كتبت صحيفة “النهار” تقول: توزع المشهد الداخلي أمس بين “عاصفتين”: عاصفة غضب خليجية فجّرتها تصريحات لوزير الإعلام جورج قرداحي حملت سمة عدائية حيال الشرعية اليمنية والمملكة العربية السعودية خصوصا، والتي فجّرت الاحتقان المزمن لدى دول الخليج حيال لبنان على نحو غير مسبوق. وعاصفة الاحتجاجات على الأرض لمحازبي حزب “القوات اللبنانية” وأنصاره على استدعاء رئيس الحزب سمير جعجع إلى التحقيق لدى مخابرات الجيش في ملف احداث الطيونة وعين الرمانة، علما ان هذه الاحتجاجات وأكبت امتناع جعجع عن الحضور إلى جلسة الاستماع إلى افادته في اليرزة بعدما قدم مذكرة قانونية تعلل أسباب امتناعه عن تلبية طلب الاستدعاء.
وإذ بدا سابقاً لأوانه التكهن بمآل الأمور في التطور الثاني بعدما تسلم القضاء العسكري ملف التحقيق كاملاً سجّل تدهور سريع وبالغ الخطورة في وضع لبنان الديبلوماسي مع دول مجلس التعاون الخليجي قاطبة واليمن منذراً بما يشكل أسوأ ازمة مذ بدأت تتصاعد تداعيات تمدّد وتعمق النفوذ الإيراني إلى لبنان عبر “حزب الله” الذي دأب على ممارسة سياسة منهجية لتسميم علاقات لبنان بالدول الخليجية ولا سيما منها السعودية. وفي ظل احتقان بات عمره يعدّ بالسنوات جاءت تصريحات قرداحي الأخيرة، أحد وزيري “تيار المردة” في الحكومة، ولو سجلت قبل شهر من تسلمه مهماته الوزارية، لتشعل عاصفة الغضب الخليجية الأشد توهجاً بما ينذر بعزل لبنان تماماً هذه المرة عن علاقاته الخليجية وما قد يرتبه ذلك من تداعيات كارثية على مئات الوف اللبنانيين العاملين في الدول الخليجية. اذ ان التصريحات المخدرة والمهدئة والتنصل من تبعات تصريحات وزير الإعلام، لم تجد نفعاً في تبريد العاصفة، وبدا أن الإجراء الأقل المنتظر من لبنان الرسمي عبر حمل قرداحي إلى الاستقالة طوعاً أو إقالته لم يتخذ بما قد يستتبع إجراءات خليجية قاسية تبدأ بالمجال الديبلوماسي، بعدما قوبلت الإجراءات الأولية في بعض العواصم الخليجية بمكابرة من وزير الإعلام وعدم إبداء الحكومة والعهد الاستعداد الكافي لاتخاذ اجراء يوازي حجم العاصفة ويمنع تدحرجها.
وغداة تصريحات قرداحي التي قال فيها في آب الماضي قبل توزيره “السعودية والإمارات تعتديان على الشعب اليمني”، وأن الحوثيين يمارسون “الدفاع عن النفس” أعلنت كل من الكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة رسمياً استدعاء السفراء والقائمين بالأعمال اللبنانيين وتسليمهم مذكرات احتجاج على تصريحات قرداحي، فيما إستنكر السفير اليمني في لبنان عبدالله عبد الكريم الدعيس بعد استقباله السفير السعودي وليد بخاري الذي زاره صباحا، تصريحات قرداحي وزار لاحقاً وزارة الخارجية والتقى الامين العام للوزارة السفير هاني الشميطللي، وسلمه رسالة استنكار. واشارت معلومات إلى ان السفير السعودي أكد خلال لقائه نظيره اليمني موقف المملكة بشأن دعم الشرعية في اليمن لإنهاء الازمة والتوصل إلى حل سياسي. ولاحقا، قال مصدر سعودي: ان حلّ الأزمة الحادة التي تسبّبت بها تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي تكون عبر إقالته من موقعه كمدخل للخروج من الأزمة الديبلوماسية.
وأعربت الخارجية السعودية، عن أسفها لما تضمنته التصريحات الصادرة عن وزير الإعلام جورج قرداحي حول الحرب في اليمن، قائلة إنّها “تتنافى مع أبسط الأعراف السياسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين”.
وأضافت في بيان: “تلك التصريحات تعدّ إساءة تجاه المملكة، وتحيزاً واضحاً لمليشيا الحوثي الإرهابية المهدّدة لأمن واستقرار المنطقة”. كما أكّدت أنّها استدعت السفير اللبناني لدى المملكة وتمّ تسليمه مذكرة احتجاج رسمية بهذا الخصوص، “نظرًا لما قد يترتب على تلك التصريحات من تبعات على العلاقات بين البلدين”.
كما ان وزارة الخارجية الإماراتية وصفت تصريحات قرداحي بانها “مهاترات تتنافى مع الأعراف الديبلوماسية وتنم عن الابتعاد المتزايد للبنان عن اشقائه العرب”.
وفي اجراء لا يمكن عزله عن تداعيات تصريحات قرداحي أفادت وكالة الانباء السعودية ليلا ان جاهز امن الدولة السعودية صنف مؤسسة”القرض الحسن ” التابعة لـ “حزب الله ” كياناً إرهابياً لارتباطها بأنشطة داعمة للحزب واكد امن الدولة السعودي “مواصلة العمل على مكافحة الأنشطة الإرهابية لحزب الله والتنسيق مع الأشقاء والأصدقاء الدوليين لاستهداف مصادر الدعم المالي له”.
بين الحكومة وقرداحي
لكن قرداحي ردّ على العاصفة قائلاً انه “لا يجوز أن يكون هناك من يملي علينا ما يجب القيام به من بقاء وزير في الحكومة أو عدمه”. وقال: “عندما يطالبني أحد الوزراء بالاستقالة أقول انني جزء من حكومة متكاملة ولا يمكنني اتخاذ قرار وحدي “مشيرا إلى ان “مواقفي في تلك الحلقة تجاه سوريا وفلسطين والخليج العربي هي آراء شخصية ولا تلزم الحكومة، وبما أنني وزير في الحكومة أنا ألتزم سياستها”. وقال ان لديه الشجاعة الأدبية “للاعتذارعن خطأ ارتكبته اثناء وجودي في الوزارة بصفة رسمية”.
وبدا لافتاً ان تنصل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي من بعبدا باسمه وباسم رئيس الجمهورية ميشال عون من تبعات تصريحات قرداحي لم يوقف عاصفة الردود الخليجية. وهو أوضح ان “فخامة الرئيس عبّر، كما اكدت من ناحيتي ايضا، ان هذه المقابلة تعبر عن رأي الوزير الشخصي، وليس عن رأي الحكومة ولا عن رأي فخامة الرئيس، ونحن نحرص على اطيب العلاقات مع الدول العربية. صحيح اننا ننأى بأنفسنا عن الصراعات ولكننا لا ننأى بأنفسنا عن أي موقف عربي متضامن مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وهذا الموقف ثابت، كما نتطلع إلى أطيب العلاقات وأحسنها”. واعتبر “ان ما قاله معالي الوزير لن يؤثر على المسار العام، خصوصا وان ثوابت الموقف اللبناني من العلاقات مع الدول العربية وردت في البيان الوزاري. وقد أكد فخامة الرئيس هذا الموضوع، وانا هنا اشدد على موقفنا الواحد من ان هذا التصريح لا يمثل رأي الحكومة، بل نابع من رأي شخصي عبر عنه الوزير قبل تشكيل الحكومة ولم نسمع به”.
التظاهرات “القواتية”
في الملف المتصل باستدعاء رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع إلى فرع التحقيق في مخابرات الجيش للاستماع اليه بصفة مستمع اليه في حوادث الطيونة، لم يحضر جعجع كما كان متوقعا، فيما نزلت حشود قواتية سيارة إلى الشارع تعبيراً عن رفضها لهذا الاستدعاء “الاستنسابي” وتعبيراً عن تضامنها والتفافها حول جعجع. وتجمّعت وفود قواتية من مختلف المناطق في تظاهرات سيارة حاشدة على الطرق إلى معراب من دلبتا إلى بكركي وحريصا، “رفضاً للقضاء المسيّس والاستنسابي” وفق تعبير المشاركين، الذين “رفضوا استدعاء المعتدى عليهم من اهالي عين الرمانة، واستدعاء رئيس القوات، فيما لم يستدع المحرضون والمعتدون وهم من أنصار الثنائي الشيعي”.
وفي غضون ذلك تبلغ مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي من مخابرات الجيش عدم حضور جعجع إلى فرع التحقيق لديها كمستمع إليه في احداث عين الرمانة. وطلب مفوض الحكومة ختم التحقيق وإيداعه المحضر. وتدرس النيابة العامة العسكرية الملف الذي بات في عهدتها تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب.
واشارت مصادر قضائية إلى ان قاضي التحقيق فادي صوان تسلم الملف وهو اذا ارتأى ضرورة الاستماع إلى جعجع يقوم بإبلاغه.
وغرّد جعجع على حسابه الخاص عبر “تويتر”، قائلاً: “اتيتم اليوم من كل المناطق رفضاً لتسييس القضاء ورفضاً لملاحقة المعتدى عليهم، اتيتم دعماً للتحقيق في انفجار المرفأ وتأكيداً بأن المرتكب في المرفأ وعين الرمانة لن يفلت من العقاب. فشكراً من القلب لكم جميعاً وعهداً ان نبقى معاً انتصاراً للحرية والحق والعدالة وصونًا للبنان ومستقبل أجياله القادمة”، وقد أُرفقت التغريدة بصورة له حاملاً وردةً بيضاء.