بدا المشهد الداخلي مثقلاً بالأمس، بمجموعة كبيرة من الملفات الحيوية حضرت كلّها دفعة واحدة على موائد المتابعات السياسية والحكومية؛ من الملف الاقتصادي والمالي والاجتماعي المتشعب، إلى ملف الانتخابات النيابية وما يتصل بانتخاب المغتربين، الى ملف التحقيق المُجمّد في جريمة تفجير مرفأ بيروت، الى ملف ترسيم الحدود، وملف التعيينات الإدارية وملء الشواغر في بعض المراكز الحساسة، والذي يبدو انّه سيوضع في القريب العاجل على نار حامية.
وإذا كان ثمة من يقرأ في زحمة الملفات هذه، وتشابكها مع بعضها البعض، صعوبة في فكفكتها عن بعضها البعض، فإنّ مصادر سياسية تعتبر ذلك مؤشراً شديد الاهمية يعكس استنفار السلطة السياسية الجديدة لمقاربة تلك الملفات وبلورة حلول سريعة لها. فيما انّ البارز في صدارة المشهد الداخلي هو الحضور الدولي شبه اليومي فيه، حيث توزّع في الساعات الماضية على مجموعة محاور:
– الأول، عبر الضغط الاميركي على «حزب الله»، والذي تجلّى امس، في إعلان وزارة الخزانة الاميركية عن فرض عقوبات على شخصيات على صلة بجماعة «حزب الله»، واستهدفت مواطنين من قطر والسعودية والبحرين وفلسطينيين.
– الثاني، حول مستجدات التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، بعد طلب كف يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، حيث اكّدت باريس استياءها مما شاب هذا الملف، في تصريح للناطقة بإسم وزارة الخارجية الفرنسية، حول موقف فرنسا من وقف التحقيق الذي يقوده القاضي البيطار في انفجار 4 آب 2020 في مرفأ بيروت، وزعته السفارة الفرنسية في بيروت، وقالت فيه: «تأسف فرنسا لتعليق التحقيق الذي يهدف للكشف عن الحقيقة والمسؤولية عن الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت،ومن حق اللبنانيين معرفة ذلك».
أضافت: «يجب أن تعمل العدالة اللبنانية بشفافية كاملة بعيداً من أي تدخّل سياسي. ويعود للسلطات اللبنانية التمكين من استمرار التحقيق من خلال الموارد المالية والبشرية اللازمة، من أجل إلقاء الضوء الكامل على ما حدث في 4 آب/أغسطس 2020، بما يتوافق مع التوقعات المشروعة للشعب اللبناني. وكما أوضح رئيس الجمهورية الفرنسية لرئيس الوزراء نجيب ميقاتي في 24 سبتمبر (ايلول)، فإنّ فرنسا ستواصل دعم عمل القضاء بشكل مستقل وهادئ وحيادي في ما يتعلق بالتحقيق».
وقد تزامن الموقف الفرنسي مع تحرّك لذوي شهداء المرفأ امام قصر العدل، ومع تغريدة لافتة في هذا السياق لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون قال فيها: «إذا كانت المحاكمة العادية تتمّ على درجتين ودرجة استثنائية، فإنّ قرار المحقق العدلي بالإحالة على المجلس العدلي وحكم المجلس لا يقبلان أي طريق من طرق الطعن. ولكن يبقى انّ أي إدانة أو تبرئة يحدّدهما حكم المحكمة المبرم وليس التحقيق». مضيفاً أنّ «التحقيق ليس القضاء، وإذا اخطأ فهناك ثلاث درجات للتصحيح: البداية، الاستئناف، التمييز». وختم: «يجب أن يستمر التحقيق كي يُدان المذنب ويُبرّأ البريء».
– الثالث، عبر المواكبة الأممية والاوروبية لمهمة الحكومة وجدول الأولويات التي حدّدتها على طريق معالجة الأزمة في لبنان. وبرزت في هذا السياق متابعة سفير الاتحاد الاوروبي في لبنان رالف طراف لمجموعة اولويات، ولاسيما معالجة الأزمة الاقتصادية، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين اللبنانيين، وإصلاحات الحوكمة، الانتخابات واللاجئين. معلناً «اننا مستعدون للعمل مع الحكومة اللبنانية على أساس التزاماتها في البيان الوزاري».
التعيينات
حكومياً، تتبدّى امام الحكومة اولويتان رئيسيتان، الاولى ملف التعيينات والثانية الملف الانتخابي. وقد علمت «الجمهورية»، انّ تحضيرات جدّية لوضع موضوع التعيينات على نار حامية، تشمل ملء الشواغر في بعض وظائف الفئة الاولى ومراكز حساسة والشغور في مجلس القضاء الاعلى.
وتعترف مصادر وزارية عبر «الجمهورية» بحساسية ملف التعيينات، مؤكّدة انّه الامتحان الأصعب للحكومة.
وتلفت المصادر الى أنّ ثمة توجهاً جدّياً لدى الحكومة لإجراء تعيينات لا سياسية ولا حزبية، بل على أساس الجدارة والكفاءة، بعيداً عمّا كان يجري في السابق من محاصصة ومحسوبيات ومداخلات سياسية. لكن الخشية تكمن في أن يُقابل هذا التوجّه بإصرار قوى سياسية معيّنة على فرض تعيينات تأتي بموظفين تابعين يشكّلون امتداداً لها في بعض المراكز والإدارات. فإن ظهر هذا المنحى في وجه الحكومة، فمعنى ذلك نسف مهمتّها من أساسها. وضرب صدقية التزامها امام اللبنانيين والمجتمع الدولي بإجراء تعيينات اصلاحية وفق مبدأ الجدارة والكفاءة وخارج إطار أي محاصصة سياسية.
وقالت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية»، انّ الحكومة التي ستُجري تعيينات سريعة في مجلس الإنماء والإعمار، ومجلس القضاء الاعلى، والجامعة اللبنانية، لن تبادر الى إجراء تعيينات دفعة واحدة للهيئات الناظمة لقطاع الكهرباء والطيران المدني والاتصالات، بل انّها ستقدّم تعيين الهيئات الناظمة للاتصالات والطيران المدني بصورة عاجلة، على أن يؤجّل مؤقتاً تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، والسبب في ذلك اولاً تجنّب اي إشكال مع رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، والثاني أن تؤمّن الكهرباء اولاً. صحيح انّ الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء تعيينها امر ملحّ ومستعجل، ولكن قبل ذلك يجب ان تكون هناك كهرباء، إذ لا يمكن تعيين هيئة ناظمة لقطاع غير موجود. وتؤكّد المصادر انّ الفرنسيين متفهمون للتأخير المؤقت لتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء.
الانتخابات
اما بالنسبة الى الاولوية الثانية، فبحسب معلومات «الجمهورية»، انّ القرار قد اتُخذ لدى مختلف المستويات والمراجع السياسية بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها الذي حُسم بشكل نهائي الاحد في 27 آذار المقبل، وفق القانون الانتخابي الحالي القائم على الصوت التفضيلي والنسبية في بعض الدوائر.
ووفق المعلومات، انّ النقاش الدائر بين الجهات المعنية بالملف الانتخابي أفضى الى حسم مبدأ إشراك المغتربين في هذه الانتخابات، الّا إذا حالت دون ذلك اسباب تقنية ولوجستية. الّا انّ الشق المتعلق بتخصيص 6 مقاعد للمغتربين، يبدو انّ هناك توجّها لتجاوزه. وقد نُقل عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قوله امام وفد الهيئات الاقتصادية الذي التقاه قبل يومين قوله، انّ الانتخابات النيابية في موعدها، «اما في ما يتعلق بانتخاب المغتربين فأنا مع تطبيق القانون. فهم شاركوا في انتخابات العام 2018، ويجب ان يشاركوا في الانتخابات المقبلة». لكن ميقاتي لم يبد حماسة في ما خصّ «نواب الاغتراب الستة»، ذلك لأنّ ثمة صعوبة تقنية تعترض استحداث مقاعدهم، لكنه لفت الانتباه الى انّه ليس هو من يقرّر في هذا الامر بل مجلس النواب.
الهيئات الاقتصادية
إلى ذلك، وفي موازاة المطالبات الداخلية والدولية بسرعة العمل الحكومي وإنجاز اصلاحات نوعية في ادارات الدولة، قدّمت الهيئات الاقتصادية ورقة عمل الى رئيس الحكومة، تضمنت افكاراً وإجراءات ترى انّها تساهم في معالجة الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وتتلخص بالنقاط التالية:
– اولاً، تصويب خطة التعافي المالي للحكومة السابقة.( ومعلوم هنا انّ خطة الحكومة للتعافي قريبة جداً من خطة الحكومة السابقة مع بعض التعديلات والتحديثات لها).
– ثانياً، تحديد مسؤولية الدولة والمصرف المركزي والمصارف في الفجوة المالية، وتوزيع الخسائر نسبياً حسب المسؤوليات، كخطوة اولى لاستعادة الثقة بالنظام المالي اللبناني في الداخل والخارج، والتزامها باستثمار ما تملك من اصول لإيفاء ديونها كمدخل لإعادة الودائع لاصحابها، مع ضرورة التركيز على الشراكة بين القطاعين العام والخاص والـBOT، لاستثمار وإدارة خدمات الدولة في مختلف المجالات.
– ثالثاً، الانخراط في برنامج مع صندوق النقد الدولي يرعى مصالح الاقتصاد الوطني والمجتمع اللبناني، ويصحّح الاختلالات المالية والنقدية الكبيرة، لاسيما لجهة تعدّد سعر الصرف.
– رابعاً، الإنكباب لمعالجة الشق الاجتماعي والمعيشي والحياتي لوقف معاناة اللبنانيين، وتأمين شبكة امان اجتماعي فورية لحماية العدد الاكبر من الأسر اللبنانية من خلال البطاقة التمويلية، واستكمال المنعطف الاجتماعي بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي لتطبيق البرامج المتعلقة بالحماية الاجتماعية، والعمل سريعاً على إنقاذ القطاعات الحيوية التي تعبّر عن هوية لبنان، وفي مقدّمها قطاعا التعليم والاستشفاء.
– خامساً، إقرار موازنتي العام 2021 والعام 2022، على ان يكون هدفها الاول اطلاق النهوض الاقتصادي ولجم التضخم المفرط، وإعادة تفعيل القطاع الخاص ودعم القطاعات المنتجة من خلال الحوافز المالية والإعفاءات الضريبية، وعدم تضمينها اعباء ضريبية اضافية، انما الذهاب باتجاه توسيع قاعدة المكلّفين بكشف المكتومين وتقليص الاقتصاد غير الشرعي ومكافحة التهريب.
– سادساً، الالتزام الكلّي بخطة اصلاحية تلقى دعم المجتمع الدولي واللبنانيين، لاسيما تطبيق كل الاصلاحات الواردة في الموازنات السابقة، ورزمة الاصلاحات التي اقرّتها المؤتمرات الدولية منذ العام 2002 وحتى مؤتمر «سيدر». خصوصاً انّ فتح باب المجتمع الدولي، الذي اظهر تصميماً قوياً على تقديم المساعدات للبنان، يربط هذا الامر بتطبيق الاصلاحات، ولاسيما تعيين الهيئات الناظمة وإقرار وتطبيق قانون الجمارك الجديد وقانون الشراء العام مع تعديلاته المحتملة، وتفعيل الهيئات الرقابية، وإعادة هيكلة القطاع العام وترشيقه وتخفيف حجمه، فضلاً عن إقرار كل التشريعات الاخرى المطلوبة في هذا الاطار.
– سابعاً، إحياء المساعدات التي أُقرّت عبر المؤتمرات الدولية، لاسيما تلك التي تستهدف إعادة إعمار بيروت ومرفئها وإنصاف اهلها، وكذلك مؤتمر «سيدر» لإعادة بناء وتطوير البنى التحتية والخدماتية. وكذلك العمل الجاد لتأمين متطلبات الانماء المتوازن لمختلف المناطق اللبنانية.
– ثامناً، إعادة وصل ما انقطع من علاقات مع العالم العربي، وبشكل خاص مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومعالجة كل الامور العالقة، لما في ذلك من مصلحة استراتيجية واقتصادية واجتماعية للبنان.
– تاسعاً، التأكيد على ضرورة التعاون والتشاور مع الهيئات الاقتصادية وإشراكها في القرار الاقتصادي والمالي على الصعيد التنفيذي.
الجلسة الأولى
إلى ذلك، وعلى الرغم من التعويل على ان تكون الجلسة الاولى لمجلس الوزراء منتجة، فقد جاءت هذه الجلسة التي انعقدت في القصر الجمهوري اقل من عادية، لم تقدّم للمواطن اللبناني ولو دفعة صغيرة على الحساب الكبير المنتظر ان تدفعه على طريق الجلجلة التي قرّرت ان تمشيها نحو هدف تحقيق الإنقاذ الذي وعدت به.
وعلى الرغم من انّ الحكومة استهلت انطلاقتها، بتشكيل الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد الدولي برئاسة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي وعضوية وزير المال يوسف خليل ووزير الاقتصاد امين سلام وخبيرين اقتصاديين ( مستشارا رئيس الجمهورية شربل قرداحي ورفيق حداد).. فيما مشاركة وزيري الشؤون الاجتماعية والطاقة بحسب الحاجة والاختصاص في الملفات المطروحة. الّا انّ ما خرجت به جلسة الأمس اقل من خجول، وليس كافياً بالنسبة الى المواطن اللبناني المنكوب، الذي كان ينتظر ان تكون باكورة العمل الحكومي واحدة من الخضات النوعية التي تلامس جرح المواطن وتحيي لديه الامل جدّياً بانطلاق قطار العلاجات على السكة الإنقاذية.
وقد جاء في المقررات الرسمية للحكومة، وفق ما تلاها وزير الاعلام جورج قرداحي، أنّ «الحكومة أحالت ملف إنفجار التليل إلى المجلس العدلي». كما وافق مجلس الوزراء على تمديد التعبئة العامة إلى 31 كانون الأول (وفق اقتراح مجلس القضاء الاعلى الذي انعقد لدقائق قليلة قبل جلسة مجلس الوزراء)، بالإضافة الى الموافقة على تشكيل لجان وزارية تعنى بشؤون وزارية مختلفة.
ولفت قرداحي الى أنّ «مجلس الوزراء أقرّ الموافقات الاستثنائية التي صدرت خلال فترة تصريف الأعمال»، لافتاً الى أنّه «بحثنا خلال جلسة مجلس الوزراء في جدول الأعمال الذي كان مقرّراً سابقاً، ولم نتطرّق إلى أمور من خارجه إلّا تفاصيل معيّنة بملفّ الكهرباء» حيث جرى البحث في آلية زيادة التغذية بالكهرباء وتقرّر طلب سلفة 100 مليون دولار لمؤسسة كهرباء لبنان.
وقال إنّ «مجلس الوزراء تطرّق في جلسته إلى موضوع القدرة الشرائية عند المواطن، وهناك إجراءات ستُتّخذ في المستقبل، وشُكّلت لجان لمتابعة هذه المواضيع»، كاشفاً أنّ «مسألة النقل بُحثت في جلسة مجلس الوزراء وستُبحث في العمق لاحقاً، ووزير الأشغال شدّد على أهمية هذا الموضوع، خصوصاً بالتزامن مع غلاء المحروقات ووجوب توفّر النقل المشترك».
واعلن قرداحي أنّ «مجلس الوزراء وافق على طلب وزارة الاتصالات تمديد العمل وبشكلٍ موقت وبصورة استثنائية بقرارات مجلس الوزراء المتعلقة بمُضاعفة سرعة الانترنت من دون أي زيادة».
عون وميقاتي
وفي مستهل الجلسة، هنأ رئيس الجمهورية الحكومة على نيلها ثقة المجلس النيابي، وتمنى أن تحظى بثقة المواطنين والمجتمع الدولي. وشدّد على انّ «الثقة تقتضي العمل الجاد والسريع لتنفيذ البيان الوزاري وفق برنامج أولويات ينطلق من الأمور الحياتية والمعيشية».
ورأى الرئيس عون انّ «على الحكومة أن تنكّب على تنفيذ حاجات المواطنين ومنها مراقبة الأسعار وإنجاز البطاقة التمويلية».
اما الرئيس ميقاتي فقال، انّ «التحدّي كبير أن تعمل الحكومة لنيل ثقة الناس، وهذا يتحقق اذا كنّا فريق عمل واحد ومتضامن». وأكّد ميقاتي: «إيصال الناس إلى حقوقها مسؤولية علينا تحمّلها جميعنا، وعلينا ان نلتزم تحقيق أمنيات المواطنين المحقّة خصوصاً الأمن الاجتماعي، ونعمل بسرعة لتحقيق حاجات المواطنين ومنها البطاقة التمويلية والكهرباء والمحروقات وغيرها من الأمور الأساسية».
ولفت الى أنّ «اللقاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان جيداً جداً، ولقد أبدى اهتماماً لافتاً بدعم لبنان، مؤكّداً استعداد فرنسا للمساعدة في أكثر من قطاع ضمن شفافية كاملة. وشدّد على انّ الباب الحقيقي للنجاة هو بداية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي».
الراعي
الى ذلك، اطلق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي، من على منبر المجلس الاقتصادي الاجتماعي امس، خريطة طريق اقتصادية – اجتماعية إنقاذية للبنان، اكّد فيها على العدالة الاجتماعية وتخفيف الفوارق بين الافراد والمجتمعات والشعوب، وتوفير تكافؤ الفرص للجميع على كل المستويات، وتأمين المستوى اللائق من العيش الكريم لكل افراد المجتمع، وتمكين كل شخص من تنمية كفاءاته وقدراته، لضمان مستقبله، ولإمكانية المشاركة في بناء مجتمعه.
ولفت الى انّ الواقع الاجتماعي.» في أسوأ حالات الانهيار. والأسباب الأساسية هي الحرب التي زعزعت أسس البنيان الاقتصادي والاجتماعي عندنا بشكل شبه تامّ، والفساد السياسي ونهب اموال الدولة وهدرها، والخيارات السياسية الخاطئة، ووضع لبنان في حالة حرب بسبب إدخاله رغمًا عنه في أحلاف ونزاعات وحروب اقليمية، وهذا الواقع أوجده في عزلة عن الأسرتين العربية والدولية؛ واستغلال ثورة 17 تشرين من متطرفين ومدسوسين اعتدوا على المصارف والمؤسسات العامة والخاصة والمتاجر، فأعدموا حركتها الماليّة والتجاريّة والاقتصاديّة والسياحيّة. يُضاف اليها الذهنية الماديّة والعقلية الاستهلاكية، والجشع، والتلاعب بالاسعار، والسعي إلى امتلاك السلع وتكديسها، وكأنّها هدف بحدّ ذاتها، لا مجرد وسيلة لتحقيق الذات وتأمين حياة كريمة ومساعدة من هم في حاجة؛ والإدمان على المخدّرات، والبغاء، وتدنّي الأخلاق، والإبتعاد عن الممارسة الدينيّة، والتطرّف الطائفيّ. وفوق كل ذلك غياب أية استراتيجية خلاصية من الحكومات المتتالية والقوى السياسية، وانعدام روح المسؤولية لدى أهل السلطة. لا بل كلهم أمعنوا، بطريقة او بأخرى، ولغاية ظاهرة أو مبطّنة، في افتعال أزمة سياسية حادّة تسببت بأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة».
وطالب البطريرك الراعي المجلس الاقتصادي بوضع الخطّة العمليّة من أجل تحقيق النهوض الإقتصاديّ.