهيئة العامة بعد غد الاثنين لمناقشة البيان الوزاري توصلاً إلى منح الحكومة الثقة البرلمانية على أساسه، استباق تكتل “الجمهورية القوية” الجلسة بموقف حاسم يؤكد عزم التكتل على حجب الثقة عن “حكومة يُمسك “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” بقرارها ويواصلان سياسة تبادل الأدوار بين تغييب الدولة وسوء إدارتها”.
وأكد التكتل إثر اجتماع عبر تطبيق “زوم” برئاسة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أن الهدف “كان وما زال بناء الدولة والابتعاد عن كل نهج “أكلة الجبنة” السائد والمتأصِّل في الحياة السياسية اللبنانية في الأعوام الخمسة المنصرمة”، مشدداً على وجوب “إسقاط هذا النهج في الانتخابات المقبلة”. كما كشف في المقابل أنه يعتزم توجيه “سؤال” إلى حكومة ميقاتي بعد نيلها الثقة “بشأن موضوع استيراد النفط الإيراني الذي لم يراع ليس فقط المعايير القانونية والتنظيمية المتعلقة باستيراد المحروقات والمشتقات النفطية، إنما تجاوز كل ما يتصل بدور الدولة اللبنانية والبعد السيادي للبنان”، معرباً عن قناعته بأنّ “هذه الخطوة هي استعراضية ولا تقدِّم حلاً لأزمة المحروقات بل تزيد المعضلة تعقيداً”.