اتخّذت تداعيات أحداث 14 تشرين الأول في الأيام الأخيرة منحى قد يتجاوز بخطورته انفعالات اللحظة الساخنة التي أعقبت اشتباكات ذاك اليوم، اذ اتسعت مفاعيل التصعيد الخطير غير المسبوق، الا في حقبات تسبق او تواكب الحروب الداخلية، لتشلّ تماماً المؤسسات الدستورية، وفي مقدمها الحكومة ومجلس الوزراء، وربما ينسحب الامر على تأثيرات مباشرة من اليوم على مجلس النواب. واما رئاسة الجمهورية فبدت مهمّشة تماماً امام قصورها عن الاضطلاع بأي دور مؤثر، كما بعدما تعذّر فصل موقفها عن موقف رئيس ”التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي اتسم بازدواجية حاول من خلالها الانضمام إلى حرب الاتهامات العنيفة والحادة التي يشنها الثنائي الشيعي على حزب “#القوات اللبنانية ” ورئيسه #سمير جعجع من جهة، والإبقاء على تمايز مع حليفه الشيعي “#حزب الله” في الموقف من المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار من جهة أخرى. وفي ظل ذلك تسابقت حركة “امل” و”حزب الله” على تصعيد حرب الاتهامات والتهديدات المباشرة غير المسبوقة ضد “القوات اللبنانية” في ما أراده الثنائي الشيعي محاكمة استباقية سياسية وإعلامية لـ”القوات” إلى حدود بلغت معها حدوداً مثيرة للقلق الشديد حيال معالم التحريض وما يتسبب به من انشقاق عمودي خطير قد يستحضر مناخات طائفية ويسعّر الأجواء المتوترة.
ولعلّ الأسوأ في هذا السياق، ان استباق الثنائي الشيعي للتحقيقات الواسعة النطاق التي يجريها محققو مخابرات الجيش في الوقائع التي شهدتها احداث مثلث الطيونة عين الرمانة الشياح بحملة “تجريم” للقوات بلغت حدود التهديد بأعمال ثأرية علنية على ما ورد بألسنة رئيس كتلك نواب “حزب الله” النائب محمد رعد ونواب ومسؤولين أساسيين في الحزب. كما ان حركة “امل” رفعت وتيرة اتهاماتها بشكل خطير. وجرى ذلك فيما تبيّن، وفق معلومات موثوقة متوافرة عن التحقيقات، ان عدد الموقوفين لدى مخابرات الجيش يرتفع يوماً بعد يوم وتجاوز العشرين موقوفاً، وهو مرشح لان يبلغ عشرات الموقوفين من اتجاهات مختلفة، بما يسقط الانطباع المفتعل السائد عن تركيز مزعوم للتحقيقات على فئة بعينها. ثم ان المعلومات تشير إلى انه صار لدى الجيش عشرات الأشرطة المصوّرة والشهادات المختلفة للموقوفين وشهود العيان بما يوازي كمية كبيرة من الأدلة التي تحتاج إلى الكثير من التدقيق وتقاطع المعلومات وتمحيصها بما فيها تلك التي تتصل بمسؤولية جندي عن قتل مسلح كما ان هناك وقائع كثيرة لم تعرف بعد ستكون على أهمية مفصلية في جلاء الحقائق التي تحتاج إلى وقت غير قصير لتبيانها. ولذا فان المناخ الاتهامي الضاغط لن يحمل الجيش على الاستعجال تحت وطأة التسييس او توظيف الاحداث لتصفية حسابات سياسية او حزبية، بل ان مسؤوليته الكبيرة والمصيرية عن جلاء الحقائق وتوقيف المتورطين في الاحداث الدامية وتقديمهم للمحاكمة تجعله يوسع التحقيقات إلى اقصى مدى ممكن.
الذروة مع نصرالله
ولم يخالف الأمين العام لـ”حزب الله ” السيد #حسن نصرالله معظم التوقعات التي سبقت إلقائه كلمته مساء امس، اذ جاءت بمثابة تتويج لذروة حملة الاتهامات والتجريم، بل والتحريض غير المسبوق على حزب “القوات” ورئيسه سمير جعجع من دون ان يسمي جعجع، وهي المرة الأولى التي يخصص فيها نصرالله خطاباً كاملا للتهجم واتهام القوات بشتى النعوت، ولا سيما منها السعي الدائم لاشعال الحرب الاهلية، كما تعمد الحديث المباشر عن “المسيحيين”. وأسهب نصرالله في اتهاماته لـ” القوات” بدءاً “بسعيها الدائم إلى جعل اهل مناطق عين الرمانة وفرن الشباك والحدث يخافون من الضاحية الجنوبية”، بلوغاً إلى الإسهاب في تاريخ الحزب في حماية المسيحيين في وجه “داعش”. وإذ تعمّد التوجه إلى المسيحيين في لبنان معظم الوقت، اتهم رئيس الحزب والقوات بانهما “أكبر تهديد للمسيحيين في لبنان” معتبراً انهما تسببا بتهجير المسيحيين وبافتعال جرائم، كما اتهمهما بالتحالف مع “داعش” وبان “رئيس الحزب يخترع عدوا للمسيحيين هو “حزب الله”. وقال ان ”البرنامج الحقيقي للقوات ورئيسها هو الحرب الاهلية”. وزعم ان رئيس الحزب حاول قبل فترة اقناع بعض حلفائه القدامى بالمواجهة مع “حزب الله”. واكد ان “حزب الله ليس عدواً للمسيحيين بل العدو هو رئيس حزب القوات اللبنانية”. وفيما اتهم “القوات” بالعمل بشتى الوسائل لاسقاط تفاهم مار مخايل بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، نفى ان يكون الحزب طالب بالمثالثة. وإذ كرر “اننا لا نربح جميلة”، ذكر ان القانون الأرثوذكسي “ما كان ليمر لولا “حزب الله” كما ذكر بموقف الحزب من الوقوف مع انتخاب الرئيس ميشال عون. وفنّد ردوده على جعجع “ناصحاً بعدم التفكير بعد اليوم بالحرب الاهلية” مستعرضاً قوة ”حزب الله” ومهدداً جعجع “والقوات بـ”مئة الف مقاتل مع سلاحهم وهؤلاء مجهزون ليس للحرب الاهلية … أقول لكم اقعدوا عاقلين وتأدبوا وادعو المسيحيين إلى الوقوف في وجه هذا القاتل السفاح”. وطالب بالتحقيق الناجز ومحاسبة المعتدين في احداث الخميس الماضي. وزعم الحرص على مؤسسة الجيش فيما كان يذكر ان الجيش أطلق النار على الحزب مرات عدّة في السابق.
الحكومة والمجلس
أما في انعكاسات هذا المناخ على المؤسسات الدستورية، فإنه على رغم الجدول المحدد للجلسة التشريعية التي يعقدها مجلس النواب اليوم في بداية عقده الثاني العادي والتي ستبدأ بانتخاب هيئة المكتب ومن ثم البحث في تعديل قانون الانتخاب، فتتجه الانظار إلى ما سوف تشهده أروقة وقاعات الاونيسكو التي ستجمع نواب الثنائي الشيعي “أمل” و”حزب الله”، ونواب “القوات اللبنانية”، في ظل التوتر الناشئ بينهم بفعل الاتهامات والتهديدات والمواقف المتشنجة. وفيما تردد ان الجلسة قد تقتصر على الشق الاول لتجديد هيئة مكتب مجلس النواب من دون الانتقال إلى الجلسة التشريعية لإقرار تعديل قانون الانتخاب تداركا لانفجار المواجهة، أكد عضو هيئة مكتب المجلس و”كتلة التنمية والتحرير” النائب ميشال موسى انعقاد الجلسة في موعدها لانتخاب أميني سر وثلاثة مفوضين لهيئة المكتب ولمناقشة وإقرار تعديل قانون الانتخاب نافيا تمديد الجلسة إلى اليوم الثاني ومعتبراً أن المجلس حريص على الحفاظ على مهماته التشريعية بمعزل عن الخلافات بين المكونات.
ولكن يبدو ان الاقتراح الذي جرى تداوله حول انشاء هيئة اتهامية عليا يكون من اختصاصها النظر في قرارات المحقق العدلي كتسوية لمسألة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، لن يسلك طريقه نظراً لرفض رئيس المجلس نبيه بري “وحزب الله” هذا الاقتراح وإصرارهما على تنحية البيطار. وعشية الجلسة، دعا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المعنيين في القضاء إلى اتخاذ قرار حيال قضية البيطار مع “تشديده على احترام الدستور الذي يعلو على القضاء”. ورفض في الوقت نفسه فرض أي املاءات على المسار القضائي وفي اي ملف. واكد ميقاتي لـ”النهار” انه لن يدعو “حتماً ” إلى جلسة لمجلس الوزراء “اذا لم يكن هذا المكوّن (الثنائي الشيعي) مشاركاً حتى لو توافرت الاغلبية الوزارية ولا يمكن انا استفز شريكي في المواطنة. وما اقوله يعبر عن ضميري واقتناعاتي الوطنية”. وشدد على ان ”الحكومة باقية ومستمرة على كل الصعد بدءاً من صندوق النقد الدولي زائد خطة الكهرباء بغية الحد من التقنين وزيادة ساعات التيار الكهربائي. وسيلمس المواطنون هذا الامر قبل نهاية السنة الجارية “ولا أحد يشلّنا امام كل هذه الملفات التي نقوم بمعالجتها”.
وعشية الجلسة زار رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط رئيس مجلس النواب نبيه بري وأكد “اننا نحكّم القضاء في ما حدث في الطيونة، وأترك موضوع التحقيق للمحاكم المختصة، ويجب ألا ندخل في إستباق التحقيق لكنه أساس في كل شيء، وأن يكون هناك تحقيق شفاف للجريمة التي حصلت بحق المتظاهرين”.
وشدد جنبلاط، على أنه “علينا أن نتابع مع الرئيس بري قضية الإصلاحات والمواضيع التي من أجلها تشكّلت الحكومة، ويجب ألا يُعطل عمل الحكومة بسبب تحقيقات المرفأ، وهذا الموضوع الأساس الذي جئت من أجله”. وأوضح “أننا سندرس كيفية إيجاد مقاربة موحدة في موضوع التحقيقات في إنفجار المرفأ، مع الأخذ في الإعتبار أننا طالبنا منذ البداية بلجنة تحقيق دوليّة، ولا بد للتحقيق أن يأخذ مجراه”، وعن إنشاء هيئة إتهامية عدلية، أكد أنه “إذا كان الأمر يخرجنا من هذه الدوامة فلم لا؟”. وقال “اتفقنا مع الرئيس بري بأن تكون الأمور شفافة جداً، وبألا ندخل في التصعيد لأنه لا يفيد وبعض الجهات الدولية والعربية تريده”.
ريفي في معراب
وفي المقابل أعلن الوزير السابق اللواء أشرف ريفي بعد زيارته امس معراب متضامنا ومتحالفاً مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” أن “هذه الزيارة هدفها التأكيد مع القوات اللبنانية والقوى السيادية كافة، وحدة الموقف والأهداف التي باتت مختصرة بقضية واحدة هي تحرير لبنان من الاحتلال الإيراني الذي أوصله إلى الانهيار”. وقال: ” نشهد اليوم انقضاضا كاملا على المؤسسات واحدة بعد الأخرى، وآخرها الجيش وقيادته التي نحترم ونجل، ومؤسسة القضاء إذ يريد حزب الله الإطاحة بالقاضي طارق البيطار، عبر إخضاع المؤسسات، وإذا تعذر ذلك فعبر الفوضى والترهيب. حزب الله يقول للبنانيين اليوم: تريدون العدالة، ادفعوا الثمن من أمنكم واستقراركم واقتصادكم”. وكشف عن “تنسيق مع القوى السيادية ومجموعات الثورة السيادية للتأسيس لمقاومة سلمية تواجه الاحتلال الإيراني الذي أحرق البلد ونهب أموال الناس وأموال الخزينة وحول لبنان دولة فاشلة”.