عملياً، لم ينتظر المحقق العدلي القاضي طارق البيطار حتى الأمس ليتبلغ قرار “كف يده” بشكله الإجرائي الرسمي، بعدما تبلّغه “فعلياً” الأسبوع الفائت برسالة ممهورة بالأحرف الأولى لـ”حزب الله”، تتوعده بعزله وتنحيته عن متابعة ملف جريمة انفجار مرفأ بيروت، لكونه تجرّأ على تجاوز “الخطوط الحمر” وتضييق الخناق على المنظومة الحاكمة وهزّ أسس أركانها، ما اضطر “الحزب” إلى تصدّر المشهد والتصدي بنفسه للمحقق العدلي والدفع باتجاه “نسف” تحقيقاته واستدعاءاته.
وكما جاء في مضمون الرسالة التهديدية التي نقلها مسؤول جهاز الأمن والارتباط في “حزب الله” وفيق صفا، انهالت الدعاوى على القاضي البيطار من المدعى عليهم في جريمة 4 آب لتهدف في خلاصة مسارها القانوني إلى “قبعه” من منصبه وتعيين بديل “مدجّن” عنه، يتولى رفع راية القضاء البيضاء أمام “منظومة النيترات”… ليحكم بعدالة “القمصان السود” وميزانها القائم على قاعدة “ظهر الباطل وزهق الحق”.
في المقابل، وبينما تداعى أهالي شهداء انفجار المرفأ والناشطون في الحراك المدني لتحرك شعبي داعم للمحقق العدلي ظهر غدٍ أمام قصر العدل “منعاً لوقف التحقيق وعرقلة المحاسبة”، بيّن القاضي البيطار أمس أنه عازم على المضي قدماً والدفاع عن تحقيقاته “حتى الرمق الأخير”، لا سيما وأنه كان قبيل “رفع يده” عن متابعة جلسات الاستجواب إثر تبلّغه من محكمة الاستئناف دعوى “الرد” المقدمة من النائب نهاد المشنوق ضده، قد كرّر في كتابين وجههما إلى كل من وزير الداخلية والمجلس الأعلى للدفاع طلب الإذن لملاحقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، فضلاً عن إحالته قاضياً ثالثاً إلى النيابة العامة التمييزية طالباً الادعاء عليه في ملف انفجار المرفأ… على أن يكون أمام القاضي البيطار الإجابة على تهمة الارتياب به خلال مهلة ثلاثة أيام، بانتظار تبلغ سائر الفرقاء في هذه الدعوى بما يشمل النيابة العامة وطرفي الادعاء.
أما على المستوى الدولي، فبرز أمس تشديد مجلس الأمن على “َضرورة إجراء تحقيق سريع ومستقل وشامل في انفجار مرفأ بيروت”، من ضمن سلسلة نقاط ضمّنها بيانه حول الملف اللبناني، حث فيها الحكومة الجديدة “على تنفيذ الإصلاحات المعروفة والضرورية والملموسة بسرعة وشفافية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة في العام 2022”. وفي الموازاة بدأت معالم “كباش رئاسي” بالظهور على أرضية المفاوضات المرتقبة مع صندوق النقد الدولي، بحيث شكل اجتماع قصر بعبدا الذي دعا إليه وترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون أمس للبحث في ملف المفاوضات مع صندوق النقد “نقزة” في الأروقة الحكومية، باعتبارها خطوة تنمّ عن اتجاه عوني “لاختزال دور رئاسة الحكومة ومجلس الوزراء ووضعهما في موقع ملحق بالرئاسة الأولى وتوجهاتها إزاء مقاربة الملف التفاوضي مع الصندوق”.
ونقلت مصادر مواكبة لهذا “الكباش” أنّ رئيس الجمهورية “غير راضٍ عن ترؤس نائب رئيس مجلس الوزراء أو وزير المالية الوفد اللبناني الرسمي المفاوض مع صندوق النقد لأنهما لا ينتميان إلى فريقه السياسي، ويُصرّ على قيادة دفة المفاوضات بنفسه بذريعة أنه المخوّل دستورياً الإشراف على إبرام المعاهدات الدولية، ولذلك فهو عازم على الإطلاع على كل بند وكل تفصيل متصل بهذه المفاوضات وسحب البساط من تحت أقدام الوفد الحكومي”.
في المقابل، ترد مصادر مقربة من قصر بعبدا بنفي وجود أي نية لاختزال دور رئيس الحكومة في المفاوضات مع صندوق النقد “لأنّ هذا التفاوض بالأساس يجب أن يكون تحت إشراف رئيس الجمهورية وفق منطوق المادة 52 من الدستور”، ومن هذا المنطلق أتى الاجتماع برئاسة عون أمس ليدرس ويناقش “كل الافكار التي من المتوقع أن يطرحها لبنان خلال عملية التفاوض مع الصندوق”، موضحةً أنّ النقاش قارب في هذا المجال مسألة “تأليف لجنة التفاوض والمشاريع والملفات التي ستحملها”.
ووفق المعلومات، فإنّ مجلس الوزراء يتجه في أولى جلساته بعد نيل الثقة غداً الى تشكيل لجنة التفاوض مع صندوق النقد، مع عدم استبعاد مصادر وزارية تشكيلها بالاتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة من دون طرحها على مجلس الوزراء من خارج جدول أعماله غداً. وتشير مصادر حكومية إلى أنّ من سيقود عملية التفاوض هو نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي على أن يشارك في عضوية اللجنة وزيرا المال والاقتصاد، ومن الممكن أن ينضم إليها وزير الطاقة في المرحلة الأولى، ووزير الشؤون الاجتماعية في المراحل اللاحقة، بالإضافة إلى حاكم مصرف لبنان أو مندوب عن حاكمية المصرف المركزي، إلى جانب خبراء سيتم اختيارهم لدراسة مختلف الجوانب والنواحي التقنية ذات الصلة بالملف.
ومع عودة ميقاتي من باريس، وضع الملف التفاوضي مع صندوق النقد “على نار حامية”، لا سيما بعدما تلقى رئيس الحكومة رسائل فرنسية واضحة بوجوب الإسراع في إطلاق عملية التفاوض مع الصندوق كمدخل إلزامي لتنفيذ الخطة الإنقاذية في لبنان، وسط معلومات موثوق بها أفادت “نداء الوطن” بأنّ وفداً فرنسياً سيزور لبنان “قريباً جداً” لمتابعة خطوات الحكومة وتحضيراتها اللازمة لبدء المفاوضات مع صندوق النقد.