الزحمة الديبلوماسية على الساحة اللبنانية لا تزال “حركة دون بركة” حتى الان، فدخول الاميركيين، والفرنسيين، والالمان، والاردنيين، وقبلهم الروس، وبالامس طهران، لم يسفر عن “خارطة طريق” واضحة تخرج البلاد من ازمتها الاقتصادية العميقة، واذا كانت العروض الايرانية مشروطة برفع الحصار الاميركي عن طهران وتقدم الاتصالات الثنائية مع الرياض، فالاصلاحات الجدية تبقى الشرط الاول والاخير لانطلاق المساعدات الدولية، وهذا الامر دونه عقبات كثيرة في ظل اقتراب الاستحقاق الانتخابي الذي بات محسوما حصوله في 27 آذار المقبل. وتزامنا مع زيارة المسؤول الايراني الى بيروت، خرجت اسرائيل عن “صمتها” من خلال تقرير لمعهد الدراسات الاستراتيجية انتقد فيه عدم الشفافية الاميركية في التعامل مع ملفات المنطقة ومنها لبنان حيث بات حزب الله الخطر الاستراتيجي الاول في ظل تطور قدراته العسكرية، حيث كشفت صحيفة وول ستريت الاميركية انه نجح في تزويد ايران بمكونات طائرة مسيّرة اسرائيلية وساهم في تطوير هذا السلاح الذي قلب موازين القوى في المنطقة، وهذا ما يفرض على اسرائيل حسم خياراتها سريعا، اما بحرب استبقاية او الرضوخ للامر الواقع.
في هذا الوقت غاب المازوت الايراني عن “السمع” خلال المحادثات الرسمية مع وزير الخارجية الايرانية حسين اميرعبداللهيان الى بيروت، واختار المسؤولون اللبنانيون وضع “رؤوسهم في الرمال”، وعدم المجاهرة علنا بشكر طهران على مساهمتها بمساعدة الشعب اللبناني، ومن اراد الشكر قام بالامر همسا، ومواربة، اما الاعلان عن العروض الكهربائية الايرانية، والاستعداد لاعادة اعمار المرفأ، فمرت مرور الكرام ولم يأخذ الديبلوماسي الايراني من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي جوابا شافيا واختار “النأي بالنفس” مكتفيا بترداد كلمة “انشالله خير”؟!
“لا حق ولا باطل”
وكان واضحا ان “طيف” العقوبات الاميركية رافق زيارة رئيس الديبلوماسية الايرانية في زيارته الى القصر الحكومي، ما انعكس حذرا واضحا لدى رئيس الحكومة من تقديم اي التزامات بالتعاون المشترك، ووفقا لاوساط قريبة من السفارة الايرانية في بيروت، فان عبداللهيان “لم يأخذ لا حق ولا باطل” من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي اكتفى بالقول “انشا الله خير” على كل العروض الايرانية بالمساعدة والتعاون مع لبنان، ولم يتطرق الى كيفية دخول المازوت الايراني الى لبنان، وفي المقابل لم يعاتبه الدبلوماسي الايراني على “حزنه”… وبدا ميقاتي مهتما بتشجيع طهران على المضي قدما في مفاوضاتها مع الرياض وهو ابلغ الوزير الايراني الحاجة إلى تعزيز ثقة اللبنانيين بالدولة ومؤسساتها ، مشيرا “إلى أن لبنان يرحب بأي جهد يحافظ على منطق الدولة ومؤسساتها الدستورية. وذلك من خلال علاقات طبيعية بين الدول تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة في ما بينها بما يخدم تطلعات شعوبها”. وشدد ميقاتي على ترحيب لبنان بأي جهد من الدول الشقيقة والصديقة والمجتمع الدولي طالما يندرج في سياق مساعدته في الحفاظ على منطق الدولة ومؤسساتها الدستورية ودورها في الحماية والرعاية وتقوية قواها الشرعية الأمنية والعسكرية.
ميقاتي: انشالله خير
وفي هذا السياق تلقف عبداللهيان الخطوط العريضة التي وضعها رئيس الحكومة للتعاون وابلغه ان طهران مستعدة للعمل مع الحكومة اللبنانية على نحو رسمي للمساعدة في كافة المجالات الاقتصادية والعسكرية وابلغه جهوزية الشركات الايرانية لبناء محطتي كهرباء بقوة ألف ميغاوات في بيروت والجنوب خلال 18 شهرا، والمساعدة في اعادة ترميم وبناء مرفأ بيروت، وكذلك تقديم مساعدات عسكرية للجيش اللبناني، فكان جواب ميقاتي “مبهما” لجهة الاستعداد لدراسة الموضوع دون الولوج في التفاصيل، مختتما كلامه بانه “انشالله خير”…!
الخشية من العقوبات
ووفقا لتلك الاوساط، كان واضحا، عدم قدرة رئيس الحكومة على حسم ملف التعاون في ظل القلق من العقوبات الاميركية، ولذلك ربط ميقاتي الانفتاح الرسمي على طهران بنجاح الحوار مع السعودية، كما لم ينس ايضا الاطمئنان على سير المفاوضات النووية في فيينا، وهو حرص على التاكيد باسم الحكومة اللبنانية ترحيبه بالمناخات والأجواء الإيجابية التي سادت جولات الحوار بين إيران والمملكة.
الشكر “بخجل”؟
من جهته، أبلغ رئيس الجمهورية ميشال عون ضيفه “دعم لبنان للجهود التي تبذلها الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتعزيز التقارب بينها وبين دول المنطقة”، ودون ان يتحدث عن شحنات المازوت نوه عون بـالتضامن الذي تبديه ايران مع لبنان في مواجهة أزماته، وبالمساعدات التي قدمتها بعد انفجار مرفأ بيروت… ومن عين التينة، اكد عبد اللهيان بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري ان هناك تشاطرا في وجهات النظر مع دولته على أن كافة الملفات الإقليمية ينبغي أن تحل على أيدي أهل المنطقة بأنفسهم وقد قيّمنا إيجابياً استمرار وتيرة المفاوضات الإيرانية السعودية.
قلق اسرائيلي من واشنطن؟
تزامنت زيارة عبداللهيان الى بيروت مع نشر تقرير معهد السياسة والاستراتيجية الذي يديره اللواء احتياط عاموس جلعاد في اسرائيل تحدث فيه عن تحديات الأمن القومي التي تتعاظم، واشار الى وجود عدم فهم للسياسات الاميركية خصوصا في لبنان، فوفقا للتقرير، سمحت واشنطن لمصر والأردن بمد أنبوب الغاز إلى لبنان عبر سوريا، ولكنها غير مستعدة لتقليص العقوبات ضد نظام الأسد. في المقابل حصل اتصال بين الملك عبد الله مع الأسد أعرب فيه الملك عن تأييده التقارب بين الدولتين وبالاعتراف بشرعية النظام من جهتها لم تفرض الولايات المتحدة عقوبات على الاردن، وبعدم ردها تسمح باستمرار الاتصالات والخطوات بين الدولتين؟
تجاهل لبناء قوة حزب الله!
ولا تقف المخاوف عند هذا الحد، ففي تعليقها على الجهود الدولية في الأسابيع الأخيرة بقيادة فرنسا والولايات المتحدة لاستقرار الساحة السياسية في لبنان، يقول التقرير ان هذه الخطوات تحصل في ظل تجاهل استمرار بناء إيران وحزب الله للقوة ودخول الحزب في الحكومة اللبنانية الجديدة. فيما يواصل حزب الله ترسيخ قوته السياسية والعسكرية دون عراقيل، ولا تملك حكومة نجيب ميقاتي، الذي وصفه التقرير بانه، صديق بشار الأسد، لا الرغبة ولا القدرة للتضييق على خطوات “المنظمة”. والخلاصة ان مشكلة حزب الله تتعاظم وتتفاقم مع تواصل تزود المنظمة بصواريخ دقيقة وقدرات متطورة أخرى.
الخيارات الاسرائيلية؟
اما المعاني الذي يجب استخلاصها من هذه الوقائع حيال لبنان، هو إن تعاظم قدرات حزب الله برعاية الحكومة اللبنانية وبدفع إيراني، يشكل تهديداً استراتيجياً “أول في مستواه”. وبقدر ما تفشل الأدوات الدبلوماسية وخطوات منع نقل الوسائل القتالية من سوريا إلى لبنان، يتطلب هذا من إسرائيل أن تتخذ قراراً استراتيجياً حول ما إذا كانت ستبادر إلى ضربة استباقية والمخاطرة بالتدهور إلى حرب، أم تسلم بقدرات نار دقيقة في لبنان يملكها حزب الله؟.
حزب الله وايران وتطوير المسيّرات
وفي سياق متصل، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الاميركية تقريرا اشارت فيه الى ان قوة المسيرات الإيرانية تقوم بإعادة تشكيل الشرق الأوسط، واللافت في التقرير كلام اسرائيلي عن نجاح حزب الله بتزويد طهران بنموذج اسرائيلي للطائرات المسيرة تم انزاله في لبنان. ونقلت الصحيفة الاميركية عن مسؤولين عسكريين أميركيين وأوروبيين وإسرائيليين تاكيدهم إن إيران تقوم وبشكل متزايد ببناء ونشر الطائرات بدون طيار بشكل يغير من المعادلة في المنطقة التي تقف على حافة النزاع… وفي تقرير سري أعده مركز أبحاث “سي4 إي دي أس” بواشنطن للحكومة الأميركية كشف ان لدى إيران نسخ من القطع الحساسة للتكنولوجيا التي طورت في إسرائيل والولايات المتحدة، فالمسيرات التي ضربت السعودية تحتوي على نسخ مماثلة من محرك قوي طورته الوحدة البريطانية من شركة أنظمة دفاعية إسرائيلية هي “إليبت”. اما النموذج الاهم من المسيرات الإيرانية فقد استخدم في الحرب السورية ويقوم على النموذج الإسرائيلي “هيرمس 450″. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون إن إيران حصلت على هذا النموذج من حزب الله الذي سبق واسقط طائرات مماثلة في لبنان.
دوكان يحدد شروط المساعدة
في هذا الوقت، استقبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي منسق المساعدات الدولية من أجل لبنان السفير بيار دوكان في حضور السفيرة الفرنسية لدى لبنان وخلال اللقاء شدد دوكان على” ضرورة الاسراع في اطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وضرورة التوصل الى اتفاق قبل نهاية السنة ووعد أنه في حال تم التوصل الى هذا الاتفاق وتم تنفيذه فقد تسعى فرنسا الى تنظيم مؤتمر دولي لتقديم مساعدة مباشرة لميزانية الدولة”. كما شدد على “المباشرة بتنفيذ الاصلاحات، وتوحيد الموقف اللبناني خلال المفاوضات”.
كهرباء الاردن والنعي الفرنسي!
وفيما اعربت وزيرة الطاقة والثروة المعدنية الاردنية هالة زواتي عن الامل بتوصيل الكهرباء إلى لبنان بحلول نهاية العام الجاري، واشارت الى ان لبنان يسعى لتمويل خطة نقل الكهرباء من البنك الدولي مشددة ان أي شركة ستعمل على ملف نقل الكهرباء للبنان لن تخترق قانون قيصر، كان لدوكان راي آخر خلال لقائه وزير الطاقة وليد فياض وعلمت “الديار” انه اعرب عن تشاؤمه حيال اقدام البنك الدولي على تمويل ثمن الغاز، واشار الى انه سمع شروطا قاسية لن يستطيع لبنان تامينها للحصول على القرض… في المقابل لا يزال الامل كبيرا لدى فياض باقناع المؤسسة الدولية بالتمويل، وكذلك بالتسهيلات المصرية المرتقبة. وفي السياق عرض فياض امس مع السفير السوري علي عبد الكريم علي، التعاون في ملف استجرار الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر سوريا.
لا عودة “للطوابير”؟
وفي ملف المحروقات علمت “الديار” ان وزير الطاقة اتفق مع مصرف لبنان على تمويل بواخر البنزين حتى نهاية الشهر الحالي، فيما سيصدر اليوم جدول تركيب أسعار المشتقات النفطية، وهذا يفترض ان يؤدي الى عدم عودة “طوابير الذل” على المحطات.
تحقيقات المرفأ وعدم الاختصاص
على خط التحقيقات في جريمة المرفأ،ابلغت النيابة العامة العدلية المحقق العدلي عبر القاضي عماد قبلن القاضي طارق البيطار ان طلبه منها الادّعاء على المدير العام لأمن الدولة اللواء انطوان صليبا ليس من اختصاصها والصلاحية تعود الى المجلس الأعلى للدفاع. تجدر الاشارة إلى أنّ القاضي البيطار عاد وكرّر الطلب نفسه بعد تشكيل الحكومة من المجلس الأعلى للدفاع ولم يتسلّم القضاء الجواب عليه بعد، والأمر نفسه ينطبق على الطلب اليها لإعطاء الإذن لملاحقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
الترسيم بانتظار القرار السياسي؟
قبل ايام من ووصول الوسيط الاميركي الجديد الى بيروت قبل نهاية الشهر، وفيما احيل رئيس الوفد اللبناني المفاوض في ملف ترسيم الحدود البحرية العميد بسام ياسين الى التقاعد، تتجه الانظار الى قرارالسلطة السياسية حيال استمرار ترؤسه الوفد باعتبار ان رئاسته هذه غير مرتبطة فقط بموقعه في المؤسسة العسكرية، مع العلم ان التوجه لابقائه في مركزه بات شبه محسوم بطلب من القيادة العسكرية. وفي موقف لافت، تطرق قائد الجيش العماد جوزاف عون الى ملف المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي فاكد انه بتكليف من رئيس الجمهورية، قام الجيش بواجبه الوطني بالمطالبة بحقوق مياهه البحرية، واليوم، هذا الملف ينتظر القرار السياسي للبت فيه واتخاذ القرار المناسب. نحن نخضع للسلطة السياسية، لأن الموضوع وطني بامتياز ويعني الجميع”.
الانتخابات الى جلسة “التسويات”
في هذ الوقت، رحلت الكتل النيابية كل المسائل العالقة في قانون الانتخابات الى جلسة “التسويات” العامة، ولم تتوافق اللجان المشتركة بالامس الا على تقريب موعد الانتخابات النيابية إلى 27 آذار، مع تحفّظ كتلة “لبنان القوي”، ولانه تم تجاهل البحث في اقتراحات القوانين الانتخابية ووصف النائب انور الخليل مقررات جلسة اللجان النيابية المشتركة بانه يوم أسود في تاريخ تشريع قوانين الإنتخاب، وتخلل الجلسة انسحاب النائبة عن كتلة “التنمية والتحرير”، عناية عز الدين، بعد رفض كل الكتل النيابية النقاش الجدّي في اقتراح “الكوتا” النسائية، كما صرّحت بعد خروجها من الاجتماع.