المشهد الداخلي ثابت على تعقيداته، وعلى رغم اكتمال البنية الحكومية لم يلمس المواطن اللبناني أيّ انزياح لهذا المشهد عمّا كان سائداً ما قبل تشكيلها، في الاتجاه الذي يخفّف من الأوزان الثقيلة التي أرهقته.
وكما هو واضح، فإن الحكومة تؤكد على لسان رئيسها نجيب ميقاتي انها ستمضي في طريق الانقاذ، فيما ضغوط الازمة تتفاقم على مدار الساعة، وتستوجب استنفاراً حكومياً شاملاً على كل المستويات، والشروع الفوري بخطوات يتوق المواطن اللبناني لأن يلمس نتائجها السريعة، على منحدر الازمة الذي تتابع انزلاقها إليه بوتيرة خطيرة. وها هي الكهرباء تنذر بعتمة اضافية مع الاهتراء المتفاقم في هذا القطاع، وانتهاء فترة انتداب البواخر التركية، وها هو الدولار يعود الى «التعمشق» صعوداً مطيحاً ما تبقى من قيمة الليرة، بالتوازي مع الجريمة اليومية التي يرتكبها أمراء السوق السوداء، ولصوص الأسعار والاحتكار الذين ألقوا المواطن اللبناني في جحيم الغلاء الفاحش للسلع والمواد الغذائية والاستهلاكية.
قد تبرّر الحكومة بُطأها في طرح العلاجات بأنّها عاكفة على تحضير ملفاتها واولوياتها، الا ان هذا البطء، أياً كانت اسبابه ومبرراته، لا يُعفي الحكومة من مسؤولية المبادرة الى خطوات تردع فيها اللصوص وتكبح عصابات السوق السوداء، فهذه الامور لا تتطلب كثيرَ جهد بل قرار حكومي بفرض هيبة الدولة ورفع العصا بصورة جدية وصارمة ولو لمرة واحدة في وجه هؤلاء، وزَجّهم في السجون، وكلّ هؤلاء معروفون بأسمائهم ومحلات اقامتهم لدى اجهزة الدولة. وليس ان تظهر في مظهر المتفرّج على تفاقم الازمة، على ما حصل في الجلسة الاولى لمجلس الوزراء التي ظهرت فيها الحكومة وكأنها حكومة تصريف أعمال اقتصرت مقاربتها على أمور اقل من ثانوية. جرت تغطيتها بالاعلان عن تشكيل الوفد الرّسمي الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، التي لم يتحدّد موعدها حتى الآن برغم التأكيد الحكومي بأن هذه المفاوضات ستنطلق في القريب العاجل، علماً انّ التباسات رافقت تشكيل الوفد تَأتّت من الاصرار الرئاسي على إشراك مستشارين لرئيس الجمهورية في عداد الوفد.
الحكومة: مستعجلة
وتبعاً لذلك، رفضت مصادر وزارية اتهام الحكومة بالتقصير او التباطؤ، وقالت لـ«الجمهورية»: الحكومة مدركة لعامل الوقت الذي يضغط، ولأعباء الازمة التي تتفاقم وتتزايد، وعلى هذا الاساس وضعت خطة عملها التي ستبدأ بالظهور تدريجاً مع الجلسات المقبلة لمجلس الوزراء».
اضافت: «نحن ندرك ان المواطن مستعجل لكي يلمس ايجابيات وعلاجات سريعة، وهذا حقه بالنظر الى عمق الازمة وحدتها، ولكن الحكومة امام تراكم هائل للمشكلات والازمات لا تحلّ بكبسة زر بل تتطلب صبراً ووقتاً، والحكومة مدركة ان لا مجال لتضييع الوقت فهذا ليس في قاموسها بل هي، وعلى رغم فترة ولايتها القصيرة، مصمّمة على الاستعجال وتسخير عامل الوقت المتاح امامها للعمل والانتاج».
ميقاتي
وفي هذا السياق، برز ما اعلنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي امام زواره في طرابلس امس، حيث دعا الى مؤازرة الحكومة، مشيرا الى انها تعمل كل ما في وسعها انطلاقاً من حرصها على مصلحة لبنان العليا. وقال: «إن لبنان يمرّ بأصعب مرحلة في تاريخه، والتحديات الداهمة كبيرة، والناس تأمل من الحكومة عملاً إنقاذياً ينتشلها من المآسي المختلفة التي تعانيها، وأكد بدء القيام بما يجب فعله لوضع الامور على سكة الحل، معتبرا أن أيّ حل يبقى ناقصاً اذا لم تلقَ الحكومة دعماً من الجميع لكي تقوم بالمهمات الاساسية المناطة بها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتطبيق ما التزمت به في بيانها الوزاري وتعهدت بتنفيذه.
وفي ردّ مباشر على ما قيل حول طلب الحكومة لوساطة فرنسية مع المملكة العربية السعودية امام حكومته، قال ميقاتي: «نسمع الكثير من التحليلات الصحافية التي تتناول علاقات لبنان بالدول العربية وصلت الى حدّ تسويق البعض لوساطات مزعومة وسلبيات مطلقة في المقابل. مع احترامي لما يقال ويكتب، فإنّ الحكومة ستقوم بنفسها، بكل الخطوات المطلوبة لإعادة وصل من انقطع في علاقات لبنان مع الاخوة العرب، ونعلم في المقابل حرص الاشقاء العرب على المحافظة على وحدة لبنان وحمايته من أية أخطار قد تحيط به».
تحليلات وروايات
وكانت تحليلات وروايات عديدة قد أدرجت الاتصال الهاتفي الاخير بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في سياق سلبي، وضعت الرئيس الفرنسي في موقع المتمني على ولي العهد السعودي بأن تقوم السعودية بإجراءات تنقذ لبنان، كما وضعت ولي العهد السعودي في موقع عدم المتجاوب ربطاً بما سَمّته تلك الروايات عدم الرضى السعودي عن آلية تشكيل الحكومة، وعن السياسات اللبنانية المتّبعة، لا سيما السياسة الخارجية والأداء المستمر وتغطية ممارسات «حزب الله» في المنطقة العربية.
هذا، وهاتف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رئيس الوزراء نجيب ميقاتي وهنأه على نيل حكومته ثقة البرلمان، وفق ما نقلته وكالة «الأناضول». وأوضحت الوكالة، أنّ إردوغان «وجّه دعوة إلى ميقاتي لزيارة تركيا، وبحث كل ما يحتاجه لبنان في هذه الفترة الصعبة».
لا جديد قضائياً
من جهة ثانية، لم يطرأ أيّ جديد على صعيد التحقيق العدلي حول تفجير مرفأ بيروت، في وقت اكدت مصادر قضائية لـ«الجمهورية» ان الصورة في ما يتعلق بطلبات رد المحقق العدلي في الجريمة القاضي طارق البيطار، ستتبلور في غضون ايام قليلة. من دون أن تضيف أي توضيحات، بل شددت على عدم استباق اي اجراء بتحليلات وتأويلات وتفسيرات ورسم سيناريوهات استباقية لأي خطوة قضائية ستتخذ في هذا الشأن، لأن من شأن ذلك ان يلبّد الاجواء اكثر مما هي ملبدة.
وردا على سؤال عما اذا كانت دعاوى رد القاضي البيطار سترد، او سيؤخذ بها بما يعني كف يد المحقق العدلي عن التحقيق؟ قالت المصادر: «هذا الامر سري للغاية، والقرار في هذا الشأن في يد المراجع القضائية المعنية، التي هي وحدها تتخذ القرار المناسب. واي تحليلات سابقة لهذا القرار ليست سوى تحليلات خيالية، وبلا أي معنى او قيمة على الاطلاق».
إخبار فضل الله
على صعيد قضائي آخر، حوّل النائب حسن فضل الله كلمته في المجلس النيابي، التي طالب فيها بالتدقيق المالي في حسابات شركات استيراد المشتقات النفطية والأدوية والسلع الحيوية، إلى إخبار للقضاء، قدّمه الى المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم.
وجاء في الإخبار: لمّا كانت شركات استيراد المشتقات النفطية والدواء والسلع الحيوية وشركات التوزيع والتجار الكبار قد استفادوا من الأموال العمومية المتأتِّية من دعم المصرف المركزي فروقات أسعار صرف العملة الوطنية.
ولما كانت الوجهة المقرّرة لهذه الأموال العمومية هي دعم السلع المستوردة لصالح المواطنين، وهو ما لم يحصل بشكل عام، وذهب جزء من المال العام لصالح الشركات والتجار خلافاً للقانون، فتمّ نَهب مال عام ومعه إذلال للمواطنين على محطات المحروقات.
ولما كنا قد تقدمنا بإخبار علني في الكلمة التي ألقيناها في جلسة مناقشة البيان الوزاري بتاريخ 20/9/2021 طالبنا خلالها بالتدقيق المالي في حسابات شركات استيراد المشتقات النفطية والأدوية والسلع الحيوية وفي حسابات شركات التوزيع وكبار التجار للكشف عن حجم الأرباح غير المشروعة التي حققها هؤلاء بسبب الاحتكار ورفع الأسعار والتهريب، وبأن هذه الأرباح غير المشروعة التي جَنوها من أموال عامة منهوبة مطلوب استعادتها وفق ما تنص عليه القوانين المرعية الإجراء، خصوصا أن الحكومة تعهدت في بيانها الوزاري تطبيق القانون رقم 214 تاريخ 8/4/2021 استعادة الأموال المتأتِّية عن جرائم الفساد، فإنَّنا نتوجه إليكم بإخبار حول هذه القضية للقيام بتدقيق مالي في حسابات جميع هذه الشركات ومحاسبتها في حال تبيّن إخلالها بالقوانين المرعية الإجراء واستعادة الأموال المنهوبة.
الانتخابات
إنتخابياً، جدد وزير الداخلية القاضي بسام مولوي التأكيد ان الانتخابات النابية ستجري في موعدها. وهو بحث هذا الأمر مع سفير الإتحاد الاوروبي رالف طراف ومديرة مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيلين مويرو.
ستريدا
الى ذلك، قالت النائب ستريدا جعجع: «سمعنا بعض الأصوات أخيرا التي تريد حرمان لبنانيي الإنتشار من ممارسة ما كفله لهم الدستور من حق، وهو الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات النيابية المقبلة، الأمر الذي هو حق وطني وليس أبدا مسألة حسابية». واعتبرت من جهة ثانية أن «العدل أساس الملك وبالتالي الضمانة الوحيدة لقيام أي دولة هو القضاء، إلا اننا للأسف في لبنان نشهد من يحاول بشتى الوسائل عرقلة هذا القضاء، خصوصاً في موضوع التحقيق في انفجار مرفأ بيروت المشؤوم، وليس آخر المحاولات هو محاولة كف يد المحقق العدلي طارق البيطار عن القضية».
البواخر
وفي تطور كهربائي لافت، أوقفت شركة كارباورشيب إمداد لبنان بالطاقة الكهربائية من باخرتَيها فاطمة غول سلطان وأورهان باي، الراسيتَين قبالة معملَي الجية والذوق تِباعاً، وذلك مع انتهاء العقد صباح امس. فيما نقل عن مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان ان الباخرتين كانتا متوقفتين عن العمل منذ اكثر من شهر بسبب عدم توافر الفيول اللازم لتشغيلهما، ولذلك «لن يكون لهذا الحدث أي تأثير على التغذية الكهربائية».
وقال متحدث باسم الشركة: اعتباراً من 1 تشرين الأول، انتهى عقدنا مع شركة كهرباء لبنان. وبالتالي، سنباشر بعملية انسحاب الباخرتين. إننا ندرك تماماً أزمة الطاقة الحادة في البلاد. خلال السنوات الثماني التي زاولنا العمل فيها في لبنان، وعلى رغم كل التحديات، بَذلنا كل ما في وسعنا لدعم الشعب اللبناني والحكومة للتصدي للتحديات الجوهرية التي يواجهها البلد. نتمنى الأفضل لرئيس مجلس الوزراء وحكومته والبلد ككل في الأشهر والسنوات المقبلة».
إشارة الى أن شركة كارباورشيب تشغّل باخرتيها منذ العام 2013، حيث قامت بتزويد لبنان بإحدى مصادر الطاقة الأقل كلفة والأكثر موثوقيةً، وبتوليد حوالى 370 ميغاواط أي 25% من إجمالي إنتاج الطاقة في لبنان، ما يُعادل 4-6 ساعات تغذية كهربائية في اليوم.