على الأرجح، ستنتهي “صبحية” قصر بعبدا اليوم بين رئيسي الجمهورية والحكومة إلى قناعة مشتركة على قاعدة “لا تشكيلي ببكيلك” انطلاقاً من موقفهما المتطابق حيال تأكيد الحاجة الملحة لعودة مجلس الوزراء إلى الاجتماع وعزل العمل الحكومي عن الصراع الدائر بين الثنائي الشيعي والقضاء في ملف تحقيقات المرفأ. وعلى الأرجح أيضاً، أنّ “حزب الله” لن يلقي بالاً للمناشدات الرئاسية ولن يحيد عن مطالبه المتصلبة، ربطاً للنزاع بين “رأس” الحكومة و”رأس” التحقيق العدلي في جريمة 4 آب.
وعلى هذه الحال، تحولت حكومة “معاً للإنقاذ” إلى حكومة اللعب في “الوقت الضائع” مع ارتفاع منسوب فقدان الأمل بإحرازها أي هدف في المرمى الإنقاذي تحت وطأة تشتّت شملها وتشرذم خطوطها وخططها، ليسود واقع من “الكر والفر” والتناحر بين اللاعبين ضمن الفريق الحكومي الواحد… بينما تتجه الأنظار نهاية الشهر إلى مشاركة رئيس الجمهورية ميشال عون في “دورة كأس العرب” التي تستضيفها الدوحة حيث يلتقي على هامش الدورة أمير قطر للتباحث معه في مستجدات الأزمة اللبنانية – الخليجية، في حين يستعد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لزيارة الفاتيكان الأربعاء المقبل، على أن يقوم كذلك بجولة إقليمية تقوده إلى أنقرة والقاهرة، بالتزامن مع تحميله وزير الخارجية عبد الله بو حبيب رسالة شفهية إلى موسكو تطلب وساطتها “لحلحلة الأوضاع المتشنجة سياسياً”.
ورغم ازدحام الرحلات الخارجية على الأجندة الرسمية، غير أنّ أوساطاً مراقبة وضعت نتائجها المتوخاة في خانة لا تتجاوز حدود “السياحة والسفر”، معربةً عن قناعتها بأنّ “كل الجولات والوساطات لن تجدي نفعاً طالما بقي مجلس الوزراء معطلاً ومكبّلاً”، وشددت في هذا السياق على أنّ “السلطة ستبقى تتخبط في دوامتها العقيمة ما لم تسارع بنفسها إلى إصلاح الأعطاب الجوهرية التي تعترض تفعيل العمل الحكومي، وعبثاً سيواصلون اللف والدوران ما لم تبدأ الحكومة بخطوات المعالجة الجدية مع دول الخليج العربي، وأولها استقالة أو إقالة قرادحي”.
وامتداداً للأزمة الحكومية، يمرّ الجسم القضائي بحالة من انعدام التوازن تحت وطأة الهجمة المرتدة التي يقودها الثنائي الشيعي على التحقيق العدلي في جريمة المرفأ، فارضاً إيقاعه على السلطة القضائية بغية إخضاعها لتوجهاته السياسية والحزبية تحت طائل التهديد بإغراقها في مستنقعات لامتناهية من الدعاوى والدعاوى المضادة طلباً لـ”كف يد” كل من يعارض هذه التوجهات بدءاً من المحقق العدلي القاضي طارق البيطار وصولاً إلى وضع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود تحت مجهر “القبع” خلال الساعات الأخيرة.
وتحت وطأة حملات الترهيب والترغيب، انعقدت أمس الهيئة العامة لمحكمة التمييز برئاسة القاضي عبود للمذاكرة في دعويي “مخاصمة الدولة” المقدمة من المدعى عليهما في جريمة المرفأ، رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب والنائب نهاد المشنوق، بحيث تدارس المجتمعون في حيثيات اتهام المحقق العدلي بتجاوز صلاحياته، في التحقيق والاستدعاء والادعاء، لكنهم لم يتوصلوا إلى “أي قرار أو نتيجة مشتركة فانتهى الاجتماع إلى الاتفاق على الحاجة لمزيد من الوقت لدرس القضية”، وفق ما نقلت مصادر مواكبة، نافيةً ما تردد عن وجود حالة من التوتر والانقسام بين صفوف أعضاء هيئة التمييز، مقابل الإشارة في الوقت نفسه إلى أنه “من الطبيعي أن تكون هناك وجهات نظر قضائية متفاوتة إزاء مقاربة الملف لكنها لا ترتقي إلى مستوى الانقسام”.
وإذ أكدت أنّ المذاكرة بدعوى “مخاصمة الدولة” لا بد من أن تأخذ وقتها الوافي، لافتةً إلى أنّ “هيئة التمييز آثرت التبصّر والتريّث على الإسراع والتسرّع في اتخاذ القرار لا سيما وأن قراراتها تؤخذ بالإجماع”، لم تنف المصادر في المقابل “شعور الجسم القضائي بمحاولة استهداف شخصية تطال رئيس مجلس القضاء الأعلى الرئيس الأول لمحكمة التمييز للتأثير على قرارات الهيئة”، واضعةً في هذا الإطار نصّ البيان “عالي السقف” الذي أصدره نادي القضاة أمس “ليس فقط دفاعاً عن القاضي عبود بل عن الجسم القضائي ككل في مواجهة حملات الترهيب التي يتعرض لها”.
وكان نادي القضاة قد حذر في بيانه من مغبة ما يتردد عن محاولات هادفة لإقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى باعتبارها أصبحت من “شروط حلّ الأزمة الحكومية”، مشددةً على أنه “رئيس سلطة دستورية لا يُقال حسب الرغبات”. وتوجه البيان إلى الطبقة السياسية بالقول: “آن الاوان لتتعودوا على قضاة مستقلين لا يلبون طلباتكم مهما كانت، حلّوا أزماتكم بعيداً عن السلطة القضائية واحترموا مبدأ الفصل بين السلطات وكفى تهديماً وتخريباً في ما تبقى من معاقل الدولة”.