بعدما حوّلت الطغمة الحاكمة “اللبناني” إلى مرادف لليأس والبؤس والجوع والعوز، فتفنّنت في إذلاله ومرمغة أنفه في الأرض طلباً لماله المنهوب ودوائه المفقود، لاهثاً متلهفاً وراء تأمين أدنى مستلزمات يومياته الحيوية من قوت ووقود وماء وكهرباء… أطبقت عليه بين كماشة التفليسة في الداخل والقطيعة مع الخارج، فسدّت المنافذ في وجهه وجعلته هائماً على وجهه تتقاذفه “قوارب الموت” نحو موانئ النجاة، ليتحيّن أي فرصة تطأ بها أقدامه اليابسة ليسارع إلى تسجيل اسمه “نازحاً لبنانياً” من بطش النظام، كما حصل مع مجموعة الـ39 لبنانياً الذين استغلوا هبوط طائرتهم في برشلونة ليفترشوا أرض المطار طلباً للجوء في إسبانيا.
وبينما الدراما اللبنانية تتوالى فصولاً مأسوية وتشتد وطأتها على البلد وأبنائه، لا يزال العهد يعد اللبنانيين بأن يريهم عجائب قدرته في عامه الأخير، بينما العجز على أرض الواقع يتآكل الدولة من فوق ومن تحت، والحكومة ممنوعة من الانعقاد بقدرة قادر على التعطيل من دون أن يملك رئيسها أكثر من حق الاعتراض والامتعاض وضرب مواعيد “فضفاضة” لعودة مجلس الوزراء… كما أتى وقع إعلان الرئيس نجيب ميقاتي أمس نيته دعوة الحكومة للانعقاد “قريباً” كضربة سيف في المياه، لا سيما وأن “حزب الله” سارع إلى “تنفيس” الدعوة وإفراغها من أي مضمون أو محتوى يُعتد بجدّيته لتأمين رفع الحظر عن انعقاد مجلس الوزراء، واكتفت مصادر “الحزب” تعليقاً على كلام ميقاتي بعبارة: “ما في شي منو”!
وأوضحت مصادر “حزب الله” لـ”نداء الوطن” أنّ الوضع لا يزال على حاله “وكل ما يمكن قوله لا اجتماع لمجلس الوزراء قبل معالجة الأسباب” التي علّقت اجتماعاته، وأضافت: “نحن ما زلنا على موقفنا ولم يتبدل شيء حتى الساعة”، في إشارة إلى الموقف من المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق البيطار، مشددةً على أنه “لم يحصل أي تطور أو اتفاق، ولم تبرز أي من المعالجات والحلول المطلوبة” لاستئناف جلسات الحكومة.
وعن الأسس التي ارتكز عليها تصريح رئيس الحكومة من مقر الاتحاد العمالي العام حول دعوته “قريباً” مجلس الوزراء، أجابت مصادر “حزب الله”: “لا معلومات لدينا إطلاقاً ولسنا في هذا الجو ولا في هذا الوارد، والرئيس ميقاتي نفسه كان قد أكد لنا أنه لن يدعو مجلس الوزراء” من دون التوافق مع الثنائي الشيعي على صيغة هذه العودة، لا سيما وأنه “يدرك أنه أمام إشكاليتين تحولان دون استئناف جلسات مجلس الوزراء قبل حلّهما، الأولى تتعلق بمشكلة القاضي البيطار، والثانية تتصل بمشكلة الوزير جورج قرداحي”، وتساءلت حيال ذلك: “على أي أساس سيدعو مجلس الوزراء ومشكلة البيطار لا تزال قائمة، وهل يستطيع عقد جلسة ويطلب من قرداحي البقاء خارجها… الأكيد لا “ما بيحقّلو”!
أما دوائر الرئاسة الأولى فنأت أوساطها بنفسها عن الحيثيات التي ارتكز عليها ميقاتي في التصريح عن قرب دعوته مجلس الوزراء إلى الانعقاد، واكتفت بالتأكيد أنه أطلع رئيس الجمهورية على نيته هذه “لكن من دون تحديد وقت معيّن”، وقالت لـ”نداء الوطن”: “ليس لدينا معطيات مفصلة عن توجهات رئيس الحكومة بهذا الخصوص أو الأسباب التي دفعته إلى تأكيد عزمه على توجيه الدعوة لانعقاد الحكومة، لكن الأكيد أنه لو لم يكن يمتلك معطيات محددة لما كان قال ما قاله”، مرجحةً أن تبقى الأمور معلقة إلى “ما بعد عودة رئيس الجمهورية من الدوحة وعودة رئيس الحكومة من روما”.
وفي الغضون، حلّت الذكرى الثامنة والسبعين للاستقلال كئيبة على اللبنانيين، وعكس “أمر اليوم” للعسكريين أجواء “تزاحم الأزمات والتحديات الوطنية والسياسية والاقتصادية والمعيشية”، التي تخيّم على الذكرى “المحمّلة بآلام الأوضاع التي نمرّ بها وآمال الخروج من الأزمة”، فكان تشديد على أهمية صون “ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي بالمؤسسة العسكرية”، مع التأكيد أنّ “صيغة العيش المشترك تصونها العقول الواعية والعيون الساهرة، كما ديمومة الاستقلال تحميها دماء الشهداء والجرحى والإرادة الصلبة (…) مهما اشتدت الصعاب”.
وللمناسبة، حرص قائد الجيش العماد جوزيف عون على مخاطبة عسكرييه بصراحة، مشدداً خلال تفقده قيادة فوج المغاوير في روميه أمس، على أنهم ضمانة البلد وأبنائه “ولا خيار أمامكم سوى المؤسسة العسكرية رغم كل التحديات التي تعيشونها”، وأضاف متوجهاً إليهم بالقول: “نسعى جاهدين للتخفيف من الأعباء الاقتصادية التي تضغط عليكم، وتوفير الخدمات الأساسية التي تحافظ على كرامتكم وكرامة عائلاتكم وأبرزها الطبابة والنقل”.