الرئيسية / صحف ومقالات / النهار: معارك العهد وخصومه… قبل الثقة وبعدها!
النهار

النهار: معارك العهد وخصومه… قبل الثقة وبعدها!

القلة القليلة من اللبنانيين التي أتاحت لها إمكانات الحصول على التغذية الكهربائية متابعة جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي ونيلها في نهايتها ثقة نيابية كان يتوقع ان تكون أكبر مما نالته، يجب ان تكون قد تيقّنت مع المراقبين والمعنيين السياسيين، بأن مساراً شاقاً للغاية لهذه الحكومة بدأ مع الثقة، وكان ثمة الكثير من مؤشراته في مجريات الجلسة نفسها. اذ ان العينة الساخرة الأولية التي طبعت هذه الجلسة تمثلت في التأخير الذي طرأ على موعد انعقادها لفترة تجاوزت الساعة مع انقطاع المازوت والعطل الذي طرأ على المولد بما شكل تماهياً حياً في مسرح الاونيسكو مع بيوت اللبنانيين في كل المناطق تحت وطأة ازمة المحروقات والطاقة الخانقة. ثم ان الحكومة التي قطعت عهوداً والتزامات على نفسها توازي عملية انقاذية هائلة للبنان من أزماته الكارثية وفي مقدمها الازمات الأشد إلحاحاً كأزمات المحروقات والكهرباء والدواء والاستشفاء، ومن ثم الازمة المالية والاقتصادية، سرعان ما ذكرتها جلسة الثقة بأن تنفيذ الحد الأدنى من هذه الالتزامات والتعهدات يحتاج إلى فريق عمل متجانس ومتفق على استراتيجية انقاذية وليس مجموعة ممثلين للقوى السياسية تتأثر بتناقضاتهم المتفجرة ومعاركهم السياسية وأجنداتهم الخاصة. هذا البعد السلبي قفز بقوة أمس إلى المشهد الحكومي والنيابي حين قرر ممثل العهد ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل ان يوظف “جميله” على الحكومة بمنحها الثقة ويستثمره في حملة هجومية اتهامية على خصومه، وكذلك على النواب بالجملة وحاكمية مصرف لبنان موجهاً إليهم التُهم بتهريب الأموال إلى الخارج منزهاً فريقه فقط وجاعلاً منه وحده امرأة القيصر. وإذا كان باسيل أشعل في وجهه ردوداً عنيفة كهربت الجلسة، فان السجالات الحادة الأخرى التي جرت في الجلسة المسائية بين نواب من “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية” من جهة و”حزب الله، من جهة أخرى حول مسائل سيادية حارة كالنفط الإيراني والتنقيب الإسرائيلي عن النفط، شكلت النصف الاخر من الرسم السياسي المعقد الذي تجتازه البلاد والذي يتصاعد تباعاً في رحلة العبور الشاق نحو الانتخابات النيابية. ولذا لم يكن نيل الثقة المحسومة أصلا الحدث البارز مقدار ما بدت الجلسة انعكاساً مصغراً لما ينتظر الحكومة من تحديات وافخاخ من داخلها وخارجها سواء بسواء.

والواقع ان الحكومة نالت 85 صوتاً فيما حجب الثقة عنها 15 نائبا وكانت التقديرات ترجح حصولها ثقة بغالبية نحو مئة نائب. وكانت كتلة الجمهورية القوية وحدها بين الكتل حجبت الثقة عن الحكومة مع نواب مستقلين. ولكن المفارقة برزت في تماثل وتماهي معظم الكلمات والمداخلات عند الواقع الصعب والشاق الذي يعيشه اللبنانيون حيث ضاع تماماً التمييز بين نواب يمنحون الحكومة الثقة فيما هم يعلون الصوت بلسان معارض تماماً. كما ان المفارقة الأخرى تمثلت في كثافة الهجمات النيابية على “حزب الله” والعهد والتيار العوني في مسألة دخول المحروقات الإيرانية. وحصلت نقطة التفجر، عندما أعلن رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل إعطاء الثقة للحكومة بسلسلة تبريرات منها قوله “سنعطي الثقة من باب الإيجابية وتحمّل المسؤولية وعدم الهروب منها ولأننا نريد ان نساهم بخلاص البلد وليس بتخريبه. سنعطي الثقة لنقابل رئيس الحكومة بالإيجابية التي بادرنا بها بالرغم من عدم تسميتنا له، لنلاقيه كما لاقانا، ولنلاقي اي ارادة بالإصلاح والإنقاذ. سنعطي الثقة لأن التشكيلة اتت بحسب الأصول، فقد احترم رئيس الحكومة الشراكة الدستورية مع رئيس الجمهورية والتوازنات بالحقائب والطوائف وحق كل فريق بتسمية وزرائه وفق المعايير… ولو مع بعض الخربطة”.

ولكن باسيل بادر بعد ذلك إلى تفجير الموقف باتهاماته للنواب بتهريب الأموال وتغطية مهربيها وقال “نحن في التيار الوطني الحر طالبنا منذ سنتين من البرلمان بلجنة تحقيق برلمانية ووجهنا كتاباً إلى حاكم مصرف لبنان، كذلك تقدمنا بإخبار مع أرقام ووقائع إلى المدعي العام التمييزي، والأهم تقدمنا بقانون لاستعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج، ولا زال هذا القانون ينتظر اقراره من قبل الغالبية النيابية التي لا تزال حتى الآن تحمي أصحاب هذه الأموال، والجزء الأكبر منهم مسؤولون سياسيون ونواب في هذا المجلس ووزراء سابقون وأصحاب مصارف وأعضاء مجلس إدارة واصحاب نفوذ مالي وسياسي. إلى متى هذه الحماية وهذا السكوت المريع؟ وبالمقابل التبجح بحماية أموال المودعين! حماية أموال المودعين تكون أولا بإعادة هذه الأموال، ومجموعها 12 مليار تحويلات عبر المصارف و5 مليارات عبر احدى شركات الشحن حوّلت معظمها باستنسابية لصالح نواب ووزراء واصحاب نفوذ “.

وكان اول من بادر إلى الرد على باسيل نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي الذي سارع إلى مطالبة باسيل بتسمية النواب والا فهو يوجه التهمة إلى جميع النواب وتحداه ان يفعل وقال له “انت تعتدي على الناس”.

وبدوره رد رئيس مجلس النواب نبيه بري على باسيل قائلا ” استهداف المجلس النيابي بشكل “معمّم” لا يجوز”. وفيما ذهب النائب فريد الخازن إلى اتهام باسيل بانه “جبان” متحديا إياه تسمية النواب، تحولت المداخلة والتعقيبات عليها إلى ساحة مفتوحة للسجالات بين باسيل وخصومه. واحتدم سجال اخر مساء بين النائب جورج عدوان والنائب علي عمار بعد اثارة الأول انتهاك السيادة في مسالة النفط الإيراني وقال “عبثا نحاول ترميم علاقات لبنان بمحيطه وعبثا نتحدث عن السيادة اذ لا يحق لاحد استباحة الحدود” واعتبر ان استنكار الرئيس ميقاتي لا يكفي، فرد عمار داعياً إلى ادانة الاعتداءات الإسرائيلية ورد عدوان مشددا على ان القوات ضد كل انتهاك للسيادة.

ورد الرئيس ميقاتي قبيل التصويت على الثقة على مداخلات النواب فتناول نقاطا عدة فقال “اننا نريد السير بالبلد في مسار الإنقاذ والوضع المعيشي صعب ولن يكون هناك مساعدات انتخابية بل ستكون تقديمات للمحتاجين”. وشدد على أولوية تحصين الواقع التربوي وإعادة التلامذة إلى المدارس بكل الوسائل الممكنة وشدد على “اننا مع التحقيق المحايد والصحيح في انفجار مرفأ بيروت للوصول إلى الحقيقة كاملة”. وأعلن بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي “والامر ليس نزهة. كما نسعى إلى تحقيق خطة الكهرباء ونريد إتمام التدقيق الجنائي في كل وزارات الدولة ومؤسساتها ومن أولوياتنا إعادة احياء القطاع المصرفي بشكل مناسب”.

أزمة المحروقات
ووسط هذه الأجواء استمر الذل اليومي الذي يعشيه المواطن اللبناني على محطات المحروقات على وقع الآمال بالتوصل إلى حلول ولو ترقيعية تخفف العذاب اليومي الذي يعانيه كل من أراد شراء المحروقات من السوق النظامية وليس من السوق السوداء التي يتجه صوبها جزء كبير من الطلب اليومي على المحروقات.
ودخل منذ ايام حيز التنفيذ قرار رفع الدعم عن المازوت الذي بات يدفع ثمنه بالدولار الاميركي، فيما افرغت بعض البواخر حمولتها من المازوت والبنزين لتزويد الاسواق، كما تشير المعلومات إلى أن كميات قليلة جدا من المازوت المدعوم ما زالت في خزانات الشركات ومنشأت النفط على أن يتم توزيعها على المرافق الاساسية وما تفرغه البواخر من كميات من المازوت لصالح الشركات أو المنشأت فيتم بيعه حتما بالدولار النقدي على اساس تسعيرة وزارة الطاقة والمياه. وأوضح عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج براكس، أن منشآت النفط بدأت بتسليم المازوت واستيراده تحرّر وما زال جزء صغير منه مدعوماً وسيتمّ تسليم هذه الكمية للمستشفيات والأفران ومؤسسات معيّنة لكي لا يُباع بطريقة غير مدعومة”. أما بالنسبة لأزمة نقص مادة البنزين، فتوقع حدوث بعض الانفراجات المرتقبة منتصف هذا الأسبوع وفق جدول الأسعار الموجود حالياً، وذلك بعد إفراغ بعض البواخر حمولتها”. واكدت مصادر لـ”النهار” انه مع نفاذ أموال الدعم اتخذ قرار تحرير أسعار البنزين وثمة ايام قليلة تفصل عن الاعلان عنه إذ انه من المتوقع تحرير كل اسعار المحروقات. وتحدثت المعلومات مساء أمس عن انفراج متوقع بدءا من اليوم في ازمة المازوت بعدما أفرغت كميات كبيرة من المادة وبات سعرها متحررا كما يتوقع ان يسجل انفراج في ازمة البنزين اعتبارا من غد بعدما سوّي الوضع المالي بين مصرف لبنان والشركات المستوردة ووزارة الطاقة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *