لعل خبر تحويل مستحقات لبنان من صندوق النقد الدولي إلى مصرف لبنان وحساب وزارة المال فيه البالغة مليار و139 مليون دولار أميركي أمس كان التطور العملي الوحيد الحامل نفحة إيجابية ولو مع الشكوك الكبيرة التي تثار حول سبل واقعية انفاقها نظرا إلى الظروف الانهيارية التي تواجهها مالية الدولة فيما لا يمكن من الان الاستكانة إلى الرهانات الأخرى حتى على الحكومة التي ستنال مساء الاثنين المقبل ثقة مجلس النواب إيذانا بانطلاقتها السريعة. ذلك انه عشية جلسة مناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة يوم الاثنين المقبل ومع اندفاع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى توظيف عقد التدقيق الجنائي بين وزارة المال وشركة “الفاريز اند مارسال” ليطلق “وعد السنة الأخيرة من عهده بانها ستكون سنة الإصلاحات لم يجد اللبنانيون امامهم وفي مواجهة يومياتهم بعد سوى مزيدا من التفاقم المخيف في أزمات المحروقات ووعودا وتعهدات بالجملة اثقلت البيان الوزاري المنقح بنسخته الرسمية النهائية التي وزعت أمس على النواب مع الدعوة إلى جلسة الاثنين. لقد بدت ازمة المحروقات أمس أفصح شهادة على الفشل والإخفاق التامين للسلطتين التنفيذية والمصرفية في تخليص اللبنانيين والمقيمين على ارض لبنان من أتون الذل والتعذيب الذي بات أسوأ صورة معممة عن عذابات الناس في طوابير لم تنفع معها بعد أي معالجات، ولا قدم او أخر فيها تحول “حزب الله” إلى المنافس العملاق للشركات المستوردة للمحروقات من خلال بدء إحضاره ملايين الليترات من المازوت والبنزين. وبدا واضحا ان اعتماد خطوات متدرجة في رفع أسعار المحروقات من دون حسم نهائي لرفع الدعم ضمن خطة واستراتيجية كاملة لم ينفع اطلاقا في التخفيف من وطأة الازمة بل زادها استشراء وتفاقما.
وغداة اقرار حكومة “معا للانقاذ” بيانها الوزاري دعا رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى جلسة عامة لمناقشته والتصويت على الثقة، في الحادية عشرة قبل ظهر الاثنين المقبل وكذلك مساء اليوم نفسه، في قصر الاونيسكو.
وفي اول المواقف النيابية المعلنة من الثقة، أعلن تكتل “الجمهورية القوية” حجبها عن الحكومة وسأل “كيف يمكن منح الثقة لحكومة يعاد استلام الفريق نفسه فيها، الذي أوصل لبنان إلى العتمة، وزارة الطاقة؟ وكيف يمكن منح الثقة لحكومة يواصل أحد مكوناتها، حزب الله، سياسة تجاوز الدولة وضرب علاقات لبنان الخارجية ورعاية التهريب ومنع إقفال المعابر غير الشرعية؟ وكيف يمكن منح الثقة لحكومة يُمسك “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” بقرارها ويواصلان سياسة تبادل الأدوار بين تغييب الدولة وسوء إدارتها؟ ” كما أعلن التكتل انه سيتوجه إلى الحكومة بسؤال، فور نيلها الثقة، بشأن موضوع استيراد النفط الإيراني “الذي لم يراع ليس فقط المعايير القانونية والتنظيمية المتعلقة باستيراد المحروقات والمشتقات النفطية باعتبار أن هذه المسألة تخضع في لبنان إلى نصوص قانونية وتنظيمية واضحة المعالم وإنما تجاوز كل ما يتصل بدور الدولة اللبنانية والبعد السيادي للبنان، كما ان هذه الخطوة هي استعراضية ولا تقدِّم حلاً لأزمة المحروقات، بل تزيد هذه المعضلة تعقيداً.
وفي هذا السياق غرد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر حسابه على “تويتر”: “لم نعد نعلم من اين تأتي قوافل المازوت والبنزين والنفط. كتروا المحبين إلى درجة قد نصبح فيها بلدا مصدرا للنفط دون ترسيم حدود ودون تنقيب لا شمالا ولا جنوبا ولا بحرا ولا برا “.
ميقاتي: حزين
وعشية جلسة الثقة أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في حديث إلى محطة “سي ان ان” الأميركية أن “المهمة الاساسية للحكومة هي وقف الانهيار ووضع البلد على طريق التعافي تمهيدا للانتقال إلى معالجة الملفات الاقتصادية والمالية والحياتية”.
وقال: “بين تشكيل الحكومة واليوم، شعرت بالارتياح النسبي لأننا في خلال سبعة أيام تواصلنا مع صندوق النقد الدولي الذي ابدى استعداده لدعم لبنان، وعرضنا مشكلة الكهرباء واقتراحات الحلول المناسبة “. وأكد: “ان الملفات الداهمة امام حكومتنا هي تحسين وضع الطاقة والكهرباء ومعالجة أزمة المحروقات وتأمين الدواء ومعالجة وضع القطاعين والاستشفائي والتربوي”.
وقال ردا على سؤال: “لا انقلابات في لبنان، ولكن التغيير يبدأ بمرحلة انتقالية من خلال الانتخابات البرلمانية التي تتيح للشعب اختيار ممثليه في الحكم”.
وقال الرئيس ميقاتي عن مشاركة “حزب الله” في الحكومة: “أنا رجل عملي والحكومة جامعة لمعظم الاطياف اللبنانية، ولا يمكننا ان نقوم بأي اصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي من دون موافقة ودعم الجميع. حزب الله يمثل شريحة من اللبنانيين في مجلس النواب”.
وعن ادخال “حزب الله” النفط الايراني أمس والخوف من عقوبات على لبنان، قال: “انا حزين على انتهاك سيادة لبنان ولكن ليس لدي خوف من عقوبات عليه، لان العملية تمت في معزل عن الحكومة اللبنانية”.
وردا على سؤال: قال: “أود ان أشكر حكومة العراق على دعم لبنان بالمشتقات النفطية، كما أشكر اشقاءنا العرب على دعمهم الدائم للبنان، وأتعهد لهم بأن لبنان لم ولن يكون ساحة للإساءة إلى الدول العربية. من هنا اطالب جميع الاطياف اللبنانية باعتماد سياسة النأي بالنفس. لبنان لم يتخل عن اشقائه العرب وهو يدعوهم إلى عدم التخلي عنه”.
عون والتدقيق
وفي ظل توقيع وزير المال يوسف الخليل عقد التدقيق الجنائي مع شركة الفاريز ومارسال اعتبر الرئيس عون أنّ “مسيرة التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان انطلقت عمليا وهي الخطوة النوعية في مسيرة التزام قواعد الشفافية ومكافحة الفساد والإصلاح والمساءلة والمحاسبة عند الاقتضاء التي التزمت امام اللبنانيين تحقيقها على الرغم من العراقيل التي وضعت في طريقها”. وقال بأن السنة الأخيرة من ولايته “ستكون سنة الإصلاحات الحقيقية، بعدما تعذر خلال السنوات الماضية تحقيق ما كان يصبو اليه اللبنانيون بفعل تغليب بعض المعنيين لمصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة، وتشكيل هؤلاء منظومة أقفلت الأبواب في وجه أي اصلاح، ما وفر الحماية لفاسدين ومرتكبين”.
الأزمة المتفاقمة
لكن وفي المقابل، بقيت أزمة المحروقات في الواجهة، ولم يحل رفع اسعارها وصدور جدولها الجديد دون بقاء الطوابير على حالها. فكما كان متوقعاً، سجّل سعر صفيحة البنزين بنَوعيه ارتفاعاً ملحوظاً، ليبلغ الـ95 أوكتان بـ174 ألفاً و300 ليرة والـ98 أوكتان بـ180 ألفاً. وأعلن عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس أن “قسما كبيرا من المحطات لا يزال مقفلاً وسبق وحذّرنا من هذا الأمر والآلية كان من المفترض أن تبدأ منذ يوم الاثنين كي لا نصل إلى ما وصلنا إليه”. واضاف “المحطات تبدأ بفتح أبوابها من اليوم لأن الشركات بدأت بتوزيع المحروقات لكن هناك شركات لم تصل إليها البواخر لذا الأزمة ستبقى موجودة لكن ابتداءً من يوم الاثنين ستتحسّن الأوضاع لكن هذا لا يعني أنّ الطوابير ستختفي”.
وعلى صعيد الطاقة ايضا، وغداة وصول المازوت الايراني إلى البقاع من سوريا، وبينما غرقت البلاد في عتمة شبه تامة تفاقمت مع فقدان مادة المازوت تماما بما أوقف المولدات ، وصلت امس الباخرة الأولى المحمّلة بنحو ?? ألف طن من الغاز أويل العراقي إلى معمل دير عمار في طرابلس. وقال مدير المعمل “ان هذه الخطوة مهمّة وتساعدنا على الاستمرار كما نحن اليوم إلى حين وصول المزيد من المحروقات كي تزداد ساعات التغذية ونأمل وصول المزيد من الشحنات”.