لم تثمر كل الحركة التي شهدتها الساحة اللبنانية يوم أمس اي انفراجات من شأنها ان تعيد عجلة الحكومة الى الدوران، في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بشكل غير مسبوق وبخاصة مع صدور جداول جديدة لأسعار الأدوية تبين أن أكثر من نصف اللبنانيين لم يعودوا قادرين على شرائها بشكل دوري، كما مع استمرار عمليات صرف العمال والموظفين من المؤسسات والمصارف، ما يهدد بانفجار اجتماعي غير مسبوق في حال لم يتم اعلان حالة استنفار للحد من مآسي اللبنانيين. والأخطر ان ما يحصل داخليا يترافق مع كباش اقليمي ودولي يتخذ من الساحة اللبنانية حلبة صراع وتصفية حسابات، ما يؤكد ان الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات ولا سقف زمنيا لها، فلا انطلاق مفاوضات فيينا مجددا حول الملف النووي الايراني من شأنه ان يشكل مفترق طرق ولا حتى الانتخابات النيابية المقبلة قد تضع البلد على سكة الحل خاصة وان استطلاعات الرأي تؤكد ان المشهد لن يتغير كثيرا في مجلس النواب الجديد.
الكويت تتخذ اجراءات جديدة!
وكأن ما يرزحون تحته من ضغوط داخلية غير كاف، واصلت دول الخليج اجراءاتها التصعيدية بوجه اللبنانيين، لاعتبارها ان السلطات اللبنانية تتجاهل الأزمة وتتعاطى معها وكأنها غير موجودة. وسجل أمس وضع جهاز أمن الدولة في الكويت أسماء 100 وافد من جنسيات مختلفة على قوائم الممنوعين من تجديد إقاماتهم في البلاد عند انتهائها، ما يوجب عليهم وأسرهم المغادرة فور انتهاء إقاماتهم. وقالت مصادر أمنية مطلعة في الكويت لصحيفة “القبس” الكويتية إن “الغالبية العظمى من الممنوعين من تجديد إقاماتهم يحملون الجنسية اللبنانية، والباقون من جنسيات مختلفة وعديدة، أبرزها الإيرانية واليمنية والسورية والعراقية والباكستانية والأفغانية والبنغالية والمصرية”. الاجراء الكويتي هذا، جاء بالتزامن مع اعلان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ان “الفساد السياسي والاقتصادي المتفشي في لبنان هو الذي يدفعنا للاعتقاد بغياب الجدوى لوجود سفيرنا في لبنان” كما مع تحديث جديد نصحت فيه بريطانيا بعدم السفر إلى لبنان باستثناء السفر الضروري.
واستهجنت مصادر “الثنائي الشيعي” ما قالت انه “مزايدة كويتية في الاجراءات المتخذة بحق لبنان واللبنانيين لجهة حصارهم والتضييق عليهم”، معتبرة انه “حتى السعودية لم تتخذ التدابير التي اتخذتها الكويت سواء من حيث التعامل مع المقيمين او من حيث التشدد في التحويلات المالية علما ان هناك معلومات عن وقفها كليا”. وقالت المصادر لـ”الديار”:”كل ما يحصل يؤكد ان دول الخليج اتخذت من موقف أعلنه وزير الاعلام جورج قرداحي قبل تبوئه منصبه حجة لشن هجوم غير مسبوق على اللبنانيين. فبدل أن تقف الى جانبهم في محنتهم المالية والاقتصادية، اذا بها تعبث بالجرح وترش الملح عليها لتفاقم الأوجاع”.
مساران للحل لا واحد!
وفيما جدد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس “دعوة جميع الاطراف المشاركة في الحكومة، الى التعاون لاعادة عجلة العمل الحكومي الى الدوران الكامل وفق خارطة الطريق التي حددتها منذ اليوم الأول وصون علاقات لبنان مع دول العالم لا سيما الاشقاء في دول الخليج”، داعيا الى “ابعاد ملف انفجار مرفأ بيروت عن السياسة وحصره في اطاره القضائي الصرف واعتماد الاصول الدستورية في معالجته”، نفت مصادر سياسية مطلعة على الحراك الذي تشهده الساحة اللبنانية ان يكون هناك عمل على مقايضة رأس المحقق العدلي القاضي طارق البيطار باعادة دوران عجلة مجلس الوزراء، وقالت لـ”الديار”:”يتم حل كل ملف على حدة. بما يتعلق بقضية البيطار، يعول “الثنائي الشيعي” حاليا على القرار الذي سوف تتخذه محكمة التمييز بالدعويَين المقدّمتَين من رئيس الحكومة السابق حسان دياب ومن النائب نهاد المشنوق، لمخاصمة الدولة اللبنانية عمّا أسموه “الخطأ الجسيم” الناجم عن عمل القاضي البيطار، جرّاء ملاحقتهما في هذه القضيّة. ويعتقد “الثنائي” ان قرارا بكف يد البيطار سيتخذ قبل يوم الخميس. اما بما يتعلق بقضية قرداحي، فلا شيء يمنع تقديم استقالته في حال كانت تضع حدا للمسار التصعيدي الذي تتخذه الاجراءات الخليجية، بعدما بات محسوما ان القرداحي ليس سبب الازمة وبالتالي استقالته لن تعيد الأمور لما كانت عليه قبل اخراج تصريحات سابقة له للتداول”.
قطر وتركيا بديل للخليج؟
ويبدو ان المسؤولين اللبنانيين يتجهزون للتعايش مع واقع “القطيعة الخليجية” للبنان أقله حتى موعد الانتخابات المقبلة، ما سيجعلهم يلجأون الى ملاقاة اي يد ممدودة لاغاثة لبنان. وبدا لافتا الاعلان عن زيارة يقوم بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قريبا الى قطر، فرغم وضع مصادر قريبة من عون في حديث لـ”الديار” الزيارة في خانة “تلبية دعوة أمير الدولة للمشاركة في افتتاح بطولة كأس العرب الفيفا 2021″، الا ان توقيت الزيارة يترك اكثر من علامة استفهام خاصة ان الرئيس عون لم يقم طوال فترة ولايته الا بزيارات معدودة الى الخارج نظرا لسنه ووضعه الصحي.
ووضعت مصادر مطلعة على الحراك الحاصل في لبنان وعلى جولة وزير الخارجية التركية مولود جاويش اوغلو على المسؤولين اللبنانيين، ما يحصل في خانة “سعي قطر وتركيا لسد الفراغ الذي تتركه الدول العربية في لبنان من خلال مد يد التعاون”، وقالت المصادر لـ”الديار”:”يبدو ان الطرفين اللبناني من جهة والقطري والتركي من جهة أخرى يدسان النبض السعودي وما اذا كان اي انفتاح وتعاون قد يؤدي لغضب سعودي اضافي”.
وأعلن أوغلو صراحة أمس توجيه دعوة الى ميقاتي لزيارة تركيا ودعم تركيا للاقتصاد اللبناني واستعدادها للتدخل في رأب الصدع بين بيروت والخليج. وابلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اوغلو، ان ”لبنان يرحب بأي مساعدة يمكن ان تقدمها تركيا لتسهيل عودة النازحين السوريين الى ديارهم التي أصبحت بغالبيتها آمنة، لا سيما لجهة الضغط على المجتمع الدولي لكي يقدم المساعدات للنازحين داخل سوريا تشجيعا للعودة”، وايد الرئيس عون “تنسيق الجهود الإقليمية في سبيل ذلك مع تركيا والأردن والعراق”. واكد رئيس الجمهورية “الرغبة في توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين وتطويرها في المجالات كافة، خصوصا زيادة نسبة استيراد تركيا للمنتجات اللبنانية، لا سيما وان الميزان التجاري يميل حاليا لصالح تركيا”.
وكان الوزير اوغلو نقل الى الرئيس عون رسالة شفهية من نظيره اردوغان، اكد فيها “عمق العلاقات بين لبنان وتركيا”، ورغبته في “تطويرها وتعزيزها على مختلف الأصعدة”، مهنئا بـ”قرب حلول عيد الاستقلال”، وأشار الى ان “الزيارة الرسمية المرتقبة لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى تركيا ستكون مناسبة للبحث في الاتفاقيات المشتركة التي تزيد العلاقات بين البلدين وثوقا”. واعرب اردوغان عن امله في ان “يتجاوز لبنان قريبا الازمة التي نشأت بينه وبين عدد من دول الخليج”، واستعداد بلاده “لتقديم أي مساعدة في هذا المجال”.
في هذا الوقت، أفادت المعلومات أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنجز بناء على طلب شركة تدقيق خاصة جردة بكل حساباته المالية، وانه سيعلن في بيان خلال ساعات نتائج هذا التدقيق. وستكون له اطلالة تلفزيونية ليشرح كل التفاصيل.
الرئيسية / صحف ومقالات / الديار : تركيا وقطر تحاولان سد الفراغ في لبنان… واستقالة قرداحي توقف التصعيد ولا تحل الأزمة ؟ ”الثنائي الشيعي” يعول على كف يد البيطار من قبل محكمة التمييز هذا الأسبوع بيان هام لحاكم البنك المركزي سلامة اليوم … فما هو المضمون؟