على نحو يكاد يستحضر أشهر المعادلات التي أطلقها غسان تويني على تجارب لبنان الحربية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عبر “حروب الاخرين على ارض لبنان”، وجدت الحكومة الجديدة التي ستحظى اليوم بثقة وازنة في مجلس النواب، نفسها ومعها كل لبنان في أتون “تنافس” حار طرفاه إسرائيل وإيران على توظيف واستغلال وجوه أساسية اقتصادية وسياسية من الكارثة اللبنانية الحالية ولا سيما منها ازمة الوقود والطاقة. برز هذا الجانب الخطير من السباق الإقليمي على توظيف الدراما اللبنانية في ظل اندفاع إيران الى استثمار العراضات الدعائية لدخول قوافل صهاريج المحروقات الإيرانية بآلية خالصة وضعها ونفذها ويستكملها “حزب الله” منفرداً متفرداً وحاولت طهران إيهام الرأي العام الخارجي والداخلي بأنها تستظل الشرعية اللبنانية لتمديد نفوذها عبر النفط. وفي المقابل لم تكن الدولة العبرية لتنتظر مزيداً من الاهتراء في لبنان لكي تستثمر في اللحظات الأشد حرجاً في التنقيب الإضافي عن النفط في المنطقة البحرية التي يشتبه في انها تقع في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان، فانجزت عقد التنقيب مع شركة أميركية فيما لبنان الرسمي غافل عن كل شيء.
في كل حال، أوضحت مصادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن “الحكومة اللبنانية لم تطلب أية شحنة وقود من إيران” تعليقاً على اعلنته الخارجية الإيرانية في تعليق لها على شحنة الوقود المرسلة الى لبنان عبر سوريا من أنها “كانت بطلب من السلطات اللبنانية”. واعتبر المتحدث باسم الخارجية الايرانية سعيد خطيب زادة أنّ ارسال الوقود الايراني الى لبنان جاء وفق عملية شراء عادية وطبيعية تماماً من قبل التجار اللبنانيين، مؤكداً انه “لو ارادت الحكومة اللبنانية ا?ضا شراء الوقود من إيران فانها ستضعه في تصرفها على الفور”. وقال خطيب زادة في تصريحه رداً على تصريحات رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الذي اعتبر أنّ ارسال الوقود الايراني انتهاك لسيادة لبنان: “الجمهورية الاسلامية الايرانية ملتزمة دوما بدعم اصدقائها والحكومات الصديقة لها”. واضاف: “ان هذه العملية التجارية جرت بطلب من التجار اللبنانيين وهي عملية شراء عادية وطبيعية تماما حيث تم بموجبها ارسال شحنة الوقود”. وتابع: “انني لا ابدي الرأي حول قضايا لبنان الداخلية ولكن يمكنني ان اطمئنكم بانه لو ارادت الحكومة اللبنانية غداً شراء الوقود منا لمعالجة مشاكل شعبها فاننا سنضعه تحت تصرفها”. وقال: “ان السلام والامن والاستقرار في لبنان مهمة لنا اكثر من اي شيء آخر ونساعد الحكومة اللبنانية ايضا كي تحقق النجاح في هذا المسار”.
التنقيب جنوبا
أما في الجانب المتصل بالحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل فتصاعدت مسالة التنقيب الإسرائيلي عن الغاز وبدأ التحرك اللبناني يتخذ طابع الاستنفار الديبلوماسي بعد اللجوء الى الأمم المتحدة. وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري دعا بعد التقارير الواردة حول فوز شركة “هاليبرتون” بعقد للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل (نشرت “النهار” تفاصيله السبت)، وزارة الخارجية الى تحرك عاجل وفوري بإتجاه مجلس الامن والمجتمع الدولي للتحقق من إحتمال حصول إعتداء إسرائيلي جديد على السيادة والحقوق اللبنانية. وأكّد بري أن “قيام الكيان الاسرائيلي بإجراء تلزيمات وإبرام لعقود تنقيب في البحر لشركة هاليبرتون أو سواها من الشركات في المنطقة المتنازع عليها في البحر يمثل نقضاً لا بل نسفاً لإتفاق الإطار الذي رعته الولايات المتحدة الاميركية والأمم المتحدة”، معتبراً ان “تلكؤ ومماطلة تحالف شركات توتال نوفاتك وإيني في المباشرة بعمليات التنقيب والتي كان من المفترض البدء بها قبل عدة شهور في البلوك رقم 9 من الجانب اللبناني للحدود البحرية يطرح علامات تساؤلات كبرى”.
وأفيد انه بناء على توجيهات وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب رفعت مندوبة لبنان لدى الامم المتحدة السفيرة امل مدللي كتاباً الى كل من الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس ورئيسة مجلس الأمن مندوبة أيرلندا في الأمم المتحدة جيرالدين بيرن ناسون حول الانباء عن منح إسرائيل عقود لتقديم خدمات تقييم تنقيب آبار غاز ونفط، في البحر لشركة Halliburton، في ما يسمى “حقل كاريش” في المنطقة والحدود البحرية المتنازع عليها.
وطالب لبنان مجلس الأمن التأكد من أن أعمال تقييم التنقيب لا تقع في منطقة متنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، بغية تجنب اي اعتداء على حقوق وسيادة لبنان. كما طالب لبنان بمنع اي أعمال تنقيب مستقبلية في المناطق المتنازع عليها وتجنباً لخطوات قد تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.
جلسة الثقة
وسط هذه الأجواء تعقد اليوم جلسة مجلس النواب لمناقشة البيان الوزاري والتصويت على منح الحكومة الثقة. وفيما ستتخذ إجراءات لانجاز الجلسة في يوم واحد بحيث تكتفي كل كتلة بمداخلة واحدة، ستحصل الحكومة على ثقة قد تلامس المئة صوت، ولن يحجبها عنها الا كتلة “الجمهورية القوية” وعدد من النواب المستقلّين. اما “تكتل لبنان القوي” فبات منحه الحكومة الثقة شبه محسوم في ظل بيان الهيئة السياسية في التيّار الوطني الحرّ السبت من أن “البيان الوزاري تضمّن مطالب التيّار التي وردت في بيان التكتل الأخير ولاسيما كل ما يتصل بالإصلاحات المالية والنقدية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي ومكافحة الفساد وتوفير شبكة الأمان الاجتماعي والتدقيق الجنائي وإعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج والكابيتال كونترول والفوائد المشجعة للاقتصاد المنتج والبطاقة التمويليّة والانتخابات ومشاركة المغتربين والتحقيق في انفجار المرفأ وإعادة إعماره وتنفيذ ورقة سياسة النزوح وإقرار قانون اللامركزيّة الإدارية”.
مواجهة نيابية قضائية؟
يشار في هذا السياق الى ان الأنظار ستتجه في الساعات المقبلة الى تطورات قضية التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت وسط مؤشرات عن مواجهة واسعة قد تبدأ فصولها بين المحقق العدلي القاضي طارق بيطار وكل من رئيس الحكومة السابق حسان دياب المطلوب اليوم الى المثول امام بيطار فيما هو موجود في الولايات المتحدة والنواب علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق والوزير السابق يوسف فنيانوس الذي صدرت مذكرة توقيف في حقه. وتردد ان بيطار قد يقدم اعتبارا من غد ولفترة شهر تقريباً على اصدار مذكرات توقيف بحق المسؤولين السابقين الخمسة ولا سيما منهم النواب الثلاثة في ظل عدم تمتعهم بالحصانة النيابية بعد انقضاء الدورة العادية للمجلس، وفي حال لم يصدر مرسوم بفتح دورة استثنائية قبل حلول الدورة العادية المقبلة. في المقابل فان معلومات ترددت عن احتمال تقديم النواب الثلاثة على تقديم “مراجعة بالارتياب المشروع” في حق بيطار الامر الذي يهدد بتعليق التحقيق.
في المواقف الداخلية البارزة عشية الجلسة أعلن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس “اننا شكرنا الله على خروج لبنان من أزمة الحكومة وشكرناه على تشكيل حكومة جديدة اتخذت شعار “معا للانقاذ”، ونحن اليوم إذ نجدد لها تمنياتنا بالنجاح نأمل ان تعمل كفريق وطني واحد يعكس وحدة الدولة لوقف التدهور والتصدي للعمليات المتواصلة لضرب الدولة ككل والمس بنظامها الديمقراطي”. وشدد على انه “لا يمكن ان تستقيم الدولة مع ممارسات أو مواقف تتنافى وكيانها ومؤسساتها ويسمونها بكل بساطة نقاط خلافية وكأن حلها غير ضروري من مثل حياد لبنان وعدم انحيازه وتصحيح الممارسات المنافية للدستور واتفاق الطائف والطريقة التي تم فيها ادخال صهاريج المحروقات واعاقة التحقيق بجريمة المرفأ كان المطلوب إيقاف التحقيق”، مشيرا إلى ان “ما يعزز أملنا هو ان الظروف الداخلية والاقليمية والدولية التي استولدت هذه الحكومة تسمح لها بالقيام بالملح الذي يحتاجه الشعب اللبناني منها، أذكر أولا اجراء الاصلاحات واستنهاض الحركة المالية والاقتصادية، ثانيا تأمين العام الدراسي ودعم المدارس الخاصة على غرار الرسمية، ثالثا حل أزمة المحروقات والكهرباء واغلاق معبر التهريب على الحدود، رابعا معالجة قضية برادات التفاح منعا لاتلافه”.