تعرّض السلم الاهلي امس لاهتزاز خطير اوقع 6 قتلى واكثر من 30 جريحا حالات بعضهم حرجة، في اخطر حادث اعاد الى الاذهان صور بعض المجازر التي شهدتها الحرب الاهلية عام 1975 ودامت 17 عاما، ما فرض استنفارا سياسيا وعسكرياً وامنياً واسع النطاق وعلى كل المستويات لتوقيف مطلقي النار على المتظاهرين من مستديرة الطيونة الى وزارة العدل، إستنكارا لتسييس التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ومنع تجدد الحادث وتطويق ذيوله صوناً للسلم العام ومنعاً لانزلاق البلاد الى الفتنة.
حوّل التحرّك الاحتجاجي الذي دعا اليه “حزب الله” وحركة “أمل” أمام قصر العدل في بيروت، أمس، تنديداً بأداء المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، المناطق المحيطة، لا سيما منها الطيونة وبدارو والشياح ـ عين الرمانة ساحة حرب، في ظلّ انتشار مسلّحين وقناصين على أسطح البنايات، وإطلاق قذائف B 7 ورصاص كثيف، ما أدّى الى سقوط 6 قتلى واكثر من 30 جريحاً في محصّلة غير نهائية، وتسبّب بذعر في بيروت وضواحيها ونزوح عدد كبير من السكان وإجلاء المدنيين من عدد من الابنية، في ظلّ انتشار كثيف للجيش اللبناني وعمله على ضبط الوضع وإيقاف المسلّحين.
“الثنائي” ينتظر
وقالت مصادر الثنائي الشيعي لـ”الجمهورية”: “نحن في مرحلة مفصلية من تاريخ لبنان والمهم ان نقوم بما يجب ان نقوم به، ونحن منسجمون مع انفسنا ومطمئنون الى أن موقفنا هو موقف حق يخدم المصلحة الوطنية العليا على مستوى الامن والاستقرار ويقطع الطريق على مشروع الفتنة المحبوكة خيوطه اميركياً والجاري تنفيذه بأدوات داخلية لبنانية، وهذه الادوات بعضها قضائي لا يقتصر على القاضي البيطار والبعض الآخر غير قضائي”.
واضافت هذه المصادر: “لو عمد مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الى اتخاذ الاجراء المناسب المتمثل بتكليف وزير العدل ان يقوم وفقاً لصلاحياته بإجراء كل ما يلزم وصولاً لوضع حد لارتكابات القاضي البيطار الرامية الى جر البلد الى فتنة لَما كان حصل ما حصل اليوم (أمس)، ونحن لن نتراجع عن موقفنا خصوصاً بعدما حصل ورأس الفتنة يقتضي عزله”.
وقالت المصادر: “انّ ما حصل في مستديرة الطيونة هو نسخة منقحة وجديدة عن حادثة بوسطة عين الرمانة، ولولا حكمتنا لكنّا انزلقنا الى ما هو اخطر بكثير، ونضع اليوم دماء الذين سقطوا برقبة القاضي البيطار، وننتظر من رئيس الجمهورية بعدما أصبحت كل المعطيات والوقائع واضحة امامه وهي المعطيات التي لا يرقى اليها الشك في أننا امام قاضٍ يخدم اجندة تستهدف امن البلد واستقراره، ننتظر منه ان يخرجنا من هذا الأتون وان يحمل البلد ونراهن على انه لن يتوانى عن ذلك”.
وعلمت “الجمهورية” ان عون اتصل امس بوزير الثقافة محمد مرتضى.
تعدد الروايات
وفيما تعدّدت الروايات حول ما حصل، أعلن الجيش اللبناني، أنه “خلال توجُّه محتجّين الى منطقة العدلية تعرضوا لرشقات نارية في منطقة الطيونة – بدارو، وقد سارع الجيش الى تطويق المنطقة والانتشار في احيائها وعلى مداخلها وبدأ بتسيير دوريات، كذلك باشر البحث عن مطلقي النار لتوقيفهم”.
وفي بيان لاحق اكدت قيادة الجيش – مديرية التوجيه انه “أثناء توجه عدد من المحتجين إلى منطقة العدلية للاعتصام، حصل إشكال وتبادل لإطلاق النار في منطقة الطيونة – بدارو، ما أدى إلى مقتل عدد من المواطنين وإصابة آخرين بجروح”. وأشارت الى ان الجيش “دهم عددا من الأماكن بحثا عن مطلقي النار، وأوقف 9 أشخاص من كلا الطرفين من بينهم سوري”.
وكان وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي ترأس اجتماعاً لمجلس الامن المركزي بطلب من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وأكد مولوي اثر الاجتماع، أنه “لم يكن لدينا معطيات أمنية، ومنظمو التظاهرة اكدوا سلميتها وهي مختارة من النخب، وليس لدى الاجهزة الامنية أي معلومات حول ما حصل”. وقال: “إنّ الإشكال بدأ بإطلاق النار، من خلال القنص، وأصيب أول شخص في رأسه وهو ما اكدته الاجهزة الامنية، وهذا الأمر غير مقبول، واطلاق النار على الرؤوس يعد امراً خطيراً جداً”.
وكان لافتاً اتهام قيادتي حركة “أمل” و”حزب الله” مجموعات من حزب “القوات اللبنانية” بـ”الاعتداء على المشاركين في التجمع الرمزي أمام قصر العدل في بيروت، والتي انتشرت في الاحياء المجاورة وعلى أسطح البنايات ومارست عمليات القنص المباشر للقتل المتعمّد، ما أوقع هذا العدد من الشهداء والجرحى”. وسارعت الدائرة الإعلامية في حزب “القوات” الى نفي “الخبر الصادر عن قيادتي “حزب الله” و”حركة أمل” لجهة اتّهامهما “القوات اللبنانية” بالقتل المتعمّد”، واكدت أنّ “الأحداث مؤسفة على الأرض، هي موضع استنكار شديد من قبلنا، ما هي سوى نتيجة للشحن الذي بدأه السيد حسن نصرالله منذ أربعة أشهر بالتحريض في خطاباته كلّها على المحقّق العدلي، والدعوة الصريحة والعلنية لكفّ يده، واستكملها بإرسال مسؤوله الأمني وفيق صفا إلى قصر العدل مهدِّدًا ومتوعِّدًا القاضي بالقبع، وصولا إلى تخيير مجلس الوزراء بين التعطيل أو إقالة القاضي البيطار، وعندما وجد الحزب أنّ هناك عدم تجاوب مع تهديداته دعا إلى التظاهرة”.
من جهته، دعا رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، أمس، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزيري الدفاع والداخلية الى “إجراء تحقيقات كاملة ودقيقة لتحديد المسؤوليات عمّا جرى في العاصمة”. وإذ استنكر “الأحداث التي شهدتها منطقة بيروت خصوصاً محيط منطقة الطيونة بمناسبة التظاهرات التي دعا إليها “حزب الله”، أكد أنّ “السبب الرئيس لهذه الأحداث هو السلاح المتفلِّت والمنتشر والذي يهدّد المواطنين في كلّ زمان ومكان”.
وعلى اثر الحادث تسارعت الاتصالات على كل المستويات الرسمية والسياسية والامنية والعسكرية لمعالجة الوضع فيما انتقل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد اتصالات بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والقيادات العسكرية والامنية الى مقر وزارة الدفاع حيث التقى وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون في غرفة عمليات قيادة الجيش لمتابعة مجريات الاوضاع.
وأكد ميقاتي “ان الجيش حامي الوطن ليس شعارا نردده في المناسبات الوطنية، بل هو فعل ايمان يترجمه الجيش كل يوم بتضحيات جنوده وشجاعتهم وحكمة قيادتهم، وهذا ما تجلّى اليوم في التصدي للاحداث المؤسفة التي وقعت في منطقة الطيونة”. وقال “الجيش ماض في اجراءاته الميدانية لمعالجة الاوضاع واعادة بسط الامن وازالة كل المظاهر المخلة بالامن وتوقيف المتورطين في هذه الاحداث واحالتهم على القضاء المختص”.
واصدر ميقاتي لاحقا مذكرة اعلن فيها: “يوم إقفال عام حدادا على أرواح الشهداء الذين سقطوا نتيحة أحداث اليوم (إمس)، بحيث تُقفل جميع الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والمدارس الرسمية والخاصة”.
“لن نستسلم”
وطمأن رئيس الجمهورية اللبنانيين في كلمة وجهها اليهم مساء امس الى أن “عقارب الساعة لن تعود الى الوراء، ونحن ذاهبون في اتجاه الحل وليس في اتجاه أزمة”، مشددا على انه “بالتعاون مع رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب لن نتساهل ولن نستسلم الى أي أمر واقع يمكن ان يكون هدفه الفتنة التي يرفضها جميع اللبنانيين”. وإذ اعتبر ان “ما شهدناه اليوم مؤلم وغير مقبول بصرف النظر عن الاسباب والمسببين”، أكد انه “ليس مقبولا ان يعود السلاح لغة تخاطب بين الافرقاء اللبنانيين، لأننا جميعا اتفقنا على ان نطوي هذه الصفحة السوداء من تاريخنا”.
وأوضح عون أنه “لن يسمح لأحد أن يأخذ البلد رهينة لمصالحه وحساباته”، مضيفا أنه “سيتم التحقيق في ما حدث لمحاسبة المسؤولين”، مشددا على أن ما حدث “لن يتكرر تحت أي ظرف”.
مواقف دولية
وفي المواقف الدولية قال المتحدث بإسم الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين اننا “نضم صوتنا إلى السلطات اللبنانية في دعوتها إلى التهدئة ووقف تصعيد التوتر”. وكشف عن رفض بلاده “تحديد الجهة المسؤولة عن أعمال العنف”. لكنها “جددت انتقاداتها لحزب الله، المدرج على قائمة “الإرهاب” في واشنطن. وانتهى الى القول “يجب أن يكون القضاة بعيدين عن العنف والتهديدات والترهيب، بما في ذلك تلك الصادرة عن حزب الله”.
ومن جهتها وزارة الخارجية الفرنسية قالت في بيان إن “فرنسا تشعر بقلق بالغ إزاء العرقلة الاخيرة لحسن سير التحقيق… وأعمال العنف التي وقعت في هذا السياق. ان فرنسا تدعو جميع الأطراف إلى التهدئة”. واضافت: “يجب أن يتمكن القضاء اللبناني من العمل في شكل مستقل وحيادي في إطار هذا التحقيق، من دون عراقيل وبدعم كامل من السلطات اللبنانية”. وقالت: “اللبنانيون ينتظرون توضيح ملابسات انفجار المرفأ بكاملها. لديهم الحق في معرفة الحقيقة”.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد حافظ “ان مصر تتابع بقلق بالغ تطورات الوضع فى لبنان، وتأسف لما شهدته الساحة اللبنانية من أحداث اليوم (أمس)”. وأضاف أن “مصر تدعو كافة الأطراف اللبنانية إلى ضبط النفس، والابتعاد عن العنف تجنباً لشرور الفتنة، وإعلاء المصلحة الوطنية العليا للبنان وشعبه فى إطار الالتزام بمحددات الدستور والقانون بما يصون استقرار البلاد وأمنها ويحفظ مقدرات شعبها الشقيق ويخرجه من دائرة الأزمات المفرغة”. وأكد “أن على الحكومة ومؤسسات الدولة في لبنان الاضطلاع بمسؤولياتها فى إدارة البلاد وحل الأزمات واستعادة الاستقرار، حتى يتمكن المجتمع الدولي من مساعدة لبنان على المضي قدماً صوب مستقبل أفضل”.
وأكّدت منظمة العفو الدولية أنّ “اشتباكات بيروت المسلحة تثير القلق”، فيما دعا الاتحاد الأوروبي “الى ضبط النفس”، مؤكّدا أننا “نحتفظ بآلية عقوبات على لبنان ويمكن تفعيلها”.
من جانبها، أعربت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا عن قلقها مما حصل. وقالت: “في هذا المنعطف من المهم ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وضمان عودة الهدوء وحماية المواطنين”. ودعا المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس “كل المعنيين في لبنان لوقف العنف والكف عن الأعمال الاستفزازية والخطابات التحريضية”. فيما دعت السفارة الكويتية في بيروت المواطنين الكويتيين الى مغادرة لبنان.
جولة نولاند
ومن جهة ثانية، وعلى وقع الأحداث الأمنية التي شهدتها مناطق الطيونة ومتفرعاتها في اتجاه عين الرمانة وبدارو، عبرت الجولة التي قامت بها نائبة وزير الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند على المسؤولين الرسميين وسط تدابير امنية رافقت مواعيدها الرسمية التي لم يعلن عنها سلفا الى ان غادرت مطار بيروت الدولي.
ففي لقائها مع رئيس الجمهورية شرحت نولاند عناوين السياسة الخارجية الاميركية وحصة لبنان منها مؤكدة، في رسالة نقلتها من الرئيس الاميركي جو بايدن ووزير الخارجية انطوني بلينكن تضمنت تهنئة بتشكيل الحكومة الجديدة، “وقوف الولايات المتحدة الى جانب لبنان لمساعدته على مواجهة التحديات الراهنة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية”.
وبعدما لفتت الى الاستثناء الذي قررت اعطاءه ادارتها لاستجرار الغاز المصري والطاقة الاردنية لمواجهة ازمة الطاقة في لبنان والسعي الى توفير التمويل الكافي من البنك الدولي بمعزل عن العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر، علمت “الجمهورية” انها قدمت عرضا للمواقف الاميركية من الارهاب المتعدد الوجوه وسبل مواجهته مع الحرص على ضرورة تطبيق القرارات الدولية التي قالت بمنع استخدام الحدود البرية والبحرية لإدخال السلاح والممنوعات الى لبنان بما فيها نقل المازوت الايراني الى لبنان عبر المعابر الحدودية غير الشرعية.
ومن جهته شدد عون على الثوابت السياسية التي تحكم المرحلة الحالية من اجل الخروج من الازمة قبل نهاية ولايته، لافتا الى التحضيرات التي تجريها الحكومة الجديدة للاسراع في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان في عملية النهوض الاقتصادي، بالتزامن مع اجراء إصلاحات واطلاق إعادة اعمار مرفأ بيروت والاهتمام بتأمين الطاقة وتطوير الإدارة والقوانين الإصلاحية اللازمة” وفي المجالات التي تسبب بها حجم النزوح السوري. وكرر عون ان “الانتخابات النيابية ستُجرى في موعدها بكل حرية وشفافية وديموقراطية”، لافتا الى “ضرورة مساعدة لبنان على مواجهة الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها في هذه المرحلة والتي انعكست على الأوضاع المعيشية للمواطنين وأثرت على سعر العملة الوطنية”.
“فرقعة إعلامية”
وفي الجولة التي شملت كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب احتفظت بنسبة عالية من الصمت قبل ان تتحدث في المطار كاشفة عن ان “الولايات المتحدة ستقدم دعما إضافيا بقيمة 67 مليون دولار للجيش اللبناني”، لافتة الى “ان الشعب اللبناني يستحق الأفضل”.
واعتبرت ان “ما تعرضه إيران من دعم للبنان في مجال الطاقة هو “فرقعة إعلامية” وأحد حلول أزمة الطاقة التي نعكف عليها مع السلطات اللبنانية يشمل البنك الدولي ودعما إنسانيا”. وكل ذلك بغية مساعدة لبنان في احتواء الأزمة الاقتصادية العميقة وأزمة الطاقة التي اندلعت على خلفيتها.