بأعصاب فولاذية لا تهتزّ ولا ترتعد أمام رسائل التهديد والوعيد، حضر المحقق العدلي القاضي طارق البيطار صباح أمس إلى مكتبه مترقّباً قرار محكمة التمييز المدنية ومستعداً لاستجواب الوزيرين السابقين غازي زعيتر ونهاد المشنوق، لكنّ القرار لم يصدر والاستجواب لم يُعقد… فبقي طلب “ردّه” معلقاً حتى إشعار آخر بانتظار قرار الغرفة الأولى لمحكمة التمييز المدنية برئاسة القاضي ناجي عيد.
وبأعصاب مهزوزة يُضرب بها المثل في الخنوع والضعف والهوان، وقف مجلس الوزراء بالأمس “على إجر ونص” امتثالاً لرغبة “حزب الله” في تطيير المحقق العدلي و”قبعه” من منصبه، فعلّق جلساته بانتظار إيجاد الترجمة الحكومية لهذه الرغبة تحت طائل تهديد وزراء “الثنائي” بسحب بساط الميثاقية الشيعية من تحت أقدام حكومة العهد الأخيرة. وعلى الأرض، أشعل “حزب الله” و”حركة أمل” فتيل الشارع برسائل صوتية جرى تعميمها أمس على المحازبين والمناصرين طلباً للنفير والاستعداد “على الزوايا” للحظة صدور أمر العمليات بقطع الطرق وتقطيع أوصال العاصمة للضغط باتجاه تنحية القاضي البيطار، على أن تبدأ هذه التحركات بشكل متدرج بدءاً من “تزنير” قصر العدل اليوم بحزام مطلبي ناسف للتحقيق العدلي، على أن يبقى تحركاً “مضبوط الإيقاع” إفساحاً في المجال أمام تسليم الحكومة بالأمر الواقع والرضوخ “بالتي هي أحسن” لمطالب “حزب الله”.
ولعلّ “تغريدات” قصر بعبدا قبيل موعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء أمس، بين واحدة تؤكد انعقادها برئاسة رئيس الجمهورية وأخرى تعلن إرجاءها من دون تحديد موعد جديد لها، اختصرت حالة التخبط والإرباك التي صبغت أجواء الرئاستين الأولى والثالثة إزاء “الورطة” التي وضعهما فيها الأمين العام لـ”حزب الله” بعد طلبه من مجلس الوزراء إيجاد المخرج الملائم لتنحية المحقق العدلي. الأمر الذي انسحب توتراً جلياً بين أركان الفريق الحاكم، لا سيما في ظل فشل محاولات رئاسة الجمهورية التوسط لدى “حزب الله” لإبعاد هذه الكأس المرّة “مسيحياً” عن العهد وتياره، ربطاً بعدم قدرتهما على مجاراته في تطيير المحقق العدلي بشكل فجّ، والمخاطرة تالياً بالانسحاق أكثر في الشارع المسيحي المتشظي الرئيسي بانفجار المرفأ.
وفي إطار صدّ كل المحاولات العونية اليائسة لإرضاء “حزب الله”، رفض “الثنائي الشيعي” كل العروض والفتاوى التي ابتدعها وزير العدل هنري خوري لنزع صاعق الانفجار الحكومي عبر تقديمه صيغاً لا تفضي في محصّلتها إلى إقصاء القاضي البيطار إنما تكتفي بوضع أدائه تحت مجهر “الارتياب” الحكومي وإحالة تحقيقاته بشبهة “الاستنسابية والتسييس” إلى التفتيش القضائي، فما كان من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سوى تدارك الموقف وإرجاء جلسة مجلس الوزراء ريثما يصار إلى إيجاد صيغة أخرى تحظى بقبول قيادة “حزب الله” وتهدّئ من روعها حكومياً وقضائياً.
في حين لم يتأخر رئيس مجلس النواب نبيه بري في تطويق المفاعيل التنفيذية لمذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحق معاونه السياسي النائب علي حسن خليل، عبر دفع الأمانة العامة للمجلس إلى مخاطبة وزارة الداخلية وإعلامها بأنّ “أي إجراء من قبل القضاء العدلي يتعلق بأحد الرؤساء والوزراء والنواب يعتبر تجاوزاً لصلاحياته”، على اعتبار أنّ “المجلس النيابي باشر السير بالإجراءات اللازمة في ما يتعلق بجريمة انفجار مرفأ بيروت”.
وبينما انعكس التضعضع الحاصل بين أركان الحكم والحكومة مزيداً من الويل والمآسي على أوضاع اللبنانيين تحت وطأة انتعاش السوق السوداء وتخطي سعر صرف الدولار عتبة العشرين ألف ليرة، وسط توقعات بمواصلة طريقه صعوداً على إيقاع استمرار التوتر الحكومي والميداني، لم يجد أهالي شهداء وضحايا انفجار 4 آب أمام محاولات السلطة الدؤوبة لوأد العدالة وطمس الحقيقة “والتحايل على القانون” سوى التذكير بأنّ “الجريمة طالت جميع الفئات والشرائح ولم تميّز بين طرف وآخر”، مطالبين بإخراج دماء أبنائهم من “التحاذبات الحزبية”. وعلى هذا الأساس، توجهوا إلى مجلس الوزراء بوجوب احترام مبدأ “فصل السلطات” وكف اليد السياسية عن القضاء، مع التحذير في المقابل من “مغبة التفكير باستبدال القاضي البيطار أو ترهيبه مهما زاد منسوب التهديد”.
وتوازياً، برز على جبهة المعارضة تصريحات تحذيرية أطلقها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع برسم رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، داعياً إياهما إلى تحمّل مسؤولياتهما في “رفض الإذعان لترهيب “حزب الله”، وإلا في حال خضعت الحكومة لهذا الترهيب فعليهم جميعاً الاستقالة فوراً بدءاً من رئيس الجمهورية مروراً برئيس الحكومة ووصولاً إلى الحكومة”. أما في مواجهة التهديد باللجوء الى “أساليب أخرى” لمحاولة إقصاء القاضي البيطار، فدعا جعجع “الشعب اللبناني الحر ليكون مستعداً لإقفال عام شامل سلمي في حال حاول الفريق الآخر فرض إرادته بالقوة”.