بمزيد من العزم والإصرار على استكمال النضال لتحصيل حقوق أبنائهم، تداعى أهالي شهداء مرفأ بيروت أمس لنصرة القضاء وحماية العدالة من “بلطجة” السلطة، فكان تجمعهم حاشداً أمام قصر العدل دعماً للمحقق العدلي القاضي طارق البيطار في مواجهة رسائل الترهيب والتهديد ودعاوى “الردّ وكف اليد” التي حاصرت تحقيقاته وطوّقت استدعاءاته، مطالبين المنظومة الحاكمة بأن تعمد هي نفسها إلى كف اليد عن عرقلة التحقيق ووقف التدخلات الهادفة إلى طمس الحقائق وتحصين المتهمين والمدعى عليهم في القضية.
وإذا كانت وقفة الأهالي جاءت في سياق تحذيري تحت شعار “لن ننسى ولا حصانة إلا للدم” بانتظار قرار محكمة استئناف بيروت في دعوى “الرد”، على أن يُبنى على القرار مقتضاه التصعيدي في حال صب في خدمة أجندة “قبع” البيطار، بدا “فاقعاً” في المقابل التزام مجلسي “الدفاع” و”الوزراء” صمتاً مهيناً للدولة إزاء رسالة التهديد العلنية التي تلقاها المحقق العدلي على لسان مسؤول جهاز التنسيق والارتباط في “حزب الله” وفيق صفا، ليأتي نزع وزير الإعلام صفة “الأمور الملحّة” عن مسألة تهديد القاضي البيطار في معرض تبريره عدم طرحها على طاولة مجلس الوزراء، بمثابة التكريس الصريح لسياسة “لا أرى لا أسمع لا أتكلّم” التي قررت الحكومة انتهاجها في كل ما يتّصل بشؤون “حزب الله”، بعدما دفنت رأسها تحت عجلات صهاريج المازوت الإيرانية منذ اليوم الأول لولادتها.
أما على مستوى العمل الحكومي، فقد بدت انطلاقة مجلس الوزراء أمس رتيبة شكلاً ومضموناً مع جدول أعمال طغت عليه أجواء الذهنية الحكومية القديمة نفسها في مقاربة الملفات والتحديات، فانتهت مسألة تشكيل وفد التفاوض مع صندوق النقد إلى “تسوية” رئاسية أفضت إلى تطعيمه “بنكهة عونية” لضمان تمرير إقرار البند على طاولة مجلس الوزراء، وخلصت المسألة إلى التسليم بترؤس نائب رئيس الحكومة للوفد اللبناني المفاوض مع الصندوق، وعضوية كل من وزيري المال والاقتصاد وحاكم مصرف لبنان، مقابل إدخال اثنين من المستشارين العونيين في عداد الوفد المفاوض، لتأتي الصيغة التسووية لتركيبته على شكل “تفويض” ممنوح من “السيد رئيس الجمهورية بالاتفاق مع السيد رئيس مجلس الوزراء”، والاكتفاء بإطلاع مجلس الوزراء عليه.
وإلى قرارات “الموافقة على موافقات استثنائية” صادرة عن حكومة تصريف الاعمال، وتشكيل لجان وزارية وإلغاء أخرى، وإحالة قضية انفجار خزان الوقود في منطقة التليل في عكار على المجلس العدلي، برز على المستوى العملاني لمقاربة أزمة الكهرباء استمرار سياسة “استجرار” الطاقة عبر مزيد من السلف المالية المستنزفة للاحتياطي بالعملة الصعبة. إذ وافق مجلس الوزراء على “استقراض مبلغ 100 مليون دولار من مصرف لبنان لزوم مؤسسة كهرباء لبنان لتأمين زيادة عدد ساعات التغذية”، وهو قرار خرج وزير الطاقة الجديد وليد فياض إثر انتهاء جلسة مجلس الوزراء ليدافع عنه باعتباره “أفضل طريقة لصرف” الدولار المدعوم.
وأوضحت مصادر مواكبة للملف أنّ فياض طالب بسلفة تفوق الـ100 مليون دولار لكنه لم يستطع تمريرها في مجلس الوزراء، لافتةً إلى أنّ “الحجج والذرائع التي ساقها لا تختلف شكلاً ومضموناً عن مبررات أسلافه من الوزراء الذين أوصلوا العجز إلى 45 مليار دولار بسبب الاستدانة وعدم الاصلاح وتقديمهم الحل الموقت على الدائم”، وشددت في المقابل على أنّ وزير الطاقة الجديد “تناسى في مؤتمره الصحافي الإضاءة على الهدر التقني وغير التقني في الانتاج بنسبة 50 في المئة، وعلى كون الكلفة الحقيقية للانتاج تبلغ اليوم 27 سنتاً (4500 ليرة) وتتقاضاها الدولة وفقاً لشطور تبدأ بـ 35 ليرة للكيلواط ساعة بسبب استمرار الدعم، ويشوبها الكثير من شبهات الهدر والفساد التي تملأ مجلدات”.
أما عن الحجة الثانية التي ساقها فياض في معرض استفاضته في شرح الحلول الظرفية الموقتة قبل “ابتداع” الحل النهائي، فهي أن “تعديل التعرفة يأتي بعد تأمين الكهرباء”، وهو ما اعتبرته المصادر تبريراً يندرج في سياق جدل بيزنطي حول “من وُجد قبلاً الدجاجة أم البيضة”. وسألت: “كيف ستتأمن الموارد المالية لشراء فيول الكهرباء إن لم تُرفع التعرفة بشكل مدروس وتُفعّل الجباية ويخفض الهدر غير التقني آنياً وبشكل سريع؟ وما الذي يضمن أن الكهرباء التي ترفض سلطة الوصاية السياسية إقرار الهيئة الناظمة للقطاع، ستحصل على ثقة المستثمرين والداعمين بالقروض لزيادة الإنتاج؟ وكيف يمكن أن تختلف سلفة المئة مليون دولار عن سابقتها المئتين مليون دولار التي أعطيت للكهرباء قبل ثلاثة أشهر وسرعان ما تبخرت؟”.
وختمت المصادر: “أسئلة كثيرة لم تناقشها الحكومة، بل رضخت سريعاً إلى استسهال حل السلف الذي لن يزيد التغذية باعتراف الوزير نفسه أكثر من 3 إلى 4 ساعات ولمدة شهرين فقط، وبذلك نهدر المزيد من أموال المودعين، ونقطع الطريق على الحلول العلمية النهائية، ونسدّ بالحلول الموقتة كل المنافذ والفرص أمام الإصلاح الحقيقي لقطاع الكهرباء”.