كتبت صحيفة “الديار” تقول: رفع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سقف المواجهة مع قاضي التحقيق في ملف تفجير المرفا طارق البيطار، متهما اياه بالتلاعب بالتحقيقات لاهداف سياسية محذرا من تداعيات خطيرة في هذا الملف على المستوى الوطني، وذلك بعد ساعات على رد محكمة التمييز طلب “كف” يده عن الملف، وسيكون السباق على اشده صباح اليوم بين تسلّم المحقق العدلي دعوى جديدة بحقه قدمها محامو الدفاع عن النائب علي حسن خليل والنائب غازي زعيتر، وبين اصداره مذكرة توقيف وجاهية بحق خليل الذي قرر عدم الامتثال وعدم حضور محاميه للجلسة.
وبانتظار ما سينتهي اليه “الكباش” القضائي- السياسي، الذي دخل “منعرجا” جديدا، لم يكن مفاجئا ان تنفجر كل “الالغام” دفعة واحدة في وجه الحكومة، وليس مفاجئا ايضا انها لا تملك القدرة على تجنب اضرارها، فالعتمة الشاملة كانت مرتقبة، ولا يملك وزير الطاقة الا طلب المزيد من القروض لابقاء “الشبكة” على قيد الحياة، اي تغذية لاربع ساعات يوميا، الدولار يحلق والليرة في “موت سريري” ولا قدرة على “انعاشها”، الاسعار تتجاوز القدرة الشرائية للبنانيين بعد رفع الدعم عن المحروقات وانفلات الاسواق، ولا تقديمات اجتماعية جاهزة، انها “الفوضى” التي لم تستطع الحكومة لجمها حتى الان او تقديم “خارطة طريق” للخروج منها في وقت تدخل البلاد “حمى” الانتخابات النيابية التي بدأت تتراكم الشكوك حول جدية اجراءها بعدما بدا “الكباش” يطل براسه حول موعد اجراءها بين بعبدا وعين التينة.
وبانتظار الوفد الاميركي الذي يبدا جولته الخميس المقبل في بيروت، يطل ملف استجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية براسه من جديد بعدما بات مؤكدا ان ما سيصل الى لبنان هو غاز اسرائيلي بحكم التداخل في عملية الاستجرار بين الدول الثلاثة، وسيكون هذا الملف على طاولة البحث بين الرئيسين عون وميقاتي اضافة الى ملف ترسيم الحدود البحرية حيث ينتظر الاميركيون اجوبة حاسمة حيال الملفين ويعتبرانهما انجازا للادارة الجديدة في واشنطن، فما الذي سيكون عليه الموقف اللبناني؟
“الغاز” الاسرائيلي بين ميقاتي وعون؟
وفي هذا السياق، علمت “الديار” من مصادر مطلعة على معطيات هذا الملف، ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سمع كلاما واضحا من الملك الاردني عبدالله الثاني باستحالة الفصل بين الغاز الاسرائيلي والغاز المصري، وكذلك كان واضحا باستفادة بلاده من هذا الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية في الاردن والذي سيتم تزويد لبنان منه، وهذا يعني انه بات من المؤكد بان كل ما اوردته وسائل الاعلام الاسرائيلية في هذ الصدد كان صحيحا لجهة سكوت الطرف اللبناني عن الاستفادة من الغاز الاسرائيلي تحت وطأة الحاجة للكهرباء، وعدم اغضاب الاميركيين الذين نسجوا هذا المخرج لمنافسة امدادات النفط الايرانية الى لبنان. ووفقا للمعلومات سيبلغ ميقاتي اليوم قبيل جلسة الحكومة رئيس الجمهورية ميشال عون بنتائج محادثاته “الغازية” في الاردن، ومن غير المعروف حتى الان ماهية المخرج الذي سيتم الاتفاق عليه بين الرجلين لتبرير المضي في المشروع، خصوصا ان البدائل تبدو صعبة للغاية ولا يريدان تحمل عواقب منع استجرار الكهرباء في وقت تغرق البلاد في العتمة، وكذلك اغضاب الاميركيين الساعين لانجاح هذه الخطوة باعتبارها “تطبيعا” مواربا سيبنى عليه لاحقا خصوصا ان لبنان واسرائيل مقبلان على العودة الى طاولة التفاوض غير المباشر حول ترسيم الحدود البحرية، وترغب واشنطن بالتواطؤ مع تل ابيب بمراكمة خطوات تعزيز الثقة مع بيروت، بعدما بات واضحا ان جزءا من القيادات السياسية “مرعوبة” من العقوبات الاميركية وتخشى على مصالحها السياسية والاقتصادية في الداخل والخارج.
انتصارات اميركية “وهمية”!
وفي هذا السياق، ينقل زوار السفارة الاميركية في بيروت عن السفيرة دوروثي شيا تاكيدها ان بلادها تحقق تقدما على طهران وحزب الله في بيروت من خلال ملفين الاول استجرار الغاز من مصر والاردن، والثاني منع تعديل الحدود البحرية “ودفن” الخط 29 والعودة للتفاوض على اساس الخط 23. في المقابل ترى اوساطا سياسية مطلعة ان عوكر تخوض معارك وهمية وتدعي تحقيق انتصارات غير واقعية لان حزب الله ليس طرفا في النزاع الحدودي البحري، وليس الطرف المعني بحسم ملف الغاز، علما ان ثمة جهات تسعى لاستدراجه الى “الحلبة” لتحميله مسؤولية ملفات لا يديرها بنفسه وسبق واعلن انها مسؤولية الحكومة والدولة اللبنانية التي عليها اتخاذ خيارات حاسمة في ملفي الغاز والحدود لا ان تبقي الامور مبهمة وخاضعة للتاويل، مع العلم ان المعنيين مضطرين لاعطاء اجوبة خلال ايام مع قرب وصول “الوسيط” الاميركي الجديد الى بيروت.
لا غاز عربي نقي؟
وفي هذا السياق، وبعدما تحدثت صحيفة “هارتس” الاسرائيلية عن توقف محطات توليد الطاقة الكبيرة في لبنان عن العمل نهاية الأسبوع الماضي، اشارت الى ان الإدارة الأميركية تقوم بحياكة مشروع نقل الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان بشكل منظم وعلني، لكن الغاز المصري “مختلط” بالغاز الإسرائيلي، والكهرباء الأردنية يتم إنتاجها بواسطة الغاز الإسرائيلي. ولا طريقة للفصل بين الغازين، وهو امر تعرفه الحكومة اللبنانية وبات بمثابة “لغم وطني”، لانه لا يمكن نقل غاز عربي “نقي” إلى لبنان، بحسب “هارتس”!
اسرائيل تبحث عن “الثمن”؟
وفي السياق نفسه، اكدت القناة الإسرائيلية 12 إن الغاز المعد للنقل من مصر إلى لبنان عبر سوريا ما هو في الواقع سوى غاز إسرائيلي. واكدت ان كافة الأطراف الضالعة في الموضوع تدرك هذه الحقيقة ولا أحد يتحدث عنها علانية، وتطرق التقرير الإسرائيلي عند هذه النقطة، إلى النتائج المترتبة على هذه الخطوة، من الناحية السياسية والفعلية، ناهيك عن الثمن الذي يتوجب على إسرائيل أن تطالب به لقاء دورها في إنارة لبنان.؟!
نصرالله يرفع سقف المواجهة
في غضون ذلك، اكد الامين العام لحزب الله السيد نصرالله تمسك حزب الله باجراء الانتخابات في موعدها، وايد حصول اقتراع المغتربين في الخارج طالما انه يحقق مصلحة وطنية، وانتقد عدم الدعوة الى جلسة استثنائية للحكومة لمواجهة دخول البلاد في العتمة الشاملة، ودعا رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ان يكون هذا الملف اولوية على جدول الاعمال، ودعا الحكومة لوضع البلاد على طريق الحل الجذري، وقال انه يجب حسم الامور اتجاه العروض المقدمة، يجب ان تقبل او ترفض، واقترح استخدام المليار دولار المقدمة من صندوق النقد لمعالجة الازمة وقبول العروض المقدمة من الشرق او الغرب، الا اذا كان هناك “فيتو” اميركي، ولهذا يجب مصارحة اللبنانيين بهذا الموقف لكي يتخذ اللبنانيين موقفا من هذا الامر. وكشف ان احد المسؤولين طلب من عبداللهيان ان تطلب ايران هذا الاستثناء من الولايات المتحدة، وتهكم عليه قائلا، هل من المعقول ان يطلب مسؤول لبناني من دولة على عداء مع واشنطن ان تطلب هذا “الاستثناء”! وشكك السيد نصرالله بما يجري في ملف الكهرباء، وقال ان ثمة خشية من وجود خطة خفية لانهيار قطاع الكهرباء لاظهار الدولة عاجزة والذهاب الى خيار الخصخصة.
وبعد ساعات على حصول القاضي طارق بيطار على حماية قضائية في تحقيقات المرفأ، رفع الامين العام لحزب الله السيد نصرالله من سقف المواجهة متهما اياه بتوظيف دماء الشهداء في خدمة استهدافات سياسية، وقال “ان حزب الله يريد الحقيقة والمحاسبة، والمطلوب العدالة في الملف، لكن القاضي بيطار لم يستفد من تجربة القاضي فادي صوان، بل ذهب الى ما هو اسوأ، وهو يمارس الاستنسابية، ويعمل بالملف في السياسة، وهو يوظف دماء الشهداء في خدمة استهدافات سياسية، وهذا لن يوصل الى الحقيقة”…
هكذا ينحرف التحقيق؟
وقدم السيد نصرالله دلائل على انحراف التحقيقات، وقال “هذا ليس قضاء وانما سياسية، فمنذ وصول النيترات مرّ رئيسا جمهورية، فلماذا لم يستمع القاضي للرئيس عون مع انه طلب هو ذلك، ولماذا لم يستمع ايضا الى الرئيس ميشال سليمان؟ كما تعاقب على رئاسة الحكومة عدد من الرؤساء فلماذا استضعاف الرئيس حسان دياب واصدار مذكرة جلب بحقه، فماذا عن رؤساء الحكومة السابقين؟، لماذا لم يستمع اليهم او يستجوبهم؟ السؤال ايضا لماذا لم يستدع وزراء حاليين بل ذهب الى وزراء سابقين؟ واين وزراء الاشغال والداخلية السابقين والمالية والدفاع والعدل؟ ماذا عن قادة الاجهزة العسكرية السابقين والحاليين؟ كل هذا يفيد بوجود الاستنسابية. فالقاضي بيطار، بحسب السيد نصرالله، يتعامل بانه الامر الناهي، بل يرفع السقوف، وبدل التحريض على السياسيين، يجب ان يجيب عن سؤال حول من جلب الباخرة والنيترات، وكيف حصل التفجير، وابلاغ اهالي الضحايا من قتل اولادهم واحباءهم، لكنه يصر على التسييس من خلال التركيز على الاهمال الوظيفي، وهؤلاء يجب ان ينالوا اقسى العقوبات، ولسنا هنا لحماية احد، لكن اذا استمرت الامور على هذا النحو فنحن ذاهبون الى كارثة”.
تحذير من التداعيات
ولفت السيد نصرالله الى ان مسؤولية القضاة عن عدم التصرف بالنيترات هي الاكبر، لكن البيطار لم يستدعهم ولم يوقفهم لانه يريد حمايتهم، فاين القانون والاخلاق، هو تذرع بالقانون وارسلهم الى محكمة القضاة، لكنه يرفض تطبيق القانون مع النواب والوزراء. وخلص نصرالله الى توجيه انتقاد شديد اللهجة الى الجهات القضائية التي ردت طلب عدم الاختصاص، وطالب مجلس القضاء الاعلى بالاجابة عمن هو المختص، وقال “ان ما يحصل خطا كبير جدا وسيصل الى الظلم واخفاء الحقيقة، نحن نريد قاض شفاف، ولا نريد اقفال التحقيقات، والموضوع ليس شخصيا بل له تداعيات وطنية، واذا لم يحل هذا الموضوع في مجلس القضاء الاعلى على مجلس الوزراء ان يتخذ الموقف المناسب، لان هذا الموضوع لا يمكن ان يكمل بهذه الطريقة”.
ماذا سيفعل البيطار؟
ووفقا لمصادر مطلعة، سيكون السباق على اشده اليوم بين اتخاذ القاضي البيطار قرارا بتوقيف النائب علي حسن خليل الذي قرر عدم الحضور اليوم الى جلسة التحقيق، وبين تسلمه دعوى كف يده المقدمة من موكلي خليل والتي رفعت بعد ظهر امس امام محكمة التمييز الجزائية، بعدما اتهمت المحكمة بارتكاب مخالفة جسيمة بعدم ابلاغ افرقاء الدعوى بالقرار لابداء ملاحظاتهم. وكانت محكمة التمييز المدنية برئاسة القاضية جانيت حنا، وعضوية المستشارين نويل كرباج وجوزف عجاقة، ردت الدعوى المقدمة من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، التي طلبا فيها رد المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار وتنحيته عن التحقيق بملف انفجار مرفأ بيروت. واعتبرت المحكمة أن ليس لها أن تضع يدها على طلب الرد أو تسير بإجراءاته، بدءاً بإبلاغ الطلب إلى القاضي المطلوب ردّه أو الخصوم، ما لم يكن القاضي المطلوب ردّه من قضاة محكمة التمييز، أو في عداد قضاة النيابة العامة التمييزية. وفيما يتجه مجلس الدفاع الاعلى اليوم لمنع الملاحقة عن مدير عام امن الدولة اللواء طوني صليبا، خطا وزير الداخلية القاضي بسام المولوي على خطى سلفه وزير الداخلية السابق محمد فهمي فرفض إعطاء الإذن بملاحقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم وردّه شكلاً بسبب عدم وجود أي معطيات موضوعية تبيّن تبدلها بين الطلب المقدم في عهد الوزير محمد فهمي والطلب الثاني.
عين التينة “تستفز” بعبدا؟
في هذا الوقت، بدأت المخاوف تصبح اكثر جدية حيال حصول الانتخابات النيابية المقبلة في موعدها، في ظل ارتفاع مستوى التحدي بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الجمهورية ميشال عون ومعه تياره السياسي، وفي هذا السياق، رات مصادر سياسية بارزة ان “الكباش” حول تقريب موعد اجراء الاستحقاق الانتخابي الى 27 آذار، بدأ يأخذ منحا خطيرا بعدما ابدى رئيس المجلس استغرابه من اعتراض “التيار الوطني الحر” على تقريب موعد الانتخابات لتفادي إجراء الانتخابات والحملات الانتخابية خلال شهر رمضان المبارك، وقوله انه في نهاية المطاف، فإن ما تقرره الهيئة العامة للمجلس سينفذ، وعلى الجميع التقيد به طوعاً أو كراهية! ولفتت الى ان بري تقصد “استفزاز” رئيس الجمهورية الذي يملك بين يديه سلطة التوقيع على مراسيم دعوة الهيئات الناخبة مع رئيس الحكومة ووزير الداخلية، واذا لم يحصل تفاهم على “تسوية” تتضمن تنازلات متبادلة، فان الرئيس عون ليس في وارد التنازل عن حقه الدستوري في التوقيع او عدمه، وبالتالي ثمة ما يثير “الريبة” في اثارة هذا الملف بهذه الحدية، والخوف من افتعال ازمة حول التوقيت، ستؤدي حكما الى تطيير الانتخابات.
ميقاتي وعلامات الاستفهام؟
في هذا الوقت، لم ينزل كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي منح الحكومة مهلة شهر ونصف الشهر للنجاح أو الفشل، “بردا وسلاما” على الرئيس نجيب ميقاتي الذي ترى اوساط مقربة منه ان “النصيحة” التي وردت على شكل انذار لا تصب في خانة “التضامن الحكومي”، وتثير علامات استفهام كبيرة خصوصا ان بري احد المشاركين الرئيسيين في عملية التاليف، “وملائكته” حاضرة داخل مجلس الوزراء، ولهذا فان “غسل اليدين” مبكرا من احتمالات الفشل مثيرة “للريبة”.
“رائحة” صفقة!
في المقابل، ترى اوساط مطلعة على اجواء عين التينة بان كلام بري يأتي في سياق الحض على العمل وعدم التقاعس بعدما “اشتم” رائحة “صفقة” بين ميقاتي والوزير جبران باسيل في ملف التعيينات الادارية والتشكيلات الديبلوماسية، ولهذا فهو اراد استباق الامور بتوجيه “رسائله” في اكثر من اتجاه.