اللقاءات المتلاحقة والمتنوعة التي عقدها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية وخارجها امس، وما اطلقه خلالها من مواقف، عكست مؤشرات الى حلحلة متوقعة تؤسس لحلّ الأزمة في وقت ليس ببعيد، سواء على صعيد عودة مجلس الوزراء الى جلساته او على مستوى معالجة الأزمة الناشئة بين لبنان والسعودية وبعض دول الخليج. وكان اللافت في هذا الصدد، لقاؤه الصباحي مع رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ثم اللقاء بعد الظهر مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعُلم انّ اللقاءين تناولا في شكل اساسي الأزمة مع السعودية وسبل معالجتها، خصوصاً في ظل رغبة رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ميشال عون في ان يقدّم وزير الاعلام جورج قرداحي استقالته كمدخل الى معالجة تلك الأزمة، كون الجانب السعودي اخذ من مواقف قرداحي (قبل توزيره وبعده) ذريعة لمقاطعة لبنان. وعلمت “الجمهورية” من أجواء اللقاءين، انّ الأزمة ستمضي الى حلول ولكن بهدوء، خصوصاً انّ ميقاتي لا يتوقف عند مواقف قرداحي في حدّ ذاتها، وانما يركّز على معالجة تداعياتها الحاصلة، بغية حماية مصالح لبنان واللبنانيين في دول الخليج، تبعاً لحال الانهيار التي يعيشها البلد، وهو يعمل وحكومته على الخروج منها، عبر خطة التعافي التي يعمل على وضعها حيز التنفيذ، بدعم المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية.
وكان ميقاتي كرّر أمس دعوة جميع الأطراف المشاركة في الحكومة، الى “التعاون لإعادة عجلة العمل الحكومي الى الدوران الكامل، وفق خريطة الطريق التي حدّدها منذ اليوم الأول، وصون علاقات لبنان مع دول العالم، لا سيما الأشقاء في دول الخليج”. وقال خلال اجتماع موسّع للبحث في إستكمال “خطة الإصلاح والنهوض وإعادة الاعمار” التي اطلقها البنك الدولي والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي إثر انفجار مرفأ بيروت: “كفانا اضاعة للوقت وللفرص، ولنتعاون جميعاً في ورشة عمل نمضي فيها في حلّ ما أمكن من مشكلات لها علاقة بأولويات اللبنانيين الموجوعين، ووضع سائر الملفات المرتبطة بالمعالجات المتوسطة والطويلة الأمد على سكة النقاش مع الهيئات الدولية المعنية”.
وأضاف: “في موازاة العمل على بلسمة جروح بيروت التي اصابها الانفجار المدمّر في الرابع من آب 2020، فإنّ الاولوية تبقى لجلاء ملابسات هذه الجريمة الفظيعة وكشف تفاصيلها والضالعين فيها، وبلسمة جروح المفجوعين. وفي هذا الإطار أجدّد دعوة الجميع الى إبعاد هذا الملف عن السياسة وحصره في اطاره القضائي الصرف واعتماد الاصول الدستورية في معالجته”.
وسبق مواقف ميقاتي هذه بيان لمكتبه الإعلامي اكّد فيه أن “لا تدخّل سياسياً على الاطلاق في عمل القضاء، ولا رابط بين استئناف جلسات مجلس الوزراء وبين ملف التحقيق القضائي في انفجار مرفأ بيروت”.
أزمة في لبنان
الى ذلك، لم يُسجّل امس اي تطور ايجابي على صعيد الأزمة الديبلوماسية بين لبنان والسعودية وبعض دول الخليج. وكان الجديد كلام جديد لوزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان لـ”فرانس 24″ قال فيه: “لا أزمة مع لبنان، بل هناك أزمة في لبنان تسبّب بها ”حزب الله”. وأضاف: “الفساد السياسيّ والاقتصاديّ المتفشّي في لبنان هو الذي يدفعنا الى الاعتقاد بغياب الجدوى لوجود سفيرنا في بيروت”.
وفي التداعيات، برزت من الكويت مجموعة من العقوبات الجديدة التي يمكن بعض دول مجلس التعاون الخليجي أن تُقدم عليها ضدّ لبنان، حيث كشفت جريدة “القبس” شبه الرسمية، انّ “إدارة شؤون الإقامة طلبت من بعض المقيمين مغادرة البلاد فوراً مع أسرهم”، وأنّ من بينهم “معاملات مقيمين لبنانيين للاشتباه في انتمائهم لـ”حزب الله” باعتبارهم من المقرّبين من الدرجة الأولى منهم”.
وفي الوقت الذي لم تتبلّغ اي مرجعية لبنانية بهذه الإجراءات لا في وزارة الخارجية ولا الأجهزة الامنية المختصة، تنتظر الأوساط المعنية تأكيدات رسمية كويتية لنفي هذه المعلومات او تأكيدها، لم تصدر حتى ساعة متأخرة من ليل امس.
نصيحة بريطانية
تزامناً، وفي خطوة مفاجئة، نصحت بريطانيا مواطنيها في تحذير جديد، بعدم السفر إلى لبنان باستثناء السفر الضروري. وقالت في بيان إنّ “وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية تنصح الآن بوقف كل السفر إلى لبنان باستثناء السفر الضروري وباستثناء تلك المناطق التي تنصح وزارة الخارجية بعدم السفر إليها”.
لا زيارة لآل ثاني
وعلى صعيد آخر، حسمت مصادر ديبلوماسية لبنانية وعربية عبر ”الجمهورية”، مصير الزيارة المرتقبة لوزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الى بيروت. وقالت انّ الحديث عنها طوي بمرور اليوم الذي كان متوقعاً وصوله الى بيروت امس.
ولفتت المصادر، الى انّ ما حُكي عن وساطة قطرية ستقوده الى بيروت خلال أيام، عقب لقائه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على هامش مؤتمر المناخ في غلاسكو، قد طُويت الى توقيت آخر وربما نهائياً. وردّت اسباب ذلك الى انّ رأس الديبلوماسية القطرية لم يتمكن من تجميع الأوراق التي تسمح له بالقيام بها تحت اي ظرف. كما بالنسبة الى حصيلة مشاوراته مع طهران في الفترة التي سبقت زيارته لواشنطن بأيام قليلة ولقائه مع نظيره الاميركي انتوني بلينكن الذي لم ينته الى تشجيعه على القيام بأي خطوة في اتجاه دور الوسيط الناجح.
شاووش اوغلو
الى ذلك، غطّت جانباً من المشهد السياسي زيارة وزير الخارجية التركية مولود شاووش أوغلو، حيث التقى كلاً من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب ووزير الاقتصاد أمين سلام.
وقالت مصادر اطّلعت على جانب من المناقشات التي اجراها مع المسؤولين اللبنانيين لـ”الجمهورية”، انّه لم يحمل اي مبادرة، على الرغم من الحديث الذي تزامن عن زيارته لطهران ولقائه مع نظيره الايراني حسين امير عبد اللهيان قبل ساعات من وصوله الى بيروت، واستعداده للقيام بأي وساطة في الازمة الديبلوماسية بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي .
وقالت المصادر انّ اوغلو يلتقي في الايام القليلة المقبلة مع نظيره البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني، ويمكنه القيام بأي مسعى في اتجاه ترطيب الأجواء. وابلغ المسؤولين انّ انقرة تستعد لاستقبال ولي عهد الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد في انقرة، في خطوة وصفت بأنّها تاريخية لأنّها ستشكّل مشروعاً لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، بعدما كانت تردّت عقب الحصار الذي فرضته دول مجلس التعاون الخليجي على قطر لسنتين تقريباً، قبل حصول “المصالحة التاريخية” في قمة العلا منذ بضعة اشهر.
العلاقات المتجذرة
وقال أوغلو في تصريحات أدلى بها بعد محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين، إنّ تركيا ولبنان يشتركان في الجغرافيا والمصير، فضلاً عن العلاقات التاريخية والثقافية والإنسانية المتجذرة. وأكّد أنّ تركيا تولي أهمية دائمة لسيادة لبنان وأمنه واستقراره وازدهاره، مشيراً إلى الدعم اللازم والتضامن الذي قدّمته أنقرة بعد انفجاري مرفأ بيروت وعكار.
وقال: “ينبغي على الجميع تقديم الدعم للحكومة اللبنانية من أجل إيجاد حلول للأزمات التي تواجهها البلاد وتنظيم الانتخابات العامة في أقرب وقت”. وأضاف: “الشعب اللبناني ينتظر حلاً عاجلاً لمشكلاته ويجب أن لا يدفع ثمن المساومات الإقليمية”.
وتعليقاً على الأزمة بين لبنان والخليج، قال تشاووش أوغلو: “نأمل في حلّ هذه المشكلة في أقرب وقت ممكن عبر الديبلوماسية والحوار على أساس الاحترام المتبادل، نحن على استعداد للقيام بالدور الذي يقع على عاتقنا”.
وأبدى تشاووش أوغلو سروره للقاء ميقاتي، ووجّه له دعوة رسمية لزيارة تركيا قريباً لبحث مجالات التعاون، وفق بيان لرئاسة الحكومة اللبنانية.
ووجّه ميقاتي “التحية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي يبدي اهتماماً دائماً بالشؤون اللبنانية، ويدعم عمل الحكومة، واستعداد بلاده لتوظيف صداقاتها في المحافل الدولية لدعم موقف لبنان ومساعدته في النهوض من الأزمة التي يمرّ فيها”.
”لبنان القوي”
وفي المواقف السياسية الداخلية، أكّد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بعد الاجتماع الاسبوعي لتكتل “لبنان القوي”، ”اننا مصرّون على الانتخابات، والطعن الذي سنتقدّم به هو بالتعديلات وليس بقانون الانتخاب”، لافتاً إلى أنّه لا توجد مشكلة إطلاقاً في المِهل، وليخرجوا من لعبة الاتهامات كلما اراد فريق ما ان يمارس حقه”. وأوضح “أننا طلبنا تعليق مفعول التعديلات في اطار وقف التنفيذ وليس تعليق مفعول القانون، وهذا لا يؤثر على الإجراءات الادارية للتحضير للانتخابات”، لافتاً إلى انّ “المادة 57 من الدستور واضحة جداً بالنسبة للأعضاء الذين يتألف منهم قانوناً مجلس النواب. وكل اجتهاد هو في غير محله، وموضوع تفسير الدستور يجب ان تُطبّق عليه آلية تعديله نفسها”.
وأشار إلى أنّه “عندما تمّ التمديد مرتين سابقاً للمجلس النيابي، نحن الجهة الوحيدة التي طعنت، وهدفنا اعادة القانون الى نصابه”، معتبراً انّ “الأكثرية النيابية شوّهت التعديلات والإصلاحات التي أُقرّت بقانون الانتخاب عام 2017 والطعن هدفه التصحيح، اما التلاعب بالقانون والمواعيد فيؤدي الى التلاعب بالعملية الانتخابية”.
وأضاف: “سبق للمجلس الدستوري ان اقرّ بأنّه اذا كان للمشرّع الحق في الغاء قانون، الّا انّ هذا الحق لا يتمّ بمخالفة الدستور او بالمسّ بنص تشريعي يمنح حقوقاً او حريات. وإلّا يجب ان يحلّ محله نص اكثر ضمانة ويعادله بإعطاء الحق وهذا ما لم يتمّ”. ورأى باسيل أنّ ”هناك تعدّياً فاضحاً وصريحاً على السلطة التنفيذية في موضوع الموعد، لأنّ تنظيم العملية الانتخابية ودعوة الهيئة الناخبة يدخلان ضمن صلاحياتها بمرسوم عادي”.
الموقف أميركي
وعلى صعيد الموقف الاميركي، أكّدت نائبة مساعد وزير الخارجية للأمن الإقليمي في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية بوزارة الخارجية الأميركية، ميرا ريسنيك، في مؤتمر عبر الهاتف أمس “إنّ المحادثات التي أجراها قائد الجيش اللبناني، جوزف عون، مع المسؤولين الأميركيين في واشنطن خلال زيارته الأخيرة، تركّزت على الأزمة الملحّة التي تواجه لبنان اليوم، والتي سببها القرار السياسي الذي أبقى البلد في وضع حرج للغاية، وله انعكاسات خطيرة على الشعب اللبناني، وعلى قواته الأمنية وتحديداً قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني”. وأضافت أنّ “هاتين المؤسستين هما الوحيدتان اللتان توازنان ثقل “حزب الله”. ودعمنا لقوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني مهم جداً للتأكّد من عدم رؤية حصول الأسوأ في لبنان”. وقالت ريسنيك: “نحن ندرس بنشاط الخيارات المتوافرة لنا لدعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، والتأكّد من أنّ هاتين المؤسستين تبقيان على قيد الحياة، ويمكنهما مساعدة لبنان في اتخاذ القرارات السياسية، والتأكّد من أنّ القادة السياسيين قادرون على اتخاذ القرارات الصحيحة لمصلحة شعبهم”.
عقود الطاقة
على صعيد آخر، اعلنت السفارة الاميركية، انّ السفيرة دوروثي شيا التقت وزير الطاقة الدكتور وليد فياض، وأشارت بعد اللقاء الى “تقدّم كبير في ما خصّ عقود الطاقة الاقليمية، التي لطالما كانت الولايات المتحدة الأميركية حريصة على أن تمضي قدماً”. وأكّدت “محاولة بلادها الحصول على المساعدات الإنسانية، وتقديم مساعدات حقيقية يومية للشعب اللبناني الذي يعاني منذ وقت طويل من نقص في الطاقة ومن انقطاع الكهرباء”. وقالت: “يسرّنا أن نتمكن اليوم من إحراز تقدّم إضافي تجاه حصول لبنان على الغاز من مصر وحصول لبنان على الكهرباء من فائض الكهرباء على الشبكة الأردنية”.
الغاز المصري
وكان وزير البترول المصري طارق الملا اعلن أمس، أنّ مصر تتوقع بدء تصدير من 60 مليوناً إلى 65 مليون قدم مكعبة من الغاز يومياً إلى لبنان أوائل السنة المقبلة.
وقال الملا على هامش مؤتمر للنفط والغاز في أبوظبي، إنّ “مصر ستورّد الغاز بما يتماشى مع الكمية التي طلبها لبنان في أسرع ما يمكن، ويمكن توقّعها في نهاية السنة أو مطلع السنة المقبلة”. واضاف: “نقوم فقط بالفحص النافي للجهالة ونفحص خطوط الأنابيب”.
… وزيت الغاز العراقي
والى ذلك، صادقت الحكومة العراقية امس على اتفاقية تزويد لبنان ما يعادل 500 ألف طن من زيت الغاز (فيول) سنوياً، مقابل خدمات في مجالات متعددة منها طبية.
وقال وزير الإتصالات العراقي أركان الشيباني، خلال مؤتمر صحافي في بغداد، إنّ “مجلس الوزراء صادق اليوم (أمس) على اتفاقية دعم الشعب اللبناني بـ 500 ألف طن من زيت الغاز مقابل خدمات”.
الأمن الغذائي
معيشياً، حذّرت نقابة مستوردي المواد الغذائية امس من تدهور كبير في الأمن الغذائي للبنانيين “جراء عوامل عدة، لعلّ أبرزها حصول انهيار في سعر صرف الليرة في مقابل الدولار، في حال استمرار حال المراوحة وتفاقم الأزمات، ما يعني عدم تمكّن نسبة لا يستهان بها من اللبنانيين من توفير حاجاتهم الغذائية”.
وطالبت النقابة، في بيان بضرورة “إصدار البطاقة التمويلية اليوم قبل غد، لأنّها الوحيدة القادرة على توفير الحاجات الغذائية الأساسية وبشكل سريع لغالبية اللبنانيين”. وناشدت “القوى السياسية تغليب المصلحة الوطنية، وإعطاء كل الجهد والوقت لإنقاذ لبنان الذي يحتاج إلى عودة مجلس الوزراء للانعقاد لاتخاذ الخطوات المطلوبة وإقرار الإصلاحات والاتفاق مع صندوق النقد الدولي”.
موظفو الإدارات
ودعت الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة في بيان، العاملين في الإدارة العامة الى عقد جمعيات عمومية طارئة في كل الإدارات، عند الاولى بعد ظهر اليوم، لمناقشة توصية الهيئة الإدارية بالعودة الى الإضراب المفتوح ابتداء من الثلثاء المقبل، في حال لم تتوصل اللجنة الوزارية في اجتماعها الذي سيُعقد غداً الى “الاتفاق على تلبية مطالب الرابطة التي تشكّل الحدّ الأدنى من الحقوق بل من الحاجات الأساسية للموظفين”.
الرئيسية / صحف ومقالات / الجمهورية : ميقاتي يُركّز على معالجة التداعيات وواشـنطن: ندرس خيارات لدعم الجيش