لعلها مهزلة بكل المعايير الهزلية المخجلة ان تنشغل وسائل الاعلام لساعات أمس بتبادل التغريدات والبيانات النارية بين بعبدا وعين التينة، فيما تتخبّط الرئاسات والمؤسسات وسائر المعنيين بعجز معيب عن وقف موجات الغضب الخليجي على لبنان التي يفاقمها مضي “حزب الله” في هجماته الكلامية الاستفزازية.
وفي ما يمكن ان يشكل مؤشراً إضافياً إلى الموجة الثانية من إجراءات القطيعة الخليجية ضد لبنان، جاء الاجراء الذي باشرت الكويت تنفيذه بوقف منح أنواع التأشيرات للبنانيين ليشكل نذير اتساع وتفاقم خطورة الازمة بين لبنان والدول الخليجية، علما ان اتخاذ الكويت تحديداً هذا الاجراء اكتسب دلالات شديدة الوقع نظرا إلى ما اعلن قبل أيام من ضبط السلطات الكويتية خلية متهمة بالعمل لـ”حزب الله”. ولعل الأسوأ من الجانب اللبناني ان معالم التصعيد في الإجراءات الخليجية، ووسط ازدياد المخاوف على أوضاع اللبنانيين العاملين في الدول الخليجية، لم تقابل بعد بأي اجراء لبناني على مستوى خطورة هذه الازمة وتداعياتها المقلقة، بل ان لقاء رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي أمس بدا عيّنة معبّرة عن الدوران في المراوحة والعجز حتى عقد جلسة لمجلس الوزراء. وبدا واضحاً ان الرئيس ميقاتي لا يزال يسعى وحده إلى فتح اول مخرج للأزمة من خلال اقالة او استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي، في حين ان رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري ينأيان بنفسيهما عن التدخل المباشر او الضغط على حلفائهما، وقت باتت تتداخل على نحو شديد السلبية مسألة مقاطعة وزراء الثنائي الشيعي مجلس الوزراء بسبب موقف الثنائي من المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار مع تداعيات الازمة الخليجية. ويخشى ان تكون الحكومة قد دخلت واقعياً في مرحلة شلل طويلة المدى ولو تحت شعار تمويهي هو تفعيل اللجان الوزارية، كما تسرب عن لقاء القصر مساء أمس، اذ يعكس ذلك استسلام الرؤساء الثلاثة للتعطيل الذي شلّ مجلس الوزراء وحاصر الحكومة بما لا يعرف معه حجم السلبيات التي ستتأتى عن هذا الاستسلام. كما ان ما يزيد الطين بلّة هو تجدّد السجالات بحدة بالغة بين “التيار الوطني الحر” وحركة “امل ” فيما جرت جولة تراشق بالتغريدات، ولو خاطفة، أمس بين الرئيسين عون وبري مباشرة على خلفية الملف القضائي.
وكانت وزارة الداخلية الكويتية اعلنت بحسب معلومات مصادر أمنية كويتية، انها أوقفت إصدار كل أنواع التأشيرات لأبناء الجالية اللبنانية، حتى إشعار آخر، وذلك على خلفية الأزمة الديبلوماسية الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي ولبنان. وأوضحت هذه المصادر كما نقلت عنها وسائل اعلام كويتية “إن من لديهم إقامات داخل البلاد من اللبنانيين غير مشمولين بالقرار، ومن حقهم العودة إلى البلاد، مشيرةً إلى أن القرار يشمل وقف إصدار الزيارات بأنواعها سواء أكانت عائلية أو سياحية أو تجارية أو حكومية، وكذلك وقف سمات الالتحاق بعائل، إضافة إلى وقف سمات الدخول “فيزا العمل”.
لقاء بلا جدوى
ولم يغب هذا التطور عن الاجتماع الذي عقد بين رئيس الجمهورية والرئيس ميقاتي عصر أمس في قصر بعبدا فضلا عن تداعيات الازمة كلا مع الخليج ومسألة معالجة “العطب” الحكومي المستمر منذ أسابيع. وغادر ميقاتي قصر بعبدا من دون الإدلاء بتصريح مكتفيا بالقول: “من قال ليس هناك ايجابيات، بكرا الشمس بتطلع والناس بتقشع”. وعلمت “النهار” ان لقاء عون وميقاتي لم يبلور اتفاقاً بعد على عقد جلسات لمجلس الوزراء وان التركيز لا يزال مستمراً على تفعيل عمل اللجان الوزارية من اجل انجاز البرامج والمشاريع لتكون جاهزة امام مجلس الوزراء عند معاودة جلساته ومن ضمنها مشروع قانون الموازنة العامة.
وكان الرئيس ميقاتي جدد أمس تأكيد موقفه “بأولوية العلاقات الأخوية التي تربط لبنان بدول الخليج وضرورة تغليب المصلحة الوطنية العليا، في الشأن السياسي وفي العلاقات الدولية، على المصالح الفئوية والشخصية”. وجاء ذلك خلال استقباله سفيري لبنان في المملكة العربية السعودية فوزي كبارة، ومملكة البحرين ميلاد نمور وعرض معهما تداعيات الأزمة الخليجية الأخيرة. وأعرب السفيران كبارة ونمور من جهتهما عن تخوفهما من تفاقم تداعيات هذه الأزمة على مستقبل العلاقات الثنائية بين لبنان ودول الخليج وانعكاسها على مصالح اللبنانيين والجاليات هناك. ولفتا إلى ان كل يوم تأخير في حل الأزمة سيؤدي إلى مزيد من الصعوبة في ترميم هذه العلاقات واعادتها إلى ما كانت عليه سابقاً.
في المقابل، وعشية كلمة مرتقبة للامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عصر اليوم في مناسبة “يوم الشهيد” واصل الحزب هجومه العنيف على الرياض. واعتبر نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم “ان السعودية افتعلت المشكلة مع لبنان ولا مطلب لنا منها سوى كف يدها عن التدخل في شؤوننا”.
بين بعبدا وعين التينة
في غضون ذلك وعلى الخط القضائي، انحسرت أمس نسبياً “حرب الدعاوى” المتبادلة بين الساعين إلى كفّ يد المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق البيطار، وداعميه، الا ان تطوراً لافتاً برز مساء مع اشتعال سجال عنيف بين بعبدا وعين التينة. فقد غرّد رئيس الجمهورية ميشال عون عبر “تويتر” قائلا: “الأبرياء لا يخافون القضاء… وكما قال الإمام علي “من وضع نفسه موضع التهمة فلا يلومَنّ من أساء به الظن”، قبل ان يسارع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الرد عليه قائلا: على ألا يكون القضاء قضاء السلطة وما أدراك ما هي..” وتوالت الردود بين الطرفين.
من جهته، وإثر زيارته مطرانية بيروت للروم الارثوذكس حيث التقى المتروبوليت الياس عودة، قال ميقاتي ردا على سؤال: نحن مع بقاء ملف المرفأ في يد المحقق العدلي ولا نتدخل في القضاء.
وشنت محطة “ان بي ان ” الناطقة باسم رئيس المجلس هجوماً حاداً على العهد مما جاء فيه: “سيسجل التاريخ أن العدلية انقسمت طائفيا في عهد ميشال عون. سيسجل التاريخ ان حالة الإنفصام القوي، جعلت رئيس الجمهورية يغرد ان الأبرياء لا يخافون القضاء، فيما هو اول من يخالف ما ينصح به الآخرين وهو أول من تدور حوله شبهة الخوف لأنه كان يعلم بالنيترات وبدلا من أن يتحرك حرك مجلسي الدفاع الأعلى والقضاء الأعلى ليس لإحقاق الحق بل لحماية نفسه والحاشية والانتقام من الخصوم بعدما وقعت الواقعة بفعل تقصيره في أداء واجبه الدستودي المتعلق بحماية البلاد. ظن ميشال عون أنه يستطيع أن يقول للرأي العام نصف الحقيقة التي لم يبدأ بتطبيقها على نفسه أولا وظن أن الناس ستصدقه ولكن حديثه الناقص تممه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا يحب أي شيء ناقص بتعليق يصلح أن يعلقه سهيل عبود على باب العدلية.
الأبرياء لا يخافون القضاء على أن لا يكون القضاء قضاء السلطة وما أدراك ما هي…”ومساء أصدر مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية بيانا رد فيه على ما اوردته محطة الـ ” أن بي أن” من “كلام مسيئ” واعتبر انه “يطرح تساؤلات عدة:
– أولا لماذا اعتبر من سارع إلى الرد على تغريدة رئيس الجمهورية نفسه معنياً بها، فما اورده الرئيس عون كان كلاماً في المطلق لم يستهدف احداً، لا بالاسم، ولا بالصفة، وهو جزء من تربية شكلت حِكم الامام علي واقواله، إحدى قواعدها الاساسية والتي يمكن الاستشهاد بها في تلقين تعاليم الاخلاق.
– ثانياً ليس في التغريدة اي مدلولات طائفية، فلماذا محاولة إضفاء ابعاد طائفية على وجهة نظر لا خلاف دينياً عليها، الامر الذي يشكل تمادياً مشبوهاً ومكرراً في اللعب على الوتر الطائفي لأهداف واضحة القصد ولا تحتاج إلى تفسير.
– ثالثاً لماذا اعتبر من ردّ على التغريدة بأن المقصود هو التحقيق في جريمة مرفأ بيروت، فيما هناك قضايا أخرى عالقة امام القضاء ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ملابسات أحداث الطيونة-عين الرمانة، وبالتالي فأي ريبة لدى اصحاب الردّ جعلتهم يعتبرون ان الكلام موجه إليهم.
لعلّ الاجوبة على ما تقدم ليست بالامر الصعب، لأن ما قاله الرئيس عون في تغريدته ليس نصف الحقيقة، بل الحقيقة كلها. وقديماً قيل: إن اللبيب من الاشارة يفهم! ”
وسارع مكتب الاعلام في رئاسة مجلس النواب إلى الرد على الرد فقال “الذي أجاب على التغريدة انما هو رد على النوايا “الصادقة” التي تمتعتم بها… الجمل بنية والجمال بنية والحمل بنية أخرى… والله من وراء القصد”.
وفي غضون ذلك أصدر مجلس القضاء الأعلى بيانا اعتبر فيه “أن ما يتعرّض له القضاء والقضاة، من حملات وتهجّم وتطاول، يتجاوز كل الحدود، وليس من هدف واضح له، سوى ضرب الثقة بالقضاء وبالقضاة. كما يعتبر، ان ما تعرّض له عضو المجلس، القاضي حبيب مزهر بالأمس في مكتبه، في قصر العدل في بيروت، هو مستهجن ومدان وخارج عن أي قواعد أو أصول”.
وأهاب مجلس القضاء الأعلى “بالجميع اخراج القضاء من دائرة التجاذبات والحملات المتبادلة، تمكيناً له من القيام بدوره، وفق ما هو مناط به من مسؤوليات وموجبات”.