كتبت ” الاخبار” تقول:عروض مغرية، لكن الواجب يستدعي التمهّل لأن البلد لا يتحمّل عقوبات أميركية”. هكذا كان الردّ اللبناني على تكرار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان استعداد بلاده لمساعدة لبنان والاستثمار في مجالات الكهرباء والنفط والنقل وغيرها. لم يكن العرض جديداً، ولا الرد خارج التوقعات، في بلد يخشى مسؤولوه أي محاولة – ولو على سبيل المناورة – لفك الخناق الأميركي عنه، ويمعن “سياديّوه” في رفض “النفوذ الإيراني” ولو على شكل مساعدات من دولة لدولة.
ذريعة “العقوبات الأميركية” الجاهزة لرفض العروض الإيرانية هي ما سمعه عبد اللهيان من مضيفيه اللبنانيين وعلى رأسهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. ومن باب “إلقاء الحجة” لم يتردد الضيف الإيراني في توجيه النصيحة بأن “انظروا إلى ما فعل الأفغان والعراقيون على رغم العقوبات، وهم من طالبوا الأميركيين باستثناءات سمحت بفتح منافذ كثيرة”، فكان الردّ الحكومي، من باب التمييع لا أكثر، طلب مساعدة إيران في “شرح الإجراءات التي يجب اتخاذها لطلب الاستثناءات”، وكأنها المرة الأولى التي “تكتشف” فيها الحكومة اللبنانية وجود استثناءات كهذه!
أمس، أنهى عبد اللهيان زيارته بمؤتمر صحافي أكد فيه “أننا سنساعد لبنان الشقيق للعبور من أزمته (…) ومستعدون للمساعدة باستثمارات إيرانية أو لبنانية لإقامة معمليْن لإنتاج الكهرباء”، كما “سنواصل إرسال المشتقات النفطية، ونأمل بأن يكون ذلك في المستقبل في إطار اتفاقيات بين البلدين”.
عبد اللهيان: سنواصل إرسال المشتقات النفطية ونأمل بأن يكون ذلك في المستقبل في إطار اتفاقيات بين البلدين
وعلى رغم أن ردود الجانب اللبناني كانت مخيّبة كالعادة، إلا أن الزيارة ليست تفصيلاً عابراً، وقد حملت مضامين مهمة، منها:
أولاً في الشكل، جاءت الزيارة في سياق جولة شملت روسيا وسوريا في مؤشر إلى المكانة التي يحتلها لبنان في التفكير الإستراتيجي لطهران، وأهميته في المجال الحيوي الإيراني على المستويين السياسي والأمني. وزيارة عبد اللهيان إلى دمشق وبيروت، بعدَ بغداد في 28 آب الماضي، تؤكّد الأهمية المتساوية للبلدين بالنسبة للجمهورية الإسلامية.
ثانياً، تعد الزيارة رسالة إيرانية إلى الخارج، مغزاها بأن الصراع مع إسرائيل لا يزال يحتل صدارة الأولويات لدى طهران، بعدَ أن طغى الملف النووي على جدول أعمال الحكومة السابقة. وعزز ذلك اللقاء الذي جمع عبد اللهيان والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرلله.
ثالثاً، تأتي الزيارة بعدَ الخطوة الأولى في عملية كسر الحصار، والتي تمثلت باستقدام بواخر المحروقات الإيرانية للتخفيف من الأزمة على رغم كل التهديدات الخارجية، لتؤكد بأن الجمهورية الإسلامية جاهزة لمزيد من الإجراءات التي تساعد في كسر الحصار، ودعم حزب الله في مواجهته للحرب الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة ضد لبنان، ويمكنها أن تكون حاضرة وشريكة في مجالات أبعد بكثير من مجرد نقل المحروقات. وهو ما أشار إليه الضيف الإيراني بوضوح أمس عندما أكد أن بلاده “على استعداد لتأمين حاجات لبنان من الأدوية والأغذية والمستحضرات الطبية، وأكدنا للمسؤولين اللبنانيين استعدادنا لإنشاء مترو الأنفاق (…) وللتعاون في المجالات كافة”، لافتاً إلى أن “دول المنطقة وشعوبها لن تسمح للولايات المتحدة أن تنجح في حربها الاقتصادية وحصارها على لبنان، ونأمل من خلال الانفتاح الإقليمي بكسر الحصار الذي يستهدفنا جميعاً”. وأعلن من بيروت أن “المحادثات الإيرانية – السعودية تسير في الاتجاه الصحيح، ونحتاج المزيد من الحوار. حتى الآن توصلنا إلى اتفاقات معينة”، مؤكداً أن “دور إيران والسعودية له أهمية بالغة على صعيد إرساء الاستقرار في المنطقة”.