ما جرى بالأمس بالغ الخطورة، فالاشتباكات التي اندلعت بشكل كبير في منطقة الطيونة بعيد انطلاق تظاهرة دعت إليها حركة أمل وحزب الله اعتراضاً على قاضي التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، قد تترك آثاراً مؤلمة لا تحمد عقباها إذا لم يتدارك المعنيون والمسؤولون على حد سواء الأمر، فيسارعوا الى معالجة الأسباب التي غذّاها الشحن السياسي والطائفي والمذهبي، ليؤدي في النهاية الى ما أدى اليه. والأسئلة التي تطرح مجددا، ألم يتعظ البعض في لبنان بعد من سنوات الحروب العديدة والطويلة، ومن الآثار المدمرة لتلك الحروب التي ما زلنا نعيشها الى اليوم؟ ألم يقتنع البعض في لبنان بعد بأن لا سبيل أمام كل اللبنانيين غير الحوار والتفاهم بعيدا عن لغة العنف؟ ألم يفهم البعض بعد أننا وكما كنا وقوداً لحروب الآخرين على أرضنا يراد لنا أن نكون مجددا صناديق لتبادل الرسائل بين الكبار؟
رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كان واضحاً في رفضه المطلق لإعادة اللبنانيين إلى الجحيم، مؤكداً على اعتماد العقل ولغة الحوار، سائلاً “على ماذا نختلف في لبنان؟”، مشيرا الى ان الجميع على مستوى الخارج يتحاور، “فلماذا لا نقبل الحوار في لبنان؟”.
وكان جنبلاط أجرى اتصالاً هاتفيا برئيس المجلس النيابي نبيه بري، عرض معه التطورات الأخيرة وخطورتها، وكان تأكيد من جنبلاط على “حكمة الرئيس بري ودوره الجامع، وعلى مسؤوليته الوطنية التي تحلّى بها في أقسى الظروف، وكان على الدوام رجل الحوار فوق كل الاعتبارات”.
رئيس الجمهورية ميشال عون طمأن من جهته اللبنانيين الى أن “عقارب الساعة لن تعود الى الوراء”، وقال: “نحن ذاهبون باتجاه الحل وليس في اتجاه أزمة”، مشددا على انه “بالتعاون مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب لن نتساهل ولن نستسلم الى أي أمر واقع يمكن ان يكون هدفه الفتنة التي يرفضها جميع اللبنانيين”.
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اعتبر من جهته أن “ما حدث يؤكّد أننا نطلق النار على أنفسنا”، مشددا على أن الحياة ستعود إلى طبيعتها ولا بدّ من التركيز على الوعي السياسي، ورأى أن المعالجة الهادئة لقضية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت جارية، مشيرا الى أن السلطة التنفيذية لا تستطيع التدخل في القضاء، ملمحاً إلى مخرج ممكن للأزمة “لكنه يحتاج وقتاً”.
وفي التعليقات على ما حدث، حمّل عضو تكتل الجمهورية القوية النائب وهبي قاطيشا عبر “الأنباء” الالكترونية “الثنائي الشيعي المسؤولية بعد التهديد والوعيد الذي مورس من قبلهما بهدف إقتلاع القاضي طارق البيطار، ولم يكتفِ الثنائي بتهديد وفيق صفا والشيخ هاشم صفي الدين والسيد حسن نصرالله، بل نقلوا تهديداتهم الى داخل مجلس الوزراء وعبر الإعلام”، واصفاً ما حصل “بالأمر المؤسف”.
قاطيشا اعتبر ان “اللبنانيين لن يقبلوا بتسليم العدالة لحزب الله”، ورأى أن “كف يد المحقق العدلي بعد الذي جرى بالأمس قد يخلق مشكلة كبيرة في البلد، فهم بهذا التصرف ادانوا انفسهم، وما جرى آخر حلقة من نهاية الإنقلاب على البلد بعد سيطرتهم على الحدود ومعابر التهريب والمال والاقتصاد والمرفأ. ولم يبق امامهم الا العدالة ليكتمل انقلابهم وتصبح الدولة كلها تحت سيطرتهم”.
واستغرب قاطيشا “دخول المسلحين الى أحياء عين الرمانة وبدارو والطيونة”، وسأل “هل طريق القدس تمر من هناك؟”، منبها من “مغبة الشعور بفائض القوة الذي أفشل اميركا في الرمادي وأفشل حزب الله في سوريا”.
في مقابل ذلك، اتهمت مصادر حركة أمل عبر “الأنباء” الالكترونية “القناصة المتواجدين على أسطح البنايات المشرفة على الشارع الذي انطلقت منه التظاهرة بإطلاق النار باتجاه المتظاهرين، ما أدى الى ردة طبيعية”. ودعت الجيش والقوى الامنية الى “اعتقال الفاعلين الذين أخلّوا بالأمن ومحاكمتهم بتهمة التخطيط للفتنة”، كما شددت على مطلب اقالة القاضي البيطار واتهمته “بتسييس التحقيق وجر البلد الى الفتنة”.
من جهته، أوضح عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبد الله لـ “الأنباء” الالكترونية أن “موقف الحزب التقدمي الاشتراكي يهدف بالدرجة الى الحفاظ على وحدة البلد. فأمن الناس بالنسبة لنا خط أحمر”، داعيا الى “عدم الانجرار الى الفتن الداخلية والاحتكام الى القضاء في حل الخلافات وتغليب منطق الحوار على أي شأن آخر”.
العميد المتقاعد جورج نادر أشار لـ “الأنباء” الالكترونية الى انه كان يتوقع ما حصل “بعد التهديدات والتحريض والحشود وتجهيز الناس لإقالة القاضي البيطار”، ورأى أنه “كان هناك استعدادا مسبق بالنزول المنظم للمسلحين”، متوقعاً “انحسار التشنج الأمني”.