الحكومة التي كانت مستعجلة لنيل الثقة من النواب لتجترح المعجزات، أصبحت الطريق أمامها معبدة للقيام بما يلزم لانتشال الشعب اللبناني من الحضيض، وذلك بعد حصولها على ثقة مريحة تخوّلها طرق أبواب المجتمع الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومطالبتهما بدعم لبنان والوقوف إلى جانبه في هذه الظروف الصعبة، تمهيداً لانتشاله من هذه الأزمة التي يتخبط فيها، ولكن بشرط الذهاب إلى الدول الشقيقة والصديقة، وإلى صندوق النقد، والبنك الدولي، وكل المؤسّسات الدولية المانحة بخطابٍ موحّد، وبإصلاحات في الإدارة العامة ومؤسّسات الدولة طال انتظارها.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر وزارية عبر “الأنباء” الإلكترونية عن انطلاقةٍ سريعة للحكومة لمعالجة الأزمات المتراكمة، والمتعلقة حصراً بحياة المواطنين، وتأمين الحد الأدنى لهم من الانفراج المعيشي الذي ينطلق فوراً من الاستفادة من خفض سعر الدولار، وأنّ رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، طلب من وزير الاقتصاد والتجارة، أمين سلام، اتخاذ كافة الإجراءات المتوفرة لدى الوزارة، والطلب إلى التجار، والتعاونيات، والسوبر ماركت، ضرورة إعادة جدولة أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية على سعر دولار السوق، اي بحدود 14 ألف ليرة، وشطب كل الأسعار التي كانت معتمدة قبل تشكيل الحكومة. كما طلب من وزير الطاقة والمياه، وليد فياض، التنسيق مع مصرف لبنان لفتح الاعتمادات اللّازمة لاستيراد المحروقات، وعدم التأخير باعطاء الأذونات بتفريغ البواخر لإغراق السوق المحلي بمادتَي البنزين والمازوت، خاصة مع بداية العام الدراسي، وذهاب التلاميذ إلى المدارس، واستعداداً لموسم الشتاء.
المصادر الحكومية أكدت أن خطة الحكومة المستقبلية تنطلق على خطّين: محلّي، ويتعلّق بتدبير أمور الناس الحياتية والصحيّة، وتأمين الدواء، والمحروقات، والمواد الغذائية، والتخلّص نهائياً من مشهد طوابير الذل على محطات المحروقات؛ والأمر الآخر المُلِح والضروري هو الذهاب إلى صندوق النقد الدولي بخطابٍ موحد، وبرنامج إصلاحي واضحٍ وشفاف.
المصادر نقلت عن الرئيس ميقاتي اهتمامه الشخصي بهذه المواضيع التي يعتبرها أساسية، ويتابعها يوماً بيوم، ووعده بتحسّن الأمور بفترة قياسية.
توازياً، أوضح الخبير المالي والاقتصادي، الدكتور أنيس أبو ذياب، في حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية أنّ المفاوضات مع صندوق النقد مفترضٌ أن تكون قد بدأت رسمياً، فصندوق النقد لديه وفدٌ مفاوض ليفاوض الفريق اللبناني، وقد بدأ باتصالات تمهيدية شارك بقسم منها نائب رئيس الحكومة، سعادة الشامي، وهو معروفٌ بالأسواق المالية.
وأضاف، “أما بما يتعلق بآلية المفاوضات فيجب أن يبعث لبنان برسالة لصندوق النقد تحدّد طلب المساعدة التي هي حتماً نقدية، وبالمقابل تشكيل الوفد اللبناني الذي يتألّف من وزير المال ونائب رئيس الحكومة بصفته المالية، ومن الوزراء المعنيّين بالإضافة إلى حاكم مصرف لبنان والقطاع المصرفي.
وبالطبع ستكون هناك خطة، وهي موجودة وقد تتطلب إعادة تحديث للأرقام حتى لا يتكرّر الخطأ الذي وقعنا فيه وأدّى إلى توقّف المفاوضات الماضية في 9 أيّار 2020”.
ولفت أبو ذياب إلى أنّ قانون الكابيتال كونترول سلك طريقه إلى الهيئة العامة، وتوحيد الصرف يجري العمل عليه في موازنة 2022، ورفع الدعم أصبح واقعاً، وهذا يساعد على اختصار المسافات بالإضافة إلى تكثيف الجلسات لأنّ عنصر الوقت يساعد من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
وأضاف، “بعد الانتهاء من المفاوضات يجب أن تحصل موافقة من قِبل مجلس المحافظين الذي يجتمع شهرياً لإعطاء إشارة القبول”، متوقعاً أن يبدأ لبنان الاستفادة من الصندوق آخر هذه السنة، أو مطلع السنة الجديد، فالثقة برأيه ممكنّ أن تُكتسب فور بدء المفاوضات، فالتعامل في النهاية هو قرار سياسي.