لم يكن خافياً أمس أنّ معركة الاستحقاق الانتخابي انطلقت عملياً تحت قبة البرلمان، حيث ظهّرت جلسة “العصف النيابي” على طاولة اللجان المشتركة معالم خريطة تموضعات سياسية متقابلة، إزاء عملية اقتراع المغتربين في دورة 2022، ليتبين إثر احتدام النقاش على تطبيقات البند الاغترابي من قانون الانتخاب، وجود انقسام عمودي في الموقف، بين كتلتي “القوات اللبنانية” و”التقدمي الاشتراكي” من جهة، وكتلتي “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” من جهة أخرى، على خلفية تأييد الفريق الأول توسيع رقعة تصويت المغتربين ليشمل جميع الدوائر الانتخابية كما حصل في دورة الـ2018، مقابل إصرار الفريق الثاني على حصر مفاعيل أصوات الاغتراب بـ”المقاعد الستة”، وفق ما نقلت مصادر نيابية، مشيرةً إلى أنه “أمام حماوة المعركة بين الفريقين وبرودة الموقف من جانب كتلتي “حركة أمل” و”تيار المستقبل”، تقرر إحالة البت في هذا البند إلى الهيئة العامة”.
وكما في المجلس النيابي حيث بدأ “الثنائي الحاكم” المعركة “على المكشوف” لتطويق ثقل أصوات المغتربين في ميزان الأكثرية النيابية المقبلة، كذلك على مستوى البلد لم تعد خافية على الملأ محاولة فرض أجندة استتباع الدولة وإلحاقها بالدويلة التي زرع “حزب الله” بذورها عميقاً في أرض الشرعية، بعد أن أنهكها حرثاً وغرساً على امتداد عقود. ليبدو جلياً من أداء “الحزب” في الآونة الأخيرة أنّ موسم “قطافه” السلطة حان ولم يعد مضطراً للحكم من خلف “حجاب” بعد اليوم، سيما مع التصاعد الملحوظ في الآونة الأخيرة لمنسوب “رسائل” التهديد والوعيد في كل اتجاه وصوب، مستهدفاً بـ”صليات” مركزة تحديداً “القضاء والأجهزة الأمنية”، بغية تطويعها وتطويق آخر معاقل الشرعية المتمردة على خيار التسليم والخضوع لسطوة “الحزب الحاكم” رئاسياً ومجلسياً وحكومياً.
فبعدما اندرجت خلال الفترة الأخيرة جملة مؤشرات بارزة في خانة تكريس هذه السطوة على مختلف مفاصل الدولة، من “رسالة” التهديد الفجّة للمحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق البيطار على لسان وفيق صفا، إلى رسالة “الترهيب والترغيب” الواضحة لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي في ملف التطبيع مع سوريا على لسان الشيخ نعيم قاسم، مروراً بالرسالة الأخطر التي توعد من خلالها السيد هاشم صفي الدين بحرب قادمة سيحدد “حزب الله” توقيتها الملائم لاجتثاث “الأميركيين” من “الأجهزة”… توقف المراقبون باهتمام بالغ عند مضامين “رسائل” اليرزة أمس والتي حملت في طياتها تأكيداً صريحاً على كون الأجهزة الشرعية هي الوحيدة ضمانة بقاء “الأرزة”، بجيشها وشعبها ومؤسساتها منعاً لسقوطها في قبضة “الميليشيات المسلحة”.
وبهذا المعنى، قرأت المصادر المراقبة بين سطور كلام قائد الجيش العماد جوزيف عون خلال اجتماعه مع أركان القيادة العسكرية وقادة الوحدات والأفواج، تشديداً متجدداً على مركزية الجيش في مهمة الدفاع عن لبنان باعتبارها “مهمة مقدّسة وعقيدة ثابتة”، مؤكداً أنّ “لبنان بحاجة أكثر من أي مضى” إلى مؤسسته العسكرية لكونها “الأمان والضمانة” له ولشعبه في مواجهة سيطرة “الميليشيات”، متوجهاً في الوقت عينه إلى العسكريين بالقول: “لا تكترثوا للشائعات وحملات التحريض والمقالات المسيئة الساعية الى أهداف بتنا نعرف خلفياتها”.
كذلك بدت لافتة رسالة العماد عون إلى السلطة السياسية بوجوب تحمّل مسؤولياتها الوطنية والسيادية في ملف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية. فهو في مقابل تنويهه بـ”احترافية ومناقبية الوفد العسكري في جلسات التفاوض التقنية”، نأى في الوقت عينه بالجيش عن تقديم أي تنازلات حدودية في ملف الترسيم، معيداً رمي الكرة إلى ملعب “القرار السياسي للبت في هذا الملف واتخاذ القرار المناسب”.
وفي الغضون، تسلطت الأضواء على زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بيروت، حيث جال أمس على المقرات الرئاسية واعداً بالاتجاه نحو مزيد من “تشبيك المصالح” بين إيران ولبنان، إلى أن كانت “ذروة” تعبيره عن هذا الاتجاه من على منبر وزارة الخارجية، مؤكداً العمل على تفعيل اللجان والعلاقات المشتركة في كافة الميادين والمجالات والقطاعات، بالاستناد إلى اعتبار “الجمهورية الاسلامية الايرانية لبنان بلداً شريكاً في المنطقة”.
وإذ تعمد الوزير الإيراني زجَّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في صلب ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” بقوله: “نحن نعتبر أن لدى لبنان بشعبه وجيشه وحكومته وبمقاومته قدرة كبيرة على الصمود”، استحضر من قصر بسترس في سياق التنويه بانتصار محور المقاومة “أرواح الشهداء عماد مغنية والفريق قاسم سليماني وقائد الحشد الشعبي في العراق ابو مهدي المهندس”، بوصفهم “القادة الذين خطّوا طريق المقاومة وصنعوا انتصاراتها من لبنان والعراق وايران”.