لم يكن مفاجئاً ان يطغى طابع إبداء النيات والاستعدادات للتوسط بين لبنان والمملكة العربية السعودية على مهمة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي في بيروت من دون أوهام في قدرة الجامعة او أي وسيط اخر على إحداث تأثير إيجابي ما دام مفتاح الحل المتمثل باستقالة وزير الاعلام جورج قرداحي متعذراً وممنوعاً حتى على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. ولذا لم تخطف جولته على الرؤساء الثلاثة ووزير الخارجية الاهتمامات بقدر ما اتجهت الأنظار إلى ظاهرة تجمع العوامل القضائية والقانونية والسياسية في آن واحد، هي ظاهرة “تدفق” المراجعات والمذكرات والشكاوى المتصلة بمهمة المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وكل ما نشأ من تداعيات عن التطورات الأخيرة المتعلقة بقرار القاضي حبيب مزهر كف يد البيطار موقتاً عن التحقيق.
هذه الظاهرة وان نشأت ظاهراً وقانوناً من السبل التي تتيحها قنوات المراجعات والشكاوى بما يظهر الحجم الاستثنائي لأحد أضخم ملفات التحقيق التي عرفها لبنان في ملف ثالث أكبر انفجار تقليدي عرفه العالم، فإنها في الجانب الواقعي والعملي بدأت تفاقم المخاوف على مهمة المحقق البيطار كما على التحقيق العدلي برمته. اذ ان ما شهده قصر العدل أمس في تلقيه شريطاً طويلاً من الدعاوى والمراجعات جاء عقب استفحال الحرب السياسية الجارية على خلفية هذا التحقيق وفي ظل الهجوم العنيف المتدحرج للثنائي الشيعي على البيطار. ومع تفاقم الازمة من خلال اقتحامها أبواب البيت القضائي مع البلبلة الواسعة التي اثارها القاضي مزهر، كان بديهيا ان يرتسم أمس مزيد من الشكوك والمخاوف حيال مصير التحقيق كلا في ظل هجمة المذكرات وتداخل الشكاوى والشكاوى المضادة بما يشبه الإغراق الذي يضع التحقيق امام مزيد ومزيد من الترحيل والتأخير والعرقلة.
اذ ان نحو سبع دعاوى ومراجعات تقدمت بها جهتا الدفاع والإدعاء في ملف إنفجار المرفأ من شأنها ان تدخله في مرحلة إستئناف الإنتظار للمضي في التحقيق بهذه القضية. ولعل اللافت ان هاتين الجهتين لم تدّخرا جهداً قانونياً إلا ودقتا بابه. والسؤال هو إلام ستؤول اليه هذه النزاعات امام القضاء؟ وقد تقدم وكيل الوزيرين السابقين غازي زعيتر وعلي حسن خليل بدعويي مخاصمة الدولة أمام هذا المرجع القضائي. وانضمتا إلى دعويي المخاصمة المقدمتين في وقت سابق من الرئيس حسان دياب والنائب نهاد المشنوق. وعلى الطريق دعوى مماثلة من الوزير السابق يوسف فنيانوس. كما تقدم وكيلا فنيانوس بطلب رد القاضية روزين الحجيلي عن النظر في رد القاضي البيطار المقدم من الوزير السابق نفسه في وقت سابق. والقاضية الحجيلي مستشارة في محكمة الإستئناف. ثم تقدمت نقابة المحامين في بيروت المدعية في ملف انفجار المرفأ بمراجعتين أمام الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله طلبت فيهما رجوع رئيس محكمة الإستئناف القاضي حبيب مزهر عن قرار ضم مسألة رد البيطار إلى ملف تنحية القاضي إيليا، وكذلك النظر بطلب رد المحقق العدلي من دون تكليف.
جولة زكي
اما في ملف الأزمة بين لبنان والدول الخليجية فلم يطرأ واقعيا أي جديد مع جولة زكي الذي حاول معرفة ما إذا كانت الجامعة قادرة على لعب دور في تسوية الخلاف. وهو أكد بنفسه ان المسألة “أبعد من توصيف وزير لما يحصل في اليمن” وأعلن أنه جاء للإطلاع على الموقف اللبناني أولاً، بهدف بذل جهد لتقريب وجهات النظر وحل الإشكال مع السعودية. وأشار إلى أن “المصلحة اللبنانية والخليجية، هي هدف جامعة الدول العربية وسبيلنا للتوصل إلى مخرج لهذا الوضع” وكشف أن”إذا احتاج الأمر زيارة إلى السعودية، فإنه سيقوم بذلك”.
وسمع من رئيس الجمهورية ان “لبنان حريص على إقامة أفضل العلاقات واطيبها مع الدول العربية الشقيقة، لا سيما منها المملكة العربية السعودية ودول الخليج، ولم يترك مناسبة الا وعبر عن هذا الحرص”، لافتا إلى “ضرورة الفصل بين مواقف الدولة اللبنانية وبين ما يمكن ان يصدر عن افراد او جماعات، خصوصا إذا ما كانوا خارج مواقع المسؤولية”. كما سمع من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي” ان لبنان حريص على عودة علاقاته الطبيعية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وسيبذل كل جهد ممكن لازالة ما يشوب هذه العلاقات من ثغرات ومعالجة التباينات الحاصلة بروح الأخوّة والتعاون”. ولوحظ ان زكي أكد من السرايا “إننا وجدنا ثقباً في الباب نُحاول أن نمرّ منه ونرحّب بكل جهد عربي لحل الأزمة بين لبنان والدول الخليجية. وكان يمكن لهذه الأزمة ألا تكون. ولكن حصلت تطورات والأزمة أخذت منحى آخر”. وأكد أن “الاغلبية تعلم كيف هي الطريق لحل الازمة السعودية اللبنانية لكن لم يتقدم أحد بخطوة واحدة”. وشدد من عين التينة بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري على ان “العلاقات العربية – العربية يجب أن تكون إيجابية وجيدة ومسألة استقالة قرداحي كان يمكن أن تنزع فتيل الأزمة من البداية لكن الأمور استمرّت على حالها والأجواء التي استمعت إليها من الرؤساء الثلاثة حريصة على العلاقات مع الخليج”.
واشارت المعلومات إلى ان زكي لمح إلى أن المملكة العربية السعودية لن تستجيب لأي مسعى قبل استقالة الوزير قرداحي، وذلك من خلال طلبه الفصل بين ملف قرداحي وملف العلاقات مع “حزب الله”. وأفادت معلومات أخرى ان زكي تواصل مع مسؤولين من “حزب الله” واقترح ان يعود وزراء الثنائي الشيعي إلى مجلس الوزراء ويصوتوا ضد استقالة او إقالة قرداحي لكن اقتراحه رفض.
جنبلاط
اما التطور الإبرز الذي سجل في هذا السياق فبرز عبر هجوم عنيف هو الأول بعد فترة مهادنة طويلة شنه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على “حزب الله ” معلنا انه صمت كثيرا عنه واتهمه بالتسبب بخراب بيوت اللبنانيين في الخليج. وقال جنبلاط في حديث إلى محطة “ام تي في” ان المخرج الآني للأزمة مع السعودية والخليج هو في “اقالة قرداحي ثم الاعتذار من الخليج وليس العكس كما يريد البعض في محور الممانعة وليسمح لنا حزب الله الذي صبرت عليه كثيرا”. ووصف أداء الرئيس ميقاتي في هذه الازمة بانه ممتاز واعتبر ان حزب الله خرب بيوت اللبنانيين في الخليج. وسأل “اين موقف رئيس الجمهورية من الأزمة؟”.
ولفت جنبلاط إلى ان: لا مقايضة بين ملفّي مرفأ بيروت والطيونة ولو كنت مكان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لما رفضت الذهاب إلى التحقيق ولكن له ظروفه ربّما”. وعن الطعون في قانون الانتخابات التي من المنتظر ان تُقدم للمجلس الدستوري، اكد أن “اي طعن يعني الذهاب نحو تعطيل الانتخابات”.
“منتدى الانتخابات”
في غضون ذلك ترأست المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانّا فرونِتسكا ووزير الداخلية والبلديات بسام المولوي أمس “منتدى الانتخابات” لمناقشة استعدادات لبنان للانتخابات النيابية عام 2022 وكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد لبنان على أكمل وجه. وجمع “منتدى الانتخابات”، الذي عقد في وزارة الداخلية والبلديات في بيروت، ممثلين عن الحكومة اللبنانية والمجتمع المدني والمجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة. واعربت المنسقة الخاصة عن ترحيبها “بالتزام الحكومة بالانخراط بشكل مشترك في هذا المجال انطلاقا من مصلحتنا المشتركة بأن تجرى الانتخابات وفقاً للدستور اللبناني، باعتبارها ركن من أركان الديمقراطية وتحقيقاً لتطلعات الشعب اللبناني.”
وركزت النقاشات على أهمية التعاون بين مختلف المعنيين من أجل نجاح العملية الانتخابية، بما في ذلك من خلال تفعيل وتعزيز هيئة الإشراف على الانتخابات والمشاركة الفاعلة للمجتمع المدني وانخراط المرأة بشكلٍ ملموس.
واضافت المنسقة الخاصة بأنه “بينما يقع على عاتق لبنان في الدرجة الأولى ضمان إجراء الانتخابات وفقاً للدستور وقانون الانتخاب، ولكننا هنا اليوم لنرى كيف يمكننا، كمجتمع دولي، أن ندعم لبنان على أكمل وجه.”وشددت على أهمية الإصلاحات الجريئة والعميقة للبنان، قائلةً بأن انتخابات عام 2022 جوهرية لنجاح أجندة الإصلاح وإعادة بناء الثقة مع المواطنين اللبنانيين. وقالت انها تتطلع إلى اجتماعات المنتدى المستقبلية استمرارا للحوار بين الحكومة وأصحاب الشأن المحليين والمجتمع الدولي دعماً للعملية الانتخابية.