فيما رواحت الازمة الحكومية الناشئة من أزمة التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت مكانها معطّلة انعقاد جلسات مجلس الوزراء قبل البت بمصير المحقق العدلي طارق البيطار، تفاعلت أمس قضية حادثة الطيونة التي كانت من مضاعفاتها في ضوء اعلان القضاء العسكري عن استدعاء الى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع للاستماع إلى إفادته في شأنها، ورَد الاخير انه لم يتبلغ هذا الاستدعاء وانه اذا تبلغه يحضّر “الرد القانوني اللازم”. واشترط لسماع افادته ان يتم سماع افادة الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، علماً ان مجمل التطورات بدأت تلقي بظلال من الشك حول مصير الانتخابات النيابية المقررة في 27 آذار المقبل، اذ رشح لـ”الجمهورية” من بعض الاوساط في ضوء تعديلات قانون الانتخاب التي أقرّها مجلس النواب في جلسته الاخيرة ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتجه الى عدم توقيع هذا القانون ورده ضمن مهلة الخمسة ايام كونه معجّل مكرر. وعليه، فإن مجلس النواب وخلال الجلسة التشريعية التي سيدعو اليها الرئيس نبيه بري منتصف الاسبوع المقبل سيؤكد ما أقرّه، ويصبح بالتالي القانون نافذاً.
لم يطرأ اي تطور بارز أمس يشي بإمكان عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد في انتظار البت بمصير التحقيقات في قضية انفجار المرفأ قضائيا او حكومياً، في الوقت الذي تتفاقم الازمات الاقتصادية والمالية والمعيشية يومياً في غياب المعالجات التي تسعى اليها الحكومة التي لم يتسن لها بعد الانطلاق الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والشروع في تنفيذ الاصلاحات الانقاذية المنشودة.
فما أن يلوح في الأفق ضوء أمل للخروج من النفق الطويل الذي يغرق فيه اللبنانيون، حتى يحصل اصطدام يُعرقل سير “عربة الخلاص”. ويبدو أن لا دعوة لانعقاد مجلس الوزراء قريباً، جرّاء تمسُّك “الثنائي الشيعي” بتنحية القاضي البيطار شرطاً مسبقاً للعودة الى طاولة مجلس الوزراء، فيما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتمسّك بمعالجة هذا الامر ضمن المؤسسات القضائية وعدم التدخل فيه.
وفيما لم يصدر عن لقاء عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي أي إشارة لعودة مجلس الوزراء الى الانعقاد، علمت “الجمهورية” ان رئيس الجمهورية تفهم موقف رئيس الحكومة بالتريث في عقد اي جلسة قبل ايجاد حل للازمة. فيما عكس بيان كتلة “الوفاء للمقاومة” إثر اجتماعها الدوري أمس برئاسة النائب محمد رعد أنّ الحلّ على خط البيطار ـ مجلس الوزراء لم ينضج بعد، وأن لا جلسة لمجلس الوزراء قريباً. إذ إنّ “الكتلة” دعت الوزراء في الحكومة الى “تفعيل الإنتاجية في وزاراتهم ضمن هامش الصلاحيات المتاحة لهم”، ولم تدع الحكومة مجتمعةً الى تفعيل عملها أو تطالب بانعقاد مجلس الوزراء.
وفي هذه الاثناء بلغ سعر الدولار مايفوق الـ20 ألف ليرة بعدما كان انخفض صباحا الى 19 الف ليرة، ما أدّى الى ارتفاع في أسعار كلّ المواد الاستهلاكية، ومنها المحروقات، ما يزيد من معاناة اللبنانيين، الذين عبّر بعضهم أمس عن غضبه من هذه الأوضاع واحتجاجه عليها بقطع بعض الطرق في أكثر من منطقة، وتجمّع عدد من المحتجين أمام منزل ميقاتي في طرابلس. وفي ضوء ارتفاع أسعار المحروقات وانعكاسها على أسعار السلع والمواد، عرض عون مع ميقاتي، أمس، ضرورة الإسراع في اطلاق البطاقة التمويلية، ودرس عدد من الحلول لمعالجة أوضاع موظفي القطاع العام في ضوء الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي يمرّ فيها البلد.
ميقاتي يتريث
وقالت مصادر مواكبة للاتصالات والمساعي الجارية على كل المستويات لـ”الجمهورية” ان الازمة الناشئة ما تزال تراوح مكانها، وان رئيس الحكومة يتريث في دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد تلافياً لتفاقم هذه الازمة في ضوء اصرار وزراء “الثنائي الشيعي” على تنحية القاضي البيطار. واضافت هذه المصادر ان التشاور جارٍ على اعلى المستويات لمعالجة هذه الازمة، وكان منه اتصال رئيس الحكومة أمس برئيس مجلس النواب نبيه بري حيث ناقشا بعض الافكار المطروحة للمعالجة. واكدت ان عدم انعقاد مجلس الوزراء لا يمنع استمرار الاجتماعات الوزارية والحكومية في السرايا الحكومية وخارجها حيث يشارك فيها الوزراء الشيعة، وهي تركز على تحضير الملفات التي ستكون جاهزة للبت عند انعقاد مجلس الوزراء خصوصا ان الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء كان على جدول اعمالها بند واحد هو ان يقدم كل وزير تصوره لعمل وزارته ولمعالجة الملفات التي تضطلع بها. ولذلك فإن هذه الاجتماعات تتيح لجميع الوزراء تحضير هذه الملفات لاتخاذ مجلس الوزراء القرارات اللازمة في شأنها خلال اول جلسة سيعقدها المجلس فور انتهاء الازمة. واشارت المصادر الى ان هذه الاجتماعات تتناول ايضاً معالجة بعض القضايا التي تتعلّق بتفعيل عمل الوزارات والادارات العامّة او معالجة قضايا المتعهدين الذين ينفذون مشاريع للدولة في مختلف المجالات. ولذلك يمكن القول أن السعي الى معالجة الازمة الناشئة من قضية المرفأ يسير في موازاة تحضير المعالجات للقضايا التي تحتاج الى قرارات مجلس الوزراء من دون ان يعني ذلك ان هذه الاجتماعات تغني عن انعقاده.
“زمن قبرشمون”
وفي السياق نفسه قالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” ان “مجلس الوزراء دخل في “زمن قبرشمون” معلّقاً جلساته الى حين البَت بطلب الثنائي كف يد القاضي البيطار واستبداله. ولذلك لا جلسة لمجلس الوزراء هذا الاسبوع واذا لم تحل هذه المسألة ايضاً لن ينعقد في الاسبوع المقبل اذ صار انعقاد المجلس مرهونا بإنضاج صيغة حل للازمة.
وعلمت “الجمهورية” ان الاتصالات متوقفة وان ما سبق وعُرِض كمخرج قانوني رفضته حركة “امل” و”حزب الله” في انتظار “قرار واضح وجذري”. وفي المعلومات ان ميقاتي أبلغ الى الجميع انه لن يدعو الى جلسة لمجلس الوزراء قبل ايجاد الحل لهذه القضية وأنه سيجنّب الحكومة تداعياتها بكافة الوسائل.
وكان عون وميقاتي قد عرضا في لقائهما صباح امس لضرورة الإسراع في إطلاق البطاقة التمويلية في ضوء ارتفاع أسعار المحروقات وانعكاسها على أسعار السلع والمواد الغذائية، وهو ما استدعى البحث في مصير القرض من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار والمعالجات الجارية في شأنه. كما تطرق البحث الى نتائج الزيارات التي يقوم بها عدد من الموفدين الدوليين، والأميركيين خصوصا، ومستجدات المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، إضافة الى درس عدد من الحلول لمعالجة أوضاع موظفي القطاع العام في ضوء الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها البلاد.
وعلمت “الجمهورية” ان البحث تناول مختلف هذه القضايا، وتوقف الرئيسان خصوصا عند موضوع تعليق جلسات مجلس الوزراء نتيجة المواقف المتضاربة في شأن عمل المحقق العدلي وأحداث الطيونة. وبنتيجة البحث توافق الرأي على تأجيل أي دعوة الى جلسة لمجلس الوزراء في ظل الظروف الراهنة والأجواء المشحونة، وفي انتظار حل الازمة الناجمة من التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت.
رسالة دعم فرنسية
وفي ظلّ الأزمات المتفاقمة والمتجدّدة، يستمرّ المجتمع الدولي في تأكيده الوقوف الى جانب لبنان ودعمه، فأعربت المنسقة الخاصة للامين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا خلال لقائها عون، عن “استعداد الأمم المتحدة لدعم لبنان في كلّ المجالات التي تساعده على تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي وتقريب وجهات النظر وتوفير التسهيلات اللازمة لذلك”.
رسالة ماكرون
من جهتها، نقلت سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو الى عون رسالة شفوية من نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون ضمّنها “التزامه الدائم لمساعدة لبنان رئيساً وحكومة وشعباً”. وأكدت غريو أنّ بلادها “ملتزمة تسهيل تحقيق كلّ ما يساعد في عملية النهوض الاقتصادي والمالي في البلد والتخفيف من معاناة اللبنانيين. كذلك تتابع باريس المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي وتُبدي كلّ استعداد للمساعدة في معالجة أوضاع الكهرباء والنواحي الصحية حيث ستقدّم 500 الف لقاح “فايزر” للبنانيين، وستواصل دعم القطاع التربوي والقوى العسكرية والأمنية لأنّها تعتبر أنّ الاستقرار في البلد عامل أساس وضروري في الوقت الذي تشتد فيه معاناة اللبنانيين”.
مجلس القضاء
وفي غضون ذلك، وفي اجتماع اعتبر امتداداً لاجتماعه الأول الذي عقد الثلثاء الماضي وانتهى الى اعلان اجتماعاته مفتوحة، انعقد مجلس القضاء الاعلى عند الثانية والنصف بعد ظهر امس في مقره برئاسة رئيسه القاضي سهيل عبود وحضور جميع الأعضاء.
وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” ان من ابرز القضايا المطروحة على جدول اعماله استمرار البحث في اوضاع السلك القضائي وما يعانيه من مشكلات أملتها الظروف المالية والاقتصادية وقضايا اخرى مختلفة.
كما سينظر المجتمعون بإمكان استدعاء المحقق العدلي قي قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار الى اجتماع يعقد معه في وقت لاحق، وتحديد الاسس التي يجب توافرها للقيام بمثل هذه الخطوة بعدما اعتبر بعض الاعضاء عند البحث فيها لماما في اجتماع الثلاثاء الماضي ان لا داعي لمثل هذه الخطوة طالما انه لم يخرج عن ممارسة صلاحياته والمهمات التي انيطت به، بدليل صدور ثلاثة أحكام حتى اليوم عن محكمتي الاستئناف والتمييز برد الردود التي طالب بها وكلاء النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر. فيما رأى آخرون ضرورة اتخاذ هذه الخطوة في ظل الظروف الراهنة في ضوء احداث الطيونة وما تلاها من ردات فعل اعتبرت أنها من نتائج الخلاف حول أدائه في ملف المرفأ وما اتخذه من قرارات في حق مسؤولين؟
البيطار يواصل
وفي خطوة تجاوزت النقاش الدائر حول صلاحياته وما اثارته استدعاءاته السابقة والمقبلة، وجه البيطار أمس رسالة جديدة الى النيابة العامة التمييزية طالباً فيها البت في الخلاف الواقع بينه وبين وزير الداخلية القاضي بسام المولوي حول ما سمّي ملف استدعاء المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بعدما رفض اعطاءه مثل هذا الاذن. كما جدد البيطار في مراسلته الثالثة الى المجلس الاعلى للدفاع طالبا الاذن مجددا بملاحقة المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا على رغم ان المجلس تمنّع عن مثل هذه الخطوة في آخر اجتماع له قبل عشرة ايام تقريباً قبيل انعقاد آخر جلسة لمجلس الوزراء، والتي عُلّقَت من بعدها جلساته.
إستدعاء جعجع
وفي تطور لافت في قضيىة احداث الطيونة، استدعى القاضي فادي عقيقي مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية جعجع للاستماع إلى إفادته في فيها. وأوضح مصدر القضائي لوكالة “فرانس برس” أن عقيقي “كلّف فرع التحقيق في مخابرات الجيش استدعاء جعجع وأخذ إفادته، بناء على المعلومات التي أدلى بها عناصر من “القوات”، تم توقيفهم” على خلفية التوترات في الطيونة. واشار الى ان مخابرات الجيش تتولى التحقيق في هذه الحادثة وانه تم توقيف 26 شخصاً، غالبيتهم من مناصري “القوات اللبنانية” من سكان منطقة عين الرمانة.
“الوفاء للمقاومة”
ودانت كتلة “الوفاء للمقاومة” في اجتماعها الاسبوعي امس برئاسة النائب محمد رعد “الاعتداء المجزرة” في الطيونة، واعتبرتّ”أن ما عَرَضَهُ سماحة الأمين العام لحزب الله من وقائع ومعطيات ضمن سياق تاريخي أراد أن يذكّر به اللبنانيين، فإنّه يكشف الخلفيّة والدافع لقيام حزب القوات بارتكاب هذا الاعتداء. كما يتطلّب في الوقت نفسه الكثير من التنبّه والحذر من مخاطر المشروع التقسيمي الذي طالما التزمته “القوات” وجاهرت به رغم كونه يمثّل تهديداً دائماً لوحدة البلاد وللسلم الأهلي فيها. ودعت الى “الاسراع في انهاء التحقيقات الأمنية والعسكرية لاحالة المسؤولين والمرتكبين الى المحاسبة والعقاب.”
بوتين ونيترات الامونيوم
من جهة ثانية كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن كارثة مرفأ بيروت كانت مرتبطة برغبة البعض بتحقيق مكاسب مالية من خلال بيع الأسمدة بأسعار أفضل.
واضاف خلال كلمة ألقاها في الجلسة الختامية للاجتماع السنوي الـ18 لمنتدى “فالداي” الدولي في مدينة سوتشي أن “روسيا ستدرس إمكانية المساعدة في التحقيق بانفجار مرفأ بيروت وستقدم صور الأقمار الصناعية ،إن توفرت”. وأشار إلى أن “الموقف من حزب الله يختلف من بلد إلى آخر ونحن نعتبره قوة سياسية مهمة في لبنان”، لافتاً إلى “أننا نعمل مع جميع القوى السياسية اللبنانية للحفاظ على الأمن والاستقرار والسلام في لبنان، ونشجع دائماً على حل الخلافات في لبنان عبر الحوار”.
ولفت بوتين إلى “أن روسيا تتواصل عملياً مع القوى السياسية كافة في لبنان وسوف تستمر في ذلك كما وتعمل مع اللبنانيين كافة لحقن الدماء”.
وأكد “أننا لا نستطيع دعم طرف ضد آخر لأن ذلك سيأتي بنتائج عكسية على الإصلاح بين الأطراف اللبنانيين”، لافتاً إلى أننا “نحن في روسيا معنيون تماماً بإيجاد أرضية مشتركة للاتفاق بين الأطراف اللبنانيين من دون قتال”.
صندوق النقد
على الصعيد الاقتصادي والمالي ومع اختتام جولته على المسؤولين اللبنانيين ادلى المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي محمود محيي الدين بتصريح لافت، ينبغي التوقف عند النقاط الاساسية التي كشفها، ومن أهمها:
اولا- وجود تفاهم جيد بين أعضاء الحكومة ومصرف لبنان، في شأن تحديد الخسائر وفقاً لدراسات فنية معتمدة وللمعايير الدولية.
ثانيا- عنصر الوقت اساسي في موضوع الانقاذ.
ثالثا- الوصول الى اتفاق برنامج مع صندوق النقد الدولي يمر في اربع مراحل تتضمن الاصلاحات في المالية العامة، وفي القطاع المالي، وفي القوانين (كابيتال كونترول)، وفي تقديم خطة موحدة.
رابعا- النجاح في إقرار خطة مع صندوق النقد الدولي، يُكسب الثقة في الاقتصاد اللبناني ويعيد التدفقات المالية إلى سابق عهدها، والى ما هو أفضل ايضاً.
وقالت مصادر معنية لـ”الجمهورية” ان كل هذا الكلام المنطقي، والايجابي في جانب منه، يصبح بلا قيمة في حال بقيت الحكومة في وضعية الشلل، كما هي اليوم.
ترسيم الحدود
من جهة ثانية دعا الوسيط الأميركي في عملية التفاوض غير المباشر لترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان إلى استكمال مفاوضات الترسيم بين بيروت وتل أبيب “خلال فترة قصيرة”.
وقال آموس هوكشتاين كبير مستشاري الرئيس الأميركي لأمن الطاقة خلال مقابلة تلفزيونية خلال زيارته لبنان امس الاول، إن حل مشكلة الحدود من شأنه أن يساعد في تخفيف أزمة الكهرباء التي يمر بها لبنان عن طريق السماح له بتطوير موارد الغاز البحرية لديه.