تقلع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي هذا الأسبوع في خطواتها العملية الأولى وسط ظروف بالغة التعقيد والصعوبة سواء على صعيد “شبكة” واسعة من الازمات الحياتية والخدماتية والاجتماعية التي تطبق على الدورة اليومية للبنانيين او على مستوى الواقع السياسي الداخلي اذ بدو لافتا ان توقيت ولادة الحكومة وما اثارته أحيته من رهانات متجددة على مرحلة مهادنة او استقرار سياسي لم يؤد الى تحقيق هذا الهدف. ذلك أن إقلاعة الحكومة يفترض ان تكون ببرمجة عملها في الاتجاهات الأكثر الحاحا من خلال الانكباب أولا على معالجة أزمات المحروقات وإزالة ظاهرة الطوابير واستدراك خطر التعتيم الشامل الذي حذرت من بلوغه مؤسسة كهرباء لبنان في أواخر أيلول الحالي.
أما الموسم الدراسي فبدا انه سبق انطلاقة الحكومة اذ أصدر وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي قرارًا يتعلق بتعديل القرار رقم 385/م/2021 لجهة تأجيل بدء التدريس العام الدراسي 2021/2022 في المدارس والثانويات الرسمية لغاية 11/10/2021، وذلك “إفساحا في المجال لمتابعة الحوار البناء مع ممثلي المعلمين”.
وسيواكب هذه الأولويات التي لا تحتمل أي ارجاء بدء الاعداد لانطلاق مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي حول الخطة الإصلاحية للحكومة وخطة التعافي الاقتصادي. واذا كانت الايحاءات الإيجابية التي تركتها زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لباريس ولقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ومواقف الأخير من تجديد دعمه المتواصل للبنان ساهمت في تعبيد الطريق لانطلاقة “منشطة” بجرعة الدعم الفرنسية لميقاتي وحكومته فان ذلك لم يحجب تكاثف الغيوم في فضاء هذه الانطلاقة خصوصا في ظل معطيين لافتين من ركني التحالف السلطوي العهد العوني و”حزب الله ” . فالعهد الذي يبدو على أهبة تنفيذ اجندته الخاصة في السنة الأخيرة من ولايته يتوزع الأدوار مع تياره الحزبي في وضع أولويات سيحاولان فرضها على الحكومة وبدأ “التيار الوطني الحر” يركز عليها كأولويات للحكومة. أما “حزب الله” فبدا لافتا اعتماده خطابا تصعيديا يواكب خطوته المتدحرجة في توزيع المحروقات الإيرانية وتوظيفها علنا في اهداف سياسية لمصلحة محوره “الممانع” بحيث لم يعد الحزب يتوانى عن الإفصاح عنها. ولعل أكثر ما بدا لافتا في الساعات الأخيرة اقحام الحزب لاستحقاق الانتخابات النيابية في هجماته على “الأعداء ” اللبنانيين والخليجيين بذريعة كلاسيكية هي التخوين وكأنه يحاول اقحام استحقاقات الحكومة في التسخين السياسي والانتخابي من الآن. ولذا ستكون الحكومة من اليوم امام بدء الاختبارات الصعبة وربما الشاقة في إطار دائري واسع وستكون الأنظار مشدودة الى مدى قدرتها على الاستجابة السريعة للمطالب الدولية الملحة لترجمة التزاماتها في بيانها الوزاري التي كررها ميقاتي في لقائه مع الرئيس الفرنسي.
ويعوّل المقرّبون من الرئاسة الثالثة على دور أساسيّ لفرنسا في المرحلة المقبلة على صعيد مواكبة سير الإجراءات الاصلاحية. وتعبّر مصادر الرئيس ميقاتي عن عناوين عريضة سيتمّ العمل عليها بعد الزيارة الفرنسية، التي بدت ناجحة في الشكل من حيث حفاوة الاستقبال وما ذكره الرئيس ماكرون عن مساعدة لبنان ومواكبته اقتصاديّاً من خلال مؤتمرات داعمة للبلاد وتسريع عملية منحه السيولة من أجل ضخّها في الشرايين الاقتصادية. وتعتبر الاصلاحات ممرّ دعم إلزامي لأي صيغة للبنان في وقت يبقى الهامش ضيّقاً ولا بدّ من معرفة كيفية صرف الأموال التي ستحصل عليها البلاد من صندوق النقد الدولي، بعدما توقّف التفاوض في ظلّ حكومة تصريف الأعمال وتأليف حكومة جديدة تتمتّع بكامل الصلاحيات. ويطلب صندوق النقد مجموعة إصلاحات على مستوى آلية العمل المصرفي والمفاوضات ومعرفة من سيتمتّع بالقدرة لوضع كلّ الأمور في المسار الصحيح.
أما الواقع السياسي الداخلي فبدا مشوبا بكثير من الغموض مع تصاعد تفاعلات تصعيد “حزب الله” لعراضات توظيف إدخاله النفط الإيراني الى لبنان التي يراد لها توسيع نفوذ إيران وذراعها على حساب الانتقاص المتعمد من السيادة اللبنانية واستغلال حالة الاستسلام التي تطبع موقف العهد ومعظم القوى السياسية من هذا الاتجاه.
“حزب الله”
وفي هذا الإطار أعلن نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، أنّه “في حال لم تتحرّك الشركات ومصرف لبنان لتأمين حاجات البلاد من المحروقات سنستمر بإدخال المواد النفطية”، واكد أنّ “حزب الله على استعداد لإدخال المازوت عبر المعابر الحدودية المعروفة ولكنّ البعض في البلد يخاف من أميركا وعقوباتها”. وأشار إلى أنّ موازين القوى هي التي أتت بالمازوت الإيراني إلى لبنان، وأي اعتداء إسرائيلي على لبنان سيقابله ردّ من حزب الله حتى لو جرّ إلى حرب.
ولم يقف الامر عند حدود كلام قاسم عن انتصار موازين قوى بل ان رئيس كتلك الحزب النيابية محمد رعد فتح مبكرا ملف الانتخابات النيابية من باب اعتبارها معركة حاسمة مع “تسلط الأعداء واعتقادهم وتوهمهم أن الفرصة سانحة للانقضاض على بيئة المقاومة من أجل الفصل بينها وبين المقاومين” . كما اعتبر “ان هؤلاء زحطوا جميعا بالمازوت وانكشفت المؤامرة وبانت قدرة المقاومة على التحدي والمواجهة والصمود، أكبر بكثير مما يظن المتآمرون ومفتعلو الأزمة”.
وأضاف: “عادوا للتمسكن وشكلوا حكومة نواكبها من الداخل والخارج، ويهيئون الآن الفرصة من أجل خوض الانتخابات النيابية التي هناك شبه إجماع بين الكتل النيابية على موعد الانتخابات في 27 آذار المقبل، بسبب تزامن نيسان مع شهر رمضان المبارك”. وسأل “ماذا يريدون من هذه الانتخابات؟ يريدون الحصول على الأكثرية النيابية ويحضرون كل العتاد والعدة وسنشهد ضغوطا كبيرة على المرشحين من الذين يؤيدون نهج المقاومة، وسيمنعون إذا استطاعوا أن تكون هناك تحالفات وسيضغطون على سحب عدد من المرشحين الذين يمكن أن ينجحوا ويكونوا في صف المقاومة. سيضغطون عليهم إما بالتهديد بمصالحهم خارج البلاد وإما بتهديدهم بعقوبات ستفرض عليهم، وبخاصة إذا كانوا يعملون ولهم مصالح خارج البلاد، وسيحاولون شراء الذمم ودفع أموال باهظة من أجل ان يعدلوا موازين القوى ويسيطروا على الاكثرية المقبلة في المجلس النيابي. كل ذلك توهم منهم بأنهم يستطيعون أن يغيروا المسار السياسي في هذا البلد ويأخذوه الى حيث أخذوا بعض دول الخليج لمصالحة العدو الاسرائيلي وتطبيع العلاقات معه.”
جعجع
وفي المقابل أكد رئيس حزب “القوات اللبنانية ” سمير جعجع ان مسألة المازوت الإيراني تحوّلت إلى عمليّة تدخّل مباشرة وسافرة في السياسة اللبنانيّة الداخليّة من قبل إيران مطالبا الحكومة الجديدة بإيجاد الحلول لهذا الأمر. واعتبر ان المطلوب من الحكومة الجديدة سهل جداً، فهي تريد المساعدات من السعوديّة ودول الخليج وفي الوقت ذاته المكوّن الأساسي وراء هذه الحكومة هو حزب الله وحلفائه. وتابع: مهما قلت سأكون مقصراً، انه عهد الخراب والوبال”.
ولفت الى إن “شيطنة القوات ليست أمرًا جديدًا إنما بدأت منذ الثمانينات مع صعود الرئيس بشير الجميل، وبدأتها وقتها القوى الوطنية والتقدمية ثم تبنّت هذه السياسة أجهزة الاستخبارات السورية وكأنهم كانوا يجلسون في غرفة واحدة مع غوبلز وعلّمهم إياها، ثم أخذها الجنرال عون والتيار الوطني الحر عن الاستخبارات السورية وغوبلز وما زالوا يكملون بها حتى اليوم”. واعتبر أن “جزءًا كبيرًا من أزمة رئيس الجمهورية أنه يريد أن يضع الجميع عند جبران باسيل وكل ما يحصل اليوم هو أن رئيس الجمهورية يحاول أن يؤمّن الولاية من بعده لجبران باسيل وهذا لن يحصل”. ورأى أن “إيران أعطت المحروقات لحزب الله ليس ليحل المشكلة إنما لتحقيق مكاسب حزبية”. وأضاف: “كل قصة المازوت الإيراني أصبحت عملية تدخّل إيراني مباشر بالسياسة اللبنانية الداخلية”.
قضية البيطار
الى ذلك ينتظر ان تشهد الساعات المقبلة تطورا حاسما في المواجهة بين المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار والمسؤولين السابقين الذين ادعى عليهم اذ تترقب الأوساط المعنية مصير التحقيق اذا تبلغ البيطار اليوم طلب النائب نهاد المشنوق رد المحقق البيطار عن التحقيق بما يوجب تعليق مهمته. وفي هذا السياق لفت موقف للوزير السابق أشرف ريفي اذ وجه تحيّة إلى القاضي طارق البيطار محذرا من ان “المجرم يحاول إلغاء التحقيق والسلطة منبطحة عند “حزب الله” ونخشى قيام هذا الحزب بمحاولات لعرقلة التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت”. وقال: “لا مسؤولية لحسان دياب في استيراد نيترات الأمونيوم وتخزينها وعليه المثول أمام القضاء للكشف عمّن طلب منه إلغاء زيارته إلى المرفأ وهروبه هو بقرار من “حزب الله”. وعبّر ريفي عن استغرابه لـ”تحويل دار الإفتاء إلى منبر لعرقلة العدالة والمسؤول الأول عن انفجار المرفأ هو رئيس الجمهورية ميشال عون بخلفيّته العسكريّة”.