بـ85 صوتاً مقابل 15… بدأت حكومة العهد الأخيرة مشوارها عملياً نحو عملية إعادة ترميم صورة المنظومة الحاكمة بعدما تهشّمت في أعين الناس وباتت تشكل انعكاساً لمرآة الفشل والنصب والاحتيال في نظر الداخل والخارج، حتى بدا انقطاع الكهرباء في جلسة الأونيسكو أمس امتداداً لانقطاع الرجاء والأمل بإمكانية أن تصلح حكومة الأكثرية ما أفسدته هذه الأكثرية نفسها في البلاد.
وبمثابة شهادة شاهد من أهل السلطة، أتت مكاشفة النائب جميل السيّد الرأي العام بحقيقة أنّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ولدت من رحم المحاصصة وليس من رحم معاناة الناس، لتكون تالياً جلسة مناقشة بيانها الوزاري أشبه بمسرحية ممجوجة باعتبارها تحظى سلفاً بثقة الكتل المتحاصصة في مجلس الوزراء، فكان انعقادها لزوم ما يلزم دستورياً، وما لا يلزم على مستوى مقاربة هموم الناس تحت وطأة وقائعها التي حولت جزءاً أساسيا من الجلسة البرلمانية إلى حلبة “رندحة” بين شركاء التفليسة فيما حشرت “القوات اللبنانية” بلسان النواب ستريدا جعجع وجورج عدوان وانطوان حبشي الحكومة في الموضوع السيادي على خلفية التهريب واستقدام النفط الايراني وانتهاك القوانين.
أما على مستوى مجريات الجلسة، فلم يتأخر “حزب الله” في استعراض “فائض قوته” النفطية إثر تأخر انعقادها لانقطاع الكهرباء فسارع عضو كتلته النائب ابراهيم الموسوي إلى بثّ تسجيل مصور يستعرض فيه استحضار مولدات كهربائية إلى أمام باحة الأونيسكو مقدمة من “حزب الله” لضخ الكهرباء في مقر الهيئة العامة، مبدياً استعداد الحزب كذلك إلى تقديم مازوت إيراني لتوليد الطاقة، قبل أن تسارع الأمانة العامة لمجلس النواب إلى نفي أي صلة برلمانية بهذا المازوت مؤكدةً إعادة التيار الكهربائي إلى المجلس من دونه. وتفرّد رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد بإضفاء الشرعية النيابية على المحروقات البرلمانية مشدداً على أنّ “قرار إدخال المحروقات الإيرانية قرار وطني بامتياز وقرار سياديّ يكرّس حقّ الدفاع عن النفس”.
ولأنّ الجلسة منقولة مباشرة على الهواء، لم تخلُ مجرياتها من سيناريوات سجالية تحاكي ما ستحمله المرحلة المقبلة من سجالات ومناكفات مرتقبة بين أركان الصف الحكومي الواحد، وفي هذا الإطار استغلّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل منبر الهيئة العامة لإطلاق حملة اتهامات شعواء بحق شركائه في السلطة. فاسترسل في إلقاء التهم يميناً وشمالاً بالفساد والهدر والسرقة ليتصدى له نائب رئيس مجلس النواب المنشقّ عن العهد وتكتله، إيلي الفرزلي، داعياً إياه إلى “التسمية” إن كان يملك أية معلومات، فأربكه وحشره في خانة “اتهاماته الشعبوية الجوفاء” وفق تعبير مصادر نيابية معارضة، لافتةً إلى أنّ رئيس المجلس نبيه بري “عمّق أكثر أزمة باسيل حين طالبه بإرسال كتاب خطي له يتضمّن أسماء النواب الذين يتهمهم في كلامه”.
وإذ استغربت إصراره على “اجترار شعارات بالية منتهة الصلاحية”، وصفت المصادر باسيل بأنه “ينتحل صفة المعارضة بينما هو ركن أساس في قوى الموالاة رئاسياً ونيابياً وحكومياً”، معربةً عن ثقتها بأنّ مشهدية الأونيسكو أمس تؤكد بأنّ “مجلس الوزراء سيشكل منصة للاشتباك والتناطح بين فرقاء التركيبة الحكومية بدءاً من الصراع على إدارة ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس الحكومة في كلمته الختامية قبيل التصويت على منح الثقة بدء عملية التفاوض مع صندوق النقد معترفاً بأنّ الأمر لن يكون “نزهة”، بينما كشف وزير الاقتصاد أمين سلام لوكالة “الاناضول” أنه “سيتم خلال أسبوع تشكيل لجنة رسمية تتولى ملف التفاوض مع الصندوق وفق إطار قانوني”.