كتبت صحيفة “النهار” تقول: تشكل الحركة الديبلوماسية الكثيفة نحو بيروت منذ أيام، كما اللقاءات المتعاقبة التي يجريها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع ممثلي الدول والمنظمات الدولية، مؤشراً إيجابياً من حيث المبدأ لعودة لبنان، عقب تشكيل الحكومة، إلى اجندات الدول وتبدّل تعاملها معه الذي اتسم طوال ازمة تعطيل التأليف بجمود المبادرات والتحركات في انتظار الافراج عن الحكومة. ومع ذلك بات ثابتاً ومؤكداً ان هذه الحركة لا يمكن التعويل عليها لتضخيم التوقعات والطموحات، وربما أيضا الرهانات، على ترجمة مضمونة عبر دعم دولي سخي للبنان لمجرد ان صار لديه حكومة، اذ ان الامر اشد تعقيداً بكثير من هذا التبسيط لاعتبارات عدة من ابرزها : ان الامتحان الأكثر جدية للحكومة بدأ عبر انطلاق الاتصالات التمهيدية للمفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي، وهي المفاوضات التي ستكون حاسمة هذه المرة سلباً ام إيجاباً تبعاً للمعطيات التي سيقدمها الجانب اللبناني والتي ستلزمه بأقصى قدر من الصدقية والشفافية والالتزام الصارم لموجبات الإصلاح. وإذا كان الموفدون الأجانب إلى بيروت في غالبيتهم الساحقة يرددون لازمة الإصلاحات شرطاً للدعم، فان الوجه الاخر الطارئ للمطالب الدولية الذي بات ينافس مطلب الإصلاحات هو التزام اجراء الانتخابات النيابية في موعدها وضمن معايير النزاهة والحياد والشفافية، الامر الذي صار بمثابة تعميم دولي في التعامل مع لبنان لا يمكن الحكومة ولا القوى السياسية قاطبة تجاهل دلالاته. واما الامر الثالث الذي يبرز أيضاً في مواقف الموفدين والحركة الديبلوماسية الجارية، فيتصل بتطورات قضية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، اذ لوحظ ان هذا الملف صار بنداً ثابتاً في مضامين المحادثات التي يجريها الموفدون مع المسؤولين اللبنانيين بما ينطوي على تحذيرات واضحة وصريحة من تبعات عرقلة او تعطيل التحقيق العدلي، بعدما رسمت المواجهة الأخيرة مع المحقق العدلي طارق البيطار نقزة دولية من تبعاتها وانعكاساتها على التحقيق.
وقد طبعت المشهد الداخلي أمس زحمة موفدين وزوار من المانيا وفرنسا وقبرص وصولا إلى إيران ووزير خارجيتها حسين امير عبداللهيان الذي يبدأ اليوم زيارته لبيروت وسط اتساع الرفض السياسي لدى فئات عدة حيال أوجه النفوذ الإيراني المتفلت في لبنان، والذي ترجمه أخيرا “حزب الله” بفرض امر واقع عبر إدخال المحروقات الإيرانية والضرب عرض الحائط بكل المقاييس السيادية عبر تجاهله الدولة وأجهزتها ومؤسساتها. وتبعا لذلك انطلقت مساء أمس مسيرة دعت إليها “المجموعات السيادية” من ساحة ساسين إلى وزارة الخارجية، رفضاً لزيارة وزير الخارجية الإيراني للبنان. وطالب المحتجّون بـ”تطبيق القرارات الدولية ونزع السلاح غير الشرعي” رافعين شعار “لا للاحتلال، لا لسلطة الخضوع والخنوع”.
لبنان في محادثات الرياض
في مقابل ذلك نقلت مراسلة “النهار” رندة تقي الدين أمس عن مصدر فرنسي رفيع مطلع على المحادثات التي اجراها قبل يومين وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ان السعودية ما زالت على موقفها من الملف اللبناني وأنها تعتبر ان هيمنة “حزب الله” على قيادة البلد وقراره تجعل موقف المملكة متصلباً ازاء دعمه”. وفهم الجانب الاميركي ايضا من ولي العهد السعودي الموقف نفسه إزاء لبنان.
إلى ذلك قال مساء أول من أمس وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن في حديث تلفزيوني مع “فرانس 2 “خلال وجوده في باريس انه تناول مع نظيره و”صديقه” جان ايف لودريان موضوع لبنان وتونس وليبيا. وعلمت “النهار” من مصادر ديبلوماسية غربية ان الحوار حول الملفات الثلاثة يعكس التوافق الاميركي الفرنسي حول القضايا الثلاث، وهي ثلاث أولويات للولايات المتحدة وفرنسا. ولم يدخل الحديث عن لبنان في التفاصيل سوى ان الجانب الاميركي مهتم جداً بسير مشروع تصدير الطاقة من مصر والاردن عبر سوريا إلى لبنان، وان التفاصيل حول هذا المسار لم تنته بعد فالبنك الدولي ايضا دخل على خط هذا المسار، وهناك المزيد من العمل لإنهاء المسار، وعندما ينتهي التخطيط له سترى الادارة الاميركية كيف تضع استثناءً على العقوبات الاميركية لمرور الطاقة عبر سوريا. واضاف المصدر انه في هذه الحالة ولاسباب انسانية من اجل لبنان، هناك استثناء بالعقوبات على سوريا، لذا سيصبح بامكان الاردن ومصر تصدير الطاقة إلى لبنان عبر سوريا. واضاف المصدر ان الاردن لم يبدأ رحلات طائراته التجارية إلى سوريا على عكس ما تردد لان العقوبات الاميركية على سوريا تمنع ذلك ولكن الاعلان الاردني كان يهدف إلى السماح للمسافرين من سوريا ان يمروا ويسافروا عبر الاردن.
في غضون ذلك تلقى رئيس الجمهورية ميشال عون برقية جوابية من الرئيس الأميركي جو بايدن على تهنئته بذكرى استقلال بلاده أكد فيها “سعادة الشعب الأميركي بمساعدة الشعوب كافة على التوصل إلى عيش حياة آمنة ومستقرة ومزدهرة”، معرباً عن “تأثره للعمل معا في سبيل تأمين مستقبل للعالم مليء بالامل”. كما ان الجيش اللبناني تسلم أمس ست طوافات عسكرية هبة جديدة من الولايات المتحدة.
مجلس الوزراء
في غضون ذلك دشنت الحكومة في جلسة مجلس الوزراء الأولى في السرايا، التواصل رسمياً مع الحكومة السورية بتكليفها وزير الاشغال علي حمية التواصل مع نظيره السوري كما مع نظرائه الاردني والمصري والتركي من اجل معالجة ازمة رسوم الترانزيت المرتفعة التي تفرض على سائقي الشاحنات اللبنانية فيما لبنان لا يتقاض رسوماً في المقابل من الترانزيت على ارضه.
واثار وزير الاشغال ازمة الرسوم المرتفعة التي يعاني منها سائقو الشاحنات في عبورهم سوريا وحصل نقاش حول كيفية حل هذه الازمة خصوصاً وان لبنان لا يتقاضى رسوماً من عابري الترانزيت السوريين على ارضه. وطلب الرئيس نجيب ميقاتي من وزير الاشغال القيام بالتواصل من اجل اعتماد مبدأ المعاملة بالمثل فإما فرض الرسوم على الجميع وأما إعفاءات على الجميع.
وأثار بند آخر جدلاً وهو المتعلق بموضوع التعاون في قطاع النفط والغاز وابرام مذكرة تفاهم بين لبنان وقبرص، وقد اتخذ القرار بإرجائه إلى الاسبوع المقبل بعد عودة وزير الطاقة إلى بيروت. وعلم ان وزير الاشغال وباسم الوزراء الممثلين لـ”أمل” و”حزب الله” سجل اعتراضاً على هذا التعاون.
وكانت لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي مداخلة تحدث فيها عن ايجابيات الانفتاح الحكومي على العالمين العربي والغربي مؤكداً ان لبنان سيستعيد علاقاته معهما، انطلاقاً من مبدأ الايجابية التي يحتاجها البلد. واعتبر ان هذا الانفتاح يتطلب ان لا يبقى لبنان ضعيفاً بل ان يستعيد ثقة الداخل والخارج. واشار إلى مؤشرات ايجابية من بدء مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي. وبحسب مصادر وزارية هناك وعود ولكن لا التزامات بمساعدات.
وتحدث ميقاتي عن ارتياح صندوق النقد للجنة التفاوض. وتحدث عن تعاون ايجابي وبناء مع رئيس الجمهورية.
وعلم ان الرئيس ميقاتي طلب من وزير المال الاسراع بانجاز موازنتي العامين 2021 و2022 لأن الموازنة من الاصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي.
وفي المداخلات ايضاً، اثار الوزير جورج كلاس عدم قانونية عملية تسعير المازوت بالدولار لأنه مخالف لقانون النقد والتسليف ولكرامة البلد وقال : “فلتتم معاملة مستهلكي المازوت كما معاملة مستهلكي البنزين، اي بالتسعير بالليرة وفق سعر المنصة. واستشهد بقانون قيصر عندما وضع على سوريا ليشبّه المحتكرين بقياصرة الداخل.
الرئيس ميقاتي ايّد طرح كلاس وقال ان وزير الطاقة اقام علاقات ومحادثات جيدة مع مصر والاردن ونتائجها ستنعكس بقرب وصول الكهرباء إلى لبنان وزيادة ساعات التغذية.
في عمان
وفيما عاد هاجس ازمة المحروقات أمس مع امتناع معظم محطات بيع المحروقات عن فتح أبوابها أمام الزبائن ، ما أدّى إلى عودة الطوابير ولو في شكل محدود، بسبب عدم صدور جدول أسعار المحروقات ، لغياب وزير الطاقة خارج لبنان حصلت حركة كثيفة في عمان في شأن استكمال الاستعدادات لنقل الغاز المصري والكهرباء إلى لبنان عبر الاْردن وسوريا . واستقبل رئيس الوزراء الاردني بشر الخصاونة وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض، ووزير الكهرباء السوري غسان الزامل، في حضور وزيرة الطاقة والثروة المعدنية في الأردن هالة زواتي. وبحسب وكالة الانباء الاردنية (بترا) تركز الحديث على “الخطوات العملية التي يتم اتخاذها على الارض لتسريع إيصال الغاز المصري والكهرباء إلى لبنان عبر الاردن وسوريا لمواجهة تحديات الطاقة التي يمرّ بها لبنان الشقيق”.